غسان ريفي – سفير الشمال
يقول علماء النفس، أن الاشخاص المصابين بالنرجسية المفرطة يعيشون حالة مرضية حقيقية تدفعهم الى انانية زائدة، فيتصرفون مع من حولهم وفق قاعدة “أنا أو لا أحد”، وبأنهم اصحاب نفوذ وقوة وسطوة وان أوامرهم مطاعة، وأن وجودهم هو ضرورة لهم وانهم في الوقت نفسه يستطيعون إلغاءهم متى شاؤوا.
والاسوأ بحسب العلماء أن هؤلاء عندما يخسرون معاركهم ويشعرون انهم بدأوا يفقدون نفوذهم وان بساط السلطة يُسحب من تحت أرجلهم، تصيبهم حالة من الجنون تفقدهم القدرة على التحكم بردات فعلهم والتي يعبرون عنها بإسفاف يصل الى حد البذاءة ما يجعل من حولهم ينفضون عنهم.
وينصح العلماء بعرض تلك الحالات بسرعة قصوى على أطباء نفسيين قبل أن تتطور حالة الهستيريا التي تسيطر عليهم وتؤدي بهم الى الانتحار..
بالأمس، باشر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بإجراء معاملات الانتحار السياسي، بعدما استكمل في مؤتمره الصحافي بعد اجتماع تكتل لبنان القوي دائرة العزل حوله باستهداف حليفه الوحيد في الجمهورية اللبنانية تارة باللوم وتارة أخرى بالتهديد وطورا باتهامات النكث بالوعد والعهد، حيث بدا كمن يفتح محكمة على حسابه يحاكم فيها من وقفوا الى جانب اللبنانيين في تسيير شؤون حياتهم في مجلس الوزراء الذي إنعقد رغما عنه، فيجرّم هذا ويحاسب ذاك، ويطلق الاحكام في كل إتجاه.
جمع باسيل في مؤتمره الصحافي كل أنواع التناقضات، ففي الوقت الذي سعى فيه جاهدا لاقناع تسعة وزراء في مقاطعة الجلسة، وكان بيان باسمهم من دون معرفة بعضهم فيه، على أمل تحقيق انتصار على المرضى والعسكريين والمعلمين وسائر اللبنانيين بتعطيل الجلسة، وعندما لم يستطع ذلك، حاول التخفيف من حجم النكسة التي أصيب بها بتأكيده أن عدد الوزراء المشاركين غير مهم وليس ضروريا، فضلا عن تعاطيه العنصري مع بعض الوزراء المسيحيين بطريقة لا تمت الى الادبيات السياسية ومن ثم الاسهاب في الحديث عن الدفاع عن المسيحيين، والنفخ في بوق للفتنة وصولا الى التهديد بتفجير البلد بلغة طائفية استفزت كل اللبنانيين.
لم يكتف باسيل بذلك، بل دفعه توتره غير المسبوق وخروجه عن طوره الى إطلاق النار على تفاهم “مار مخايل” من دون أن يوفر حليفه الوحيد حزب الله باتهامات تصل الى حدود الخيانة التي سبق واستخدمها المغردون البرتقاليون على مواقع التواصل الاجتماعي ضده، الامر الذي وضع هذا التحالف على المحك، في وقت لا يزال فيه الحزب يحافظ على ما تبقى من علاقة مع باسيل ويغض الطرف عن سلوكياته بدءا من الابتزاز الواضح له في استحقاق رئاسة الجمهورية، مرورا باصراره على الاساءة المباشرة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجيه وتسريب تفاصيل اللقاء الذي جمعه مع السيد حسن نصرالله، وصولا الى سلسلة من الخطايا بدءا بمفاوضات ترسيم الحدود وخطب ود الولايات المتحدة الاميركية بما يتعلق بالخط 29 الذي خسره لبنان، الى بعض التصريحات الملتبسة المتعلقة بالعدو الاسرائيلي، الى الزيارات المتكررة الى قطر وأميركا وفرنسا وتأكيد الاستعداد للقيام بأي شيء في سبيل رفع العقوبات بهدف إحراج حزب الله وفرض نفسه عليه كمرشح رئاسي في وجه سليمان فرنجية، الى وقوفه سدا منيعا في وجه فريقه السياسي ومنعه من ايصال رئيس للجمهورية.
كان لافتا أن المكتب الاعلامي للرئيس نجيب ميقاتي لم يرد على الاساءات التي ساقها باسيل بحق رئيس الحكومة وبحق الموقع السني الاول، وذلك من باب احترام النفس واللبنانيين في تجنب السجال معه بعدما تجاوز الادبيات والاخلاقيات، فكان “خير من الكلام السكوت”، إلا ان الرد العنيف على باسيل جاء من مرجعيات دينية ونواب وشخصيات سياسية واجتماعية أكدت الالتفاف الكامل حول مواقف رئيس الحكومة.
لم يعد خافيا على أحد حقد باسيل على الرئيس ميقاتي الذي وقف في وجه طموحاته ومنعه من تحقيق اي انتصار، لا في حكومة “معا للانقاذ” ولا في الحكومة التي لم تتشكل على قياسه قبل نهاية العهد، ولا في حكومة تصريف الاعمال التي مارست مهامها وفقا لأحكام الدستور، وقد ترجم باسيل بالامس هذا الحقد بصورة بشعة أساءت اليه وشوهت صورته من دون أن تصيب رئيس الحكومة الذي لديه من العضلات ما يكفي للاستمرار بحمل كرة النار، ولديه من الحضور الشعبي عندما يريد ما يغطي كل المساحة البرتقالية ويزيد.
يقول مطلعون أن باسيل وصل الى مرحلة “عبقرية الفشل” التي تجسدت فصولا على مدار عمره السياسي وخلال سنوات رئاسة الظل، فهو يجتهد ويجمع الملفات ويعمل 18 ساعة في اليوم من أجل الفشل الذي تجسد في الكهرباء وفي السدود، وفي المفاوضات وفي المشاورات وفي التحالفات والتفاهمات والتسويات وفي الرئاسة وفي قيادة تياره وفي التعاطي مع الحلفاء والخصوم، ليؤدي ذلك الى عزلة سياسية شبه كاملة تدفعه الى الصراخ في واد سحيق من دون ان يسمع الصدى..