السبت, نوفمبر 23
Banner

القرار السعودي مؤجّل إلى 2023

جوني منيّر – الجمهورية

في الأروقة الديبلوماسية المتنوعة في باريس لا تسمع سوى بإسمين وحيدين للاستحقاق الرئاسي اللبناني: سليمان فرنجية والعماد جوزف عون. وفي هذه الأروقة، سعي لاكتشاف العناوين والتفاصيل المتعلقة بآخر مستجدات التواصل الفرنسي ـ السعودي، وثمة اقتناع أولّي بأنّ الملف اللبناني سيأخذ وقته، خصوصاً انّ السعودية أبلغت إلى الفرنسيين، بوجوب الانتظار بعض الوقت لدرس الافكار المطروحة بتمعن، وهو ما يستوجب الانتظار حتى انطلاق السنة المقبلة، خصوصاً انّ باريس كانت قد طلبت أجوبة والتزامات سعودية مسبقة. لكن الانطباع الغالب، أنّ اسباب التريث السعودي لا تتعلق بإجراء دراسة كاملة ومعمّقة للاستحقاقات اللبنانية وترجمتها مستقبلاً، بل خصوصاً في انتظار التطورات الاقليمية، والتي تبدو حافلة، بدءاً من ايران ومروراً بسوريا وتركيا وانتهاء بالوضع على الساحة الفلسطينية.

فمن الطبيعي ان تراقب السعودية التطورات الحاصلة داخل ايران، ذلك أنّها تبدو مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي سبقتها، بما فيها ما عُرف بـ»الثورة الخضراء» في العام 2009، إن لناحية المشاركة الداخلية وتنوعها او حتى لناحية عناوينها، والتي طاولت وللمرة الاولى أحد الركائز الأساسية للعقيدة الدينية للثورة الاسلامية الايرانية. وجاء سلوك منتخب الفريق الايراني وتصريح قائده خلال بطولة كرة القدم منذ ايام، وتفاعل الجمهور الايراني معه، بمثابة المؤشر الواضح الى أنّ ايران انتقلت إلى مرحلة جديدة. صحيح انّ من المبالغة القول إنّ استمرارية النظام في خطر، لكن بات من الواقعية اعتبار أنّ جزءاً اساسياً من الشارع بات على مسافة من السلطة الحاكمة. وحتى الآن لم تظهر أدلة حاسمة بعد إلى أنّ ما يحصل يدخل في إطار مؤامرة غربية كبيرة. لذلك ارتفعت بعض الاصوات في واشنطن إلى جانب اصوات اسرائيلية، تعتبر انّ ما يحصل في ايران بمثابة فرصة نادرة وتاريخية لا يجب تفويتها، وأنّ الإدارة الاميركية ملزمة بإعطاء الضوء الاخضر للذهاب في اتجاه المساعدة في إسقاط السلطة القائمة، وفتح الابواب أمام استبدالها بسلطة مدنية غير دينية، لكن الادارة الاميركية لا تزال غير متجاوبة معها.

صحيح انّ ايران كانت قد اتهمت خصوصاً الاكراد والسعودية إلى جانب الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، بالعمل على إثارة الشغب في شوارع ايران، الّا انّ الردّ المدفعي الايراني في اتجاه الاكراد في العراق قد يكون يهدف لأكثر من حملة تأديب، والمقصود هنا السعي لإعادة توحيد الوضع الداخلي تحت عنوان مواجهة الخطر الخارجي، وفي الوقت نفسه التلويح بإحدى اوراق القوة المتعددة التي تمتلكها السلطة الايرانية، والتي بدأت تلوّح باستخدامها لأجل ذلك، فإنّ الوضع في ايران في حاجة إلى اسابيع عدة قبل تبيان حقيقة المشهد والاتجاه الذي سيرسو عليه، خصوصاً ان ثمة خيوطاً يصل تأثيرها إلى سوريا.

وفي هذا الوقت، استبدلت واشنطن الضوء الاحمر الذي كانت اضاءته في وجه أي حملة عسكرية تركية في اتجاه شمال سوريا بضوء أصفر. ولا شك في أنّ ملف العلاقات التركية ـ السورية يتركّز في شكل أساسي على البعد الكردي، وطموح تركيا إلى إنشاء منطقة عازلة خاضعة لها عند طول حدودها مع سوريا وبعمق 30 كلم. وانّ هذا التحرّك العسكري الآن، حتى ولو لم يحقق كل الهدف، الّا انّه سيسمح لإردوغان باستعادة شعبيته المتراجعة قبل الانتخابات الرئاسية في ايار المقبل.

لكن تبدّل الضوء الاميركي لا بدّ ان يكون قد حصل نتيجة تفاهمات في العمق مع تركيا حيال المهمّات المطلوبة منها في سوريا. وبالتالي لا بدّ ان يشكّل الدخول التركي القوي على الخط السوري إلى نشوء توازنات جديدة في وجه الحضور الايراني، بعد ان سعت طهران خلال الاشهر الماضية، وتحديداً منذ بدء حرب اوكرانيا، إلى الاستفادة من الانشغال الروسي بتعثر حملته العسكرية على اوكرانيا، والعمل على ملء الفراغ الروسي في سوريا، في مقابل مساعدات عسكرية تحتاجها روسيا مثل المسيّرات الايرانية.

اما الملف الاقليمي الثالث، والذي له انعكاساته الاقليمية، فهو المتعلق بالنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وكان لافتاً حصول تفجيرين متتاليين بعد فترة طويلة خلت من التفجيرات. ومن الواضح انّ ثمة جهة قادرة نسّقت التفجيرين بالتزامن مع الأحداث الحاصلة في الضفة الغربية، وإثر الانتخابات الاسرائيلية التي أفضت إلى فوز اليمين وصعود اليمين المتطرف. لكن الأهم هو الكلام الصادر عن قرب انهيار السلطة الفلسطينية، ما يجعل الضفة الغربية قابلة لاحتضان مجموعات فلسطينية على علاقة تحالفية متينة مع ايران. ذلك انّ انهيار السلطة الفلسطينية في حال صح، سيعني اندلاع الفوضى التي تحسن ايران استغلالها وتطويعها لمصلحتها في العادة. والفوضى في الضفة ستؤذي حتماً الساحة الاردنية وستدفع إلى خلط الاوراق في حال بلغت حدوداً بعيدة.

ليس سراً انّ الائتلاف الحكومي الاسرائيلي اليميني يرفض كلياً حل الدولتين، في الوقت الذي لا تزال فيه إدارة بايدن تصرّ عليه. وكان لافتاً في هذا المجال اعلان وزارة الخارجية الاميركية تعيين هادي عمرو ممثلاً خاصاً جديداً لها في الشأن الفلسطيني، من خلال إنشاء دائرة جديدة للفلسطينيين في وزارة الخارجية، بعد ان كان عمرو يتولّى موقع نائب مساعدة وزير الخارجية للشؤون الاسرائيلية ـ الفلسطينية.

وبدا أنّ العلاقات الاميركية ـ الاسرائيلية مرشحة لأن تذهب إلى مرحلة مضطربة، مع تلويح نتنياهو باحتمال تعيين السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن رون ديرمر في موقع وزير الخارجية، وهو الذي كانت له علاقات متوترة مع ادارة باراك اوباما.

لأجل كل ذلك، من البديهي التروّي بعض الوقت في انتظار جلاء هذه الملفات الاقليمية الحساسة والأساسية وفي طليعتها ايران، وهذا ما تفعله السعودية، وهو ما يعني انّ القمة الاميركية ـ الفرنسية مطلع الشهر المقبل لن تشهد قرارات حاسمة، ولو انّها ستشكّل محطة مهمّة بالنسبة للملف اللبناني.

وخلال الاسابيع الماضية تحرّك رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في اتجاه السعودية، مستغلاً الوقت، من اجل تبديد محاذيرها التي تقف في وجه تأييد ترشيحه. ووفق المعلومات الجاري تداولها في باريس على نطاق ضيق، فإنّ العاملين على هذه المهمة مع السعوديين أبدوا استعداد فرنجية لإزالة كل الشكوك المطروحة، من خلال إعادة شرح مواقفه وخلفياته، وانّ تاريخه في العمل السياسي واضح في هذا الاطار.

ووفق المعلومات نفسها المتداولة في الأروقة الديبلوماسية الفرنسية، فإنّ هؤلاء الوسطاء تحدثوا عن تمسك فرنجية الدائم وفي كل الظروف باتفاق الطائف، وهو ما اراد ان يُظهره من خلال مشاركته على رأس وفد كبير في الاحتفال الذي اقامته السفارة السعودية أخيراً دعماً لاتفاق الطائف. ووفق المعلومات نفسها، فإنّ هؤلاء الوسطاء ابدوا استعدادهم لترتيب زيارة لفرنجية إلى السعودية، والبحث في كافة النقاط «والرجل معروف عنه انّه يقف عند كلمته»، كما قال هؤلاء، وانّ علاقته الوثيقة بالرئيس السوري بشار الاسد ستلعب لمصلحة الجميع وليس العكس.

لكن السلطات السعودية التي تراقب التطورات الايرانية والاقليمية، نُقل عنها أنّها تقدّر فرنجية وتحترمه، وأنّ نظرتها الشخصية اليه فيها كل المودة والاحترام. لكن المواصفات السياسية والتي لا تزال متمسكة بها، لا تنطبق بكاملها على فرنجية. وانّ موقفها يتطابق مع مواقف العواصم الدولية المهتمة: «المشكلة في السياسة وليس في الشخصي»، كما نُقل عنهم قولهم.

وتضيف الاوساط الديبلوماسية في باريس قولها، إنّ احدى العقبات السياسية الاضافية، والتي تحول دون وصول فرنجية، هي انّه لن يكون قادراً على التفاهم مع الفريق الآخر من خارج منظومة تحالفاته.

وتقول هذه الاوساط، إنّه لأجل كل ذلك، لا بدّ للسعودية ان تنتظر بعض الوقت كي تصبح الامور الاقليمية اكثر وضوحاً ونضجاً، ما يسمح بإنجاز تصور كامل للحقبة الجديدة التي من المفترض ان يدخلها لبنان، ومن الممكن ان تجعل من وصول قائد الجيش العماد جوزف عون الشخص الملائم، كونه لا يحظى باعتراض اي فريق، وفي الوقت نفسه يحمل المواصفات المطلوبة للمرحلة المقبلة، لكن انتخابه يحتاج ايضاً الى ظروف معينة.

وخلال الايام الماضية، لفتت التغريدة التي نشرها السفير السعودي في بيروت حول ذكرى الاستقلال، والتي استذكر فيها الرئيس رينيه معوض، وهو ما يحمل على التفسير أنّ الامور لا تزال تراوح مكانها.

Leave A Reply