غاصب المختار – اللواء
صحيح ان النكايات السياسية تطغى أحياناً على أداء ومواقف بعض القوى السياسية الأساسية، لكن في المفاصل الكبرى يتم تحكيم العقل والمصلحة الكبرى، خاصة مع تواصل الضغوط الخارجية على هذه القوى من أجل إنجاز الاستحقاقات المطلوبة، سواء انتخاب رئيس للجمهورية، أو تشكيل حكومة جديدة، أو متابعة إنجاز الإصلاحات المطلوبة وتعبئة الفراغات في بعض إدارات الدولة المهمة كتشكيل الهيئات الناظمة لقطاعات الانتاج كالطاقة بكل متفرعاتها.
وإذا كانت «جلسات الخميس» النيابية الانتخابية باتت للتسلية وكسب الوقت وتسجيل نقاط ومواقف، فإن مطلع العام المقبل سيشهد تبدّلاً في الاداء والتوجهات، خاصة بعد الدخول الفرنسي والسعودي والقطري القوي على خط الأزمة، ومن المفروض أن يبادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري هذا الاسبوع الى جسّ نبض وتوجهات الكتل النيابية لعقد حوار موسع ومفتوح في قاعة المجلس النيابي، بهدف وضع معايير التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، لكن ثمة من يرى ان المشكلة الحقيقية وراء تعثر انتخاب رئيس الجمهورية، تكمن في الخلاف المسيحي – المسيحي الذي يُعيق أي تفاهم حول الرئيس العتيد، حتى ان بعض القوى والمرجعيات المسيحية تقرُّ بذلك، وباتت مقتنعة ان لا سبيل لإنقاذ الكرسي الرئاسي الأول من دون تفاهم وتوافق المسيحيين، وهذا لبّ مسعى الرئيس برّي لفتح الحوار علّه يقرّب المسافات بين القوى المسيحية قبل غيرهم.
وباتت القناعة شبه راسخة بأن الحوار هو السبيل للتوافق، وان النكايات السياسية لا مكان لها في القضايا والاستحقاقات الوطنية الكبرى مثل استحقاق رئاسة الجمهورية. لذلك يؤكد مصدر نيابي في التيار الوطني الحر لـ «اللواء»: ان ما يتردد عن انتخاب التيار للنائب ميشال معوض هو «مزحة غير واردة، فإنتخاب رئيس الجمهورية ليس مزحة أو نكاية بفلان أو علتان». ويضيف: ان التوافق مطلوب على شخصية مقبولة من كل أو معظم الأطراف، والمسعى الفرنسي يتجه بهذا الاتجاه. وقد تبلّغنا من الأوساط الفرنسية ان لا مرشحَ معيناً لديها، وانها مع من يتفق عليه اللبنانيون ولكن على أن يتم انتخابه بلا تأخير.
ويؤكد المصدر ذاته وهو على تواصل مباشر مع الفرنسيين، ان باريس منزعجة بلا شك من أداء اللبنانيين بسبب المماطلة في انتخاب الرئيس وفي تشكيل الحكومة الجديدة وعدم إنجاز الإصلاحات المطلوبة، لكنها لم تفقد الأمل ولم ولن تتراجع عن مساعيها. ويشير المصدر الى ان ورقة الانتخاب البيضاء لن تبقى خياراً للتيار متى تم التوافق على شخصية معينة لإنتخابها، والتوافق لن يتحقق إلّا بالحوار الذي تدفع باريس بشدة نحو عقده.
يبقى ان توافق القوات اللبنانية على فكرة الحوار لا سيما بين القوى المسيحية باعتبارها المعنية الأولى بإنتخاب رئيس الجمهورية، على ان تؤمن القوى الأخرى ميثاقية الانتخاب بحشد أصوات المسلمين للرئيس العتيد. وثمة فكرة ما زالت قيد البحث بأن تكون التسوية المنتظرة قائمة على معادلة «رئيس للجمهورية من هذا الفريق أو مقبول منه، ورئيس حكومة من الفريق الآخر أو مقبول منه، وبالعكس»، لكنها بحاجة لمزيد من الدرس لإيجاد الآلية اللازمة لإخراجها وإيجاد الشخصيات المناسبة للمنصبين.
وفي حال نجحت مساعي الحل التي يقوم بها الفرنسيون مع السعوديين والقطريين، تبقى مشكلة إيجاد رئيسين للجمهورية وللحكومة بإمكانهما التفاهم على إدارة المرحلة المقبلة، عبر حكومة منسجمة وقادرة على الانتاج والعمل بسرعة على تلبية مطالب المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، للحصول على الدعم المطلوب لإنتشال البلد من الهوة العميقة التي سقط فيها، وهذا أمر ليس سهلاً في بلد تعصف به الخلافات والانقسامات والمحاصصات.