الجمعة, نوفمبر 22
Banner

لبنان يدخل زمن المونديال.. ما قبل الأزمة ليس كما بعدها

قبل أيام من انطلاق صافرة البداية لكأس العالم 2022، بدأ الحماس ومظاهر الاحتفالات تعم لبنان، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع من خلال رفع أعلام الفرق المشاركة في هذا الحدث العالمي في الأماكن الخاصة والعامة، لا بل حتى القيام بمسيرات جوالة في بعض المناطق.

اعتاد اللبنانيون على انتظار المونديال بشغف، كما اعتادوا الانتظار حتى اللحظة الأخيرة لمعرفة فيما إن كانت السلطة اللبنانية ستنجح في الحصول على حق بث المباريات ليتابعوها مجانا، كي لا يضطروا إلى تكبد مبلغ مالي لم يكن بمقدور عدد كبير منهم دفعه في مونديال 2018 فكيف الآن في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة الفقر.

لتأمين مشاهدة الشعب اللبناني لمباريات كأس العالم مجانا عبر شاشة تلفزيون الدولة الرسمي، دخل وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري في مفاوضات مع شركة “beIN Sports” الناقل الرسمي الحصري للمباريات في الشرق الأوسط، حيث طرح بداية كما يقول “الحصول على حق البث مجانا، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، ليبدأ التفاوض على مبلغ مالي بملايين الدولارات”.

وأضاف المكاري في حديث لموقع “الحرة” أنه يتفهم دولة قطر “كون علاقتنا مع شركة تجارية وليست معها”، مشددا أن “هدفنا ليس تجاريا أو سياسيا، بل تمكين الشعب اللبناني من مشاهدة المباريات من دون أن يدفع بدلا ماليا، وأيا تكن النتيجة التي ستؤول إليها المفاوضات سواء سلبية أم إيجابية، سأعلن عنها من خلال مؤتمر صحفي”.

لكن ما لا يعرفه اللبنانيون أن هناك مبلغا ماليا خصص من قبل أحد المانحين لتغطية تكاليف بث المباريات مجانا، كما قال المحامي حسن بزي، الذي شرح لموقع “الحرة” أنه علم من مصادره أنه “تم التصرف بالمبلغ، وقد وضع القضاء اللبناني يده على هذا الملف، فالمشكلة بالتأكيد ليست في الشركة التجارية التي تبغي الربح، وإنما في الدولة اللبنانية التي تمت سرقتها من قبل مجموعة لصوص، وبعد ذلك يريدون التسول للحصول على بث المباريات مجانا”.

وحتى الآن الاقبال ضئيل جدا من قبل اللبنانيين على الاشتراك لمتابعة المباريات عبر الوكلاء المعتمدين لشركة “beIN Sports”، منهم هادي التنير، الذي يؤكد أن “النسبة لا تتجاوز 30 في المئة في وقت وصلت قبل أربع سنوات إلى 85 في المئة، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، فالبدل المترتب على الاشتراك 90 دولارا، وفي حين كانت تعادل قبل الأزمة التي يمر بها لبنان 135,000 ليرة، فأنها تعادل اليوم نحو 3 ملايين و600 ألف ليرة، في وقت لم تخفض الشركة حتى الآن الرسوم المطلوبة”.

ويشدد التنير في حديث لموقع “الحرة” أن “بث المباريات عبر تلفزيون لبنان سيؤثر على الوكلاء المعتمدين كثيرا، في حين أن الكابلات غير المرخصة لن تتمكن من مزاحمتنا نتيجة تقطع بثها، وبالتالي سيعلم المواطن حينها أن المبلغ الذي دفعه لمتابعة المباريات عبرها ذهب هباء”.

شغف وترقب

اللبنانيون متشوقون للحدث العالمي الذي تنتظره جميع شعوب الكرة الأرضية، وهمّهم أن يتمكنوا من متابعته من منازلهم، كما يقول المعلق والمحلل الرياضي في تلفزيون لبنان محمد كركي، ويضيف “هو كالعيد الذي يهل عليهم مرة كل أربع سنوات، يترقبونه بتعطش وشغف أكثر من شعوب الدول المشاركة فيه، وهو مناسبة لكي يكون تلفزيون الدولة الرسمي الأول بين الشاشات اللبنانية في بث المباريات”.

عدد كبير من اللبنانيين كان يحلم بمتابعة المباريات من أرض الملعب، مع إعلان استضافة قطر لكأس العالم، وكما يقول كركي ” أنا واحد من هؤلاء، لكن حجز المصارف لأموالنا حال دون ذلك، ويقع الآن على عاتق السلطة اللبنانية كيفية تمكين جميع اللبنانيين من متابعة المباريات مجانا، ففي ظل الانهيار الاقتصادي لن يتمكن القسم الأكبر منهم من الاشتراك في شركة beIN Sports، أو مع شركات الكابل المرخصة، من هنا لن يكون أمامهم سوى ما بين 10 و20 دولارا للكابل غير المرخص وتحمل معاناة رداءة الصورة وتقطع البث وغيرهما”.

يستطيع كأس العالم دائما أن يضبط إيقاع السياسة والحروب والشعوب، حيث لا صوت يعلو كما يقول راين “فوق صوت الجماهير المشجعة، فهو حدث استثنائي يتابعه الملايين حول العالم، الشعوب بأكملها تنتظره، في الدول النامية والمتحضرة والمتقدمة، على اختلاف الشرائح والقدرات، فهذا الحدث الجامع، يشد الجميع للتمترس أمام الشاشة، البعض يتابعه عبر الشاشات العملاقة والبعض الآخر عبر شاشات صغيرة، وكلبنانيين للأسف يمر هذا المونديال ونحن نعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية واستشفائية وفراغ رئاسي، ورغم أننا نعي تماما أننا نعيش في المجهول لكن هذا لا يمنعنا من أن نتفاعل مع هذا الحدث، وسنتابعه إن أتيحت لنا الفرصة”.

عدم تمكن السلطة اللبنانية من الاستحصال على حقوق نقل مباريات كأس العالم أمر لن يصدم اللبنانيين، بحسب راين، الذي يشدد “اعتدنا من هذه الطبقة الحاكمة عجزها عن حل أي مشكلة كونها السبب الأساسي لكل ما نواجهه”.

لكن كما هو معروف عن اللبناني بأنه يجد مخرجا لكل مأزق، بحث راين كما يقول “عن طريقة تمكّني من متابعة المباريات من دون انتظار نتائج مفاوضات وزير الاعلام، أرخصها عبر الكابل غير الشرعي لتشجيع المنتخب الألماني، تكلفتها 20 دولارا أي ما يعادل نحو 800,000 ليرة، لكن حتى هذا المبلغ تعجز عن دفعه العديد من العائلات، إلا إنه يبقى خيارا أوفر من أن نقصد المطاعم التي ستستغل الحدث بمضاعفة أسعارها”.

فرصة وغصّة

حتى لو تمكن اللبنانيون من تأمين مشاهدة المباريات في منازلهم، سيصطدمون كما يقول كركي بمشكلة انقطاع التيار الكهربائي، “فالتقنين لا يقتصر على كهرباء الدولة والذي يصل إلى 22 ساعة يوميا، بل يطال كذلك المولدات الخاصة، حيث خفض أصحابها ساعات التغذية بعد ارتفاع أسعار المحروقات، من هنا يجب إيجاد حل لذلك، لا سيما وأن قصد المطاعم والمقاهي مكلف جدا”.

معظم المطاعم في لبنان لديها شاشات عملاقة، وهي تنتظر كما يقول نائب رئيس “نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري” خالد نزهة هذا الحدث في محاولة للاستفادة منه، خاصة أن عيد الميلاد ورأس السنة سيتبعانه، حيث سيقصد المغتربون لبنان لتمضية فترة الأعياد مع عائلاتهم”.

وتوقع إقبالا لمتابعة المباريات من المطاعم التي ستضطر كما يقول إلى “فرض تكاليف إضافية كي تتمكن من تغطية التكاليف التي تكبدتها لنقل المباريات وهي تتراوح بين 3000 و15,000 دولارا حسب سعة كل مؤسسة”.

يضيف نزهة “رغم كل الظروف السيئة التي يمر بها اللبنانيون إلا أنهم ينتظرون هذه المناسبة، وبعد أن كانوا حوالي 85 في المئة من رواد المطاعم سابقا، الا أنه بعد 17 أكتوبر وانفجار المرفأ وتفشي وباء كورونا والانهيارات الاجتماعية والمالية والصحية تغيّر الوضع، ومن يقصد المطاعم الآن أولئك الذين رواتبهم بالدولار أو من تصلهم تحويلات من الخارج ومن لديهم مدخول جيد من أعمالهم”.

راتب علي بالكاد يكفيه لتأمين مصاريف عائلته، فكيف له كما يقول أن يتكبد حتى فلسا واحدا لمتابعة المباريات اذا لم يبثها تلفزيون لبنان مجانا، وإن كان متحمسا جدا لتشجيع المنتخب البرازيلي، ويقول “كل ما أستطيع فعله في حال انتهت المفاوضات بين لبنان والشركة الناقلة للمباريات بصورة سلبية، هو أن أتوجه إلى منزل أحد الأصدقاء لأشاهدها، فرغم كل شيء لن أضيع فرحة هذا الحدث المهم، وسأشارك بالتأكيد بالمواكب السيارة مع مشجعي المنتخب البرازيلي، وباحتفالات النصر، وسأستفز مشجعي باقي الفرق بروح رياضية”.

يضيف علي “اذا كان لبنان لم يحصل على شرف المشاركة في بطولة كأس العالم رياضيا، فإن له شرف المشاركة فنيا، من خلال الفنانة ميريام فارس، حيث نشر المنتج اللبناني العالمي وسيم صليبي كواليس تصوير فيديو كليب أغنيتها لهذا الحدث، التي تحمل اسم “TUKOH TAKA”، وتتعاون فيها مع النجمة العالمية نيكي ميناج والنجم العالمي مالوما”.

أما المباراة النهائية فإن القرار محسوم كما يشدد “بمتابعتها وابني عبر شاشة عملاقة في أحد المقاهي، حتى لو اضطررت إلى استدانة كلفة الفاتورة” لافتا إلى أن “الغصة في القلب كبيرة، فبعد أن كنا نقصد المطاعم والمقاهي متى نشاء، بتنا نعجز عن تأمين المال لإعداد طبخة في البيت، وأحمد الله أني لن أتكلف هذا المونديال ثمن شراء أعلام كوني محتفظ بها منذ سنوات”.

من الأمور التي تطرق اليها كركي متابعة طلاب المدارس للمباريات، قائلا “علينا ألا ننسى أن تركيزهم خلال هذا الشهر سيكون عليها، حيث أن بعضها سينطلق عند الساعة الثانية عشرة ظهرا بتوقيت بيروت، من هنا أتوجه لوزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي لأخذ ذلك بعين الاعتبار، والقيام بكل ما في وسعه لكيلا ينحرم الطلاب من هذا الحدث الكروي الكبير”.

“حماس” مخالف للقانون

برزت في السنوات الماضية، مجموعة روابط جماهيرية لتشجيع المنتخبات العالمية، لكن “حماسة اللبنانيين الزائدة التي تدفعهم إلى رفع أعلام دول الفريق الذي يشجعونه مخالفة للقانون وهو ما لا يعرفه غالبيتهم”، بحسب بزي الذي يشرح أن “القانون اللبناني يعاقب على رفع علم أية دولة أجنبية بالسجن من شهر إلى السنة، حيث تنص المادة الأولى من القانون الصادر عام 1945 في عهد الرئيس بشار الخوري، وهو قانون نافذ، أنه لا يجوز رفع علم غير العلم اللبناني في أراضي الجمهورية اللبنانية”.

أما المادة الثانية من القانون فتنص أنه “لا ترفع الاعلام الاجنبية إلا على دور وسيارات البعثات السياسية والقنصليات وقواد الجيوش الأجنبية وعلى ثكناتها وعلى المراكب الأجنبية وفقا للتقاليد الدولية المرعية. أما في الحفلات العامة الرسمية فلا يجوز رفع أي علم غير العلم اللبناني إلا بعد استئذان وزارة الداخلية وموافقتها”.

يذكر بزي أنه في مونديال 2018 طلب من محافظ بيروت السابق القاضي زياد شبيب تطبيق القانون، فما كان من هذا الأخير إلا أن أصدر تعميما طلب خلاله من مطاعم العاصمة ونواديها السياحية “عدم رفع أي علم للدول المشاركة في المباريات ضمن محافظة مدينة بيروت، باستثناء العلم اللبناني، على أنه سوف تتم إزالة أية أعلام مخالفة مع إحالة المخالفين أمام النيابة العامة لملاحقتهم جزائيا، فضلا عن تكبيدهم تكاليف الإزالة على نفقتهم”، مؤكدا على أنه أرسل إلى محافظي لبنان الثمانية الطلب ذاته اليوم.

ويشدد المحامي أنه مع تشجيع الرياضة وهو أحد مشجعي المنتخب الألماني منذ عام 1984 ومتحمس جدا لهذا المونديال، ” لكن هذا لا يعطيني المبرر لرفع علم دولة أجنبية، وهو ما لا تسمح به أي دولة اجنبية محترمة في العالم، فهل يتجرأ أي مواطن أوروبي على سبيل المثال على رفع العلم اللبناني في أوروبا من خارج نطاق البرامج الداعمة لحقوق الانسان”؟!

كأس العالم يجب أن يكون فرصة بحسب كركي “لكي يأخذ اللبنانيون استراحة من الأزمات السياسية والمناكفات”، معبرا عن أمله أن يبث التلفزيون الرسمي اللبناني المباريات، قائلا “هناك إصرار من قبل المديرة العامة للتلفزيون المحامية فيفيان لُبس صفير ببث كامل المباريات، ونحن على أتم الاستعداد من مختلف النواحي اللوجستية والتقنية وغيرهما، وفي ذات الوقت نعتبر أن قطر دولة شقيقة ولا نعتقد أنها ستسمح أن يكون جزء من الشعب اللبناني مغيّب عن أبرز حدث في الكوكب”.

أسرار شبارو – الحرة

Leave A Reply