باتريسيا جلاد – نداء الوطن
شدّد البنك الدولي في تقريره الأخير على ضرورة المضيّ قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي. ورأى أنه «مع زيادة الخسائر المالية عن 72 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في العام2021، فإنّ تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق نظراً لعدم توفّر الأموال العامة الكافية لذلك؛ فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَّرة، كما لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكَّدة ويحتاج تحقيقها سنوات».
مقابل تلك المشهدية تبدو أيضاً أصول المصارف المقدّرة قيمتها نحو 5 مليارات دولار غير كافية بدورها الى إعادة الأموال الى المودعين التي تقارب قيمتها 83 مليار دولار. من هنا كيف يبدو الحلّ الأجدى للمودع لاستعادة أمواله بأقلّ نسبة «هيركات» وخسارة ممكنة؟
أطلقت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي خطة التعافي الإقتصادية وتوعّدت في خلالها إعادة نحو 100 ألف دولار الى المودعين أكانت بالليرة وفق سعر صرف دولار السوق السوداء أم بالعملة الخضراء، فأثارت سجالات وحظيت برفض من الجمعيات التي تدافع عن حقوق المودعين، متسائلة عن الحسابات التي تتخطّى هذا الرقم وسبب عدم توفير الضمانة لتسديدها.
ويعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي وعضو مجلس إدارة جمعية «إرادة» بسام البوّاب خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «خطة الحكومة لن تحافظ على كامل أموال المودعين، فالدولة اللبنانية غير مفلسة ولديها مقوّمات تدرّ ايرادات من مرافقها العامة مثل المرافئ والمطار وصولاً الى الأملاك البحرية والكازينو التي لا بدّ من الإستفادة منها».
وإذ اعتبر أن الخطة حظيت بالرفض من المودعين والمصارف ومن الإقتصاديين والقطاع الخاص أو العام، أشار الى أنها تدمّر الإقتصاد اللبناني وتعيده الى نقطة الصفر، بعيداً عن بدء مسار الإصلاحات وإعداد صندوق سيادي.
والخرق بدأ كما يوضح البوّاب «من الدولة التي لم تسدّد الأموال المترتبة عليها الى مصرف لبنان والأخير الى المصارف التي تتقاعس بدورها عن تسديد الودائع لأصحاب الحسابات. وحلّ تلك المسألة يتطلّب استعادة الثقة في البلد، وإيجاد مخرج سياسي يؤدي الى انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة، عندها يتمّ وضع الإصلاحات وتعهّدات الدولة لصندوق النقد الدولي على السكة السليمة»، الأمر الذي يشدّد عليه المجتمع الدولي. ولكن لغاية اليوم لا يرى البوّاب «أية نيّة من المسؤولين لإقرار إجراءات إصلاحية وإنما نيّة للاستفادة من الأموال الموجودة بل المتبقية لدى مصرف لبنان والتي لا تتجاوز الـ9 مليارات دولار».
الدمج المنشود
أما عن خيار الدمج أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي المطروحة، ومطلب إعداد قانون له من المجتمع الدولي لاسيما البنك الدولي وصندوق النقد، اعتبر البوّاب أنه من المتعارف عليه أن «بعض المصارف حتى قبل الأزمة لم يكن يتبع الأصول بشكل دقيق وعددها كبير نسبة الى حجم السوق اللبنانية، ولكن لم يتّخذ مصرف لبنان خطوات حاسمة باعتبار أن هذا الإجراء لا يحمل طابع الضرورة».
لافتاً الى «أنه لا بدّ من شراء المصارف التي كانت متعثّرة قبل الأزمة ولا تزال من البنوك الكبيرة التي تتمتّع بالسيولة، عندها سيتمّ توفّر سيولة في السوق بقيمة تفوق تلك التي كانت متواجدة في السابق».
كما تتوجّب على البنوك إعادة استقطاب رأس المال الأجنبي، وهكذا تتمّ إعادة الأموال التي تمّ تحويلها في السابق وضخّها في الاقتصاد. فمصرف لبنان كان يطالب المصارف بإيداع نسبة 3% من إجمالي الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف المراسلة، فهذه النسبة يجب عندها أن ترتفع مع الوقت، فتستعيد المصارف دورها وتعود عجلة الإقراض للقطاع الخاص».
إذاً إن حلّ مشكلتنا المالية والإقتصادية وإعادة أموال المودعين بحسب البوّاب «يتطلّبان قراراً سياسياً لا يُتّخذ من قبل المنظومة بسبب ترسيخ عوامل الفساد والفوضى والهدر، فلبنان ليس البلد الوحيد الذي يمرّ بمشاكل إقتصادية ومالية ونقدية بل سبقته اليونان وقبرص والأرجنتين وفنزويلا».
إستعادة الأموال خلال 15 عاماً
ويرى أن «الأموال لن تعود الى المودعين بأي خطة كانت خلال سنة أو سنتين أو ثلاث بل من المقدّر أن تتراوح الفترة بين 10 و15 سنة، مع «هيركات» مقنّع بسبب التضخم». لافتاً الى أنه «فور عودة الثقة الى القطاع المصرفي ومصرف لبنان والدولة، يستعيد المودع ودائعه على مراحل على وقع استعادة العجلة الإقتصادية دورانها ومن واردات الدولة، فتتمّ عندها إعادة الجدولة لفترة 15 سنة». مؤكّداً أن «الدولة ليست مفلسة ولا يمكن أن تكون مفلسة، والوضع الذي تتخبّط به لا ينطبق عليه سوى توصيف الإفلاس الإحتيالي».
أما عملية الإقتحامات المصرفية التي باتت عادة يومية أو الدعاوى التي تقام ضدّها بهدف، فإنها وكما يجمع عليه الإقتصاديون وإن حلّت مشكلة بعض المودعين نظراً الى حاجتهم الى الأموال المحجوزة لديها، إنما لن تعيد أموال كل المودعين حتى في حالة إشهار الإفلاس.
إذا استعادة أموال المودعين هي اليوم بين شاقوفين عدا خطة إعادة الهيكلة، أحلاهما مرّ، تصفية أو إفلاس المصارف وعدم كفاية الموجودات والأصول لتسديد قيمة الودائع ودفع مؤسسة ضمان الودائع مبلغ الـ75 مليون ليرة الذي لم يعد يساوي 2000 دولار أميركي من 50 ألف دولار وفق سعر صرف الـ1515 ليرة، أو السير بخطة تضمن حسابات الـ100 ألف دولار، او «تشمير» السياسيين عن سواعدهم ووضع مصالحهم الخاصة جانباً والشروع في نهضة البلد؟