السبت, نوفمبر 23
Banner

باسيل يُضيِّق الخيارات أمام حزب الله

حسن الدر

لا يمكن عزل لبنان سياسيًّا عن محيطه الإقليمي وارتباطه الدّولي، هذه مسلّمة واقعيّة، بغضّ النّظر عن سلبيّاتها وتداعياتها، ولا يمكن قراءة المشهد الرّئاسيّ اللّبنانيّ إلّا من خلال سياق الأحداث والمواقف الخارجيّة.

الحدث الأبرز اليوم والّذي بدأ يستحوذ على مساحة أوسع من التغطية الإعلاميّة، عربيًّا وغربيًّا، هو التّحوّل الدّراماتيكيّ للاحتجاجات في إيران.

فلأوّل مرّة تنقل إحدى القنوات العربيّة خبراً عن اعتداء محتجّين مسلّحين أدّى إلى مقتل 9 إيرانيين، فيما كان التركيز على «قمع» المتظاهرين حسب وجهة نظر الإعلام الغربي وبعض الإعلام العربيّ.

مشاهد الاعتداءات على مراكز ورجال الشّرطة الإيرانيّة ومكاتب الحرس الثّوريّ في بعض المحافظات الإيرانيّة تعيد إلى الذّاكرة سياق الأحداث السّوريّة وانتقالها من التّظاهر إلى التّقاتل.

وفي سياق الضّغوطات المتزايدة والمتزامنة على الحكومة الإيرانيّة بدأت بعض الصّحف الغربيّة بالحديث عن حرب أهليّة في إيران، وذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانيّة بأنّ وكالة الطّاقة الذّريّة تعتزم تحويل ملف إيران النّووي إلى مجلس الأمن الدّوليّ، ولم تستبعد الصّحيفة احتمال تصويت مجلس الأمن على توجيه ضربات إلى إيران، مترافقاً مع دعوة رئيس وزراء العدوّ الإسرائيليّ المكلّف «بنيامين نتنياهو» إلى توجيه ضربة لإيران قبل فوات الأوان، حسب رغبته، أي قبل امتلاك إيران القنبلة النّوويّة الّتي تحتاج إلى سنتين وفق تقديرات استخبارات كيانه..

أمام هذا الواقع الإقليميّ الّذي انعكس توتّراً كبيراً في العلاقات بين إيران والسّعوديّة، كيف تتصرّف القوى السّياسيّة اللّبنانيّة؟

في الجلسة السّادسة المخصّصة لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة طغت المزايدات الشّعبويّة على المقاربات الجدّيّة، حيث استمرّ نوّاب حزب الكتائب في افتعال سجال عقيم مع رئيس المجلس حول نصاب الانتخاب، فجاء الرّدّ مرًّا على مسامع الكتائبيين، رغم حقيقته التّاريخيّة، عندما ذكّر النّائب «قبلان قبلان» بالإصرار على تأمين نصاب الثّلثين لانتخاب الرّئيس السّابق «بشير الجميّل» عبر إحضار بعض النّوّاب بالملّالات العسكريّة بسبب الظّروف الأمنيّة آنذاك، وهذه واقعة لا ينكرها غير الّذين يتحسّسون من تذكيرهم بتاريخهم.

أمّا «التّرند» فكان التّسريب الصّوتي للنّائب «جبران باسيل» من «باريس» حيث تفوّق باسيل مجدّداً في الانقلاب على نفسه في أقلّ من 72 ساعة.

كان وقع التّسجيل في «عين التّينة» غيره في باقي مراكز القرار اللّبنانيّ، فلم تزل بصمات باسيل حاضرة على أواني مائدة الغداء حيث جلس باسيل بكلّ ودّ واحترام وتقدير أمام الرّئيس «نبيه برّي» في لقاء طلبه باسيل، وأراده سرّيًّا، لفتح صفحة جديدة مع رئيس المجلس، وهكذا كان!

في المعلومات، بدا باسيل كمن يتلو فعل النّدامة أمام برّي، حاول توزيع الأخطاء على الجميع عندما قال: «كلنا لدينا أخطاء والآن لا بدّ من حوار بين الجميع للخروج من الأزمة»، وهذا تطوّر لافت في خطاب التّيّار ورئيسه وكوادره وجمهوره، باعتبارهم ملائكة وسط شياطين، مع العلم بأنّ باسيل نفسه رفض الحوار الّذي دعا إليه رئيس المجلس حول رئاسة الجمهوريّة.

في الشّكل، الزّيارة حدث بحدّ ذاتها، لكنّ ملاحظتين في المضمون لا يمكن القفز فوقهما ربّما تساعدان في فهم حالة التّخبّط الّتي يعيشها جبران باسيل بعد خروجه من السّلطة:

– الأولى: حاول التّنصّل من المسؤوليّة عن المعارك الّتي فتحها مع الرّئيس نبيه برّي بالقول بأنّه لم يكن المسؤول الأوّل وليس المقرّر الوحيد في فريقه!

– الثّانية: اقترح على الرّئيس برّي تسوية تقضي باتّفاقهما على اسم توافقيّ للرّئاسة ثمّ يذهبان به إلى حزب الله ليحرّجاه ويخرجا «فرنجيّة» من المعادلة!

طرح باسيل الأخير ينمّ عن غباء، وباسيل ليس غبيًّا، لكن العطشان يرى السّراب ماءً، وباسيل يعلم بعد تجربة طويلة أنّ بين الرّئيس برّي والسّيّد نصرالله تناغماً وتآلفاً وتحالفاً عقائديًّا وأخلاقيًّا وتاريخيًّا وسياسيًّا ووطنيًّا، وأنّ ما لم تستطعه أميركا وحلفاء باسيل الجدد لن يستطيعه هو.

وربّما غاب عن «باسيل» ما قام به حزب الله لأجله على مدى سنوات التّفاهم بينهما، ومن حيث يدري أو لا يدري، يساهم باسيل في تضييق الخيارات أمام الحزب، الّذي ينظر إلى موقع الرّئاسة الأولى نظرة استراتيجيّة خارج الحسابات المحلّيّة الضّيّقة، وبناء عليه سيبني الحزب مواقفه مع باسيل وغيره.

اللّعب على عامل الوقت خطير، ولا أحد يضمن تطورّات الأمور الخارجيّة وانعكاساتها الدّاخليّة!

Leave A Reply