غسان ريفي – سفير الشمال
يتجه لبنان نحو عام جديد على وقع أزمات غير مسبوقة ودولار مجنون قد يُقفل مع إنتهاء العام على سعر خيالي قد يصل الى 50 ألفا، وسط جمود تام وتعطيل ممنهج سواء في إنتخاب رئيس للجمهورية أو في تفعيل عمل الحكومة، أو حتى في تقديم الحلول، وسط عجز عن مواجهة المآسي التي ترخي بثقلها على يوميات اللبنانيين.
يبدو واضحا أن بعض المكونات السياسية قد تخففت من واجباتها الدستورية، وأقنعت نفسها بترحيل كل الملفات الى العام الجديد، وتنفست الصعداء بأخذ فرصة للإحتفال بالأعياد فيما الحزن والظلام يخيمان على لبنان من أقصاه الى أقصاه، وثمة متطلبات للمواطنين تحتاج الى إقرار ومتابعة، لكن لا حياة لمن تنادي، خصوصا لدى من يغرقون في الشعارات، وفي التحريض السياسي والشحن الطائفي، ويتشدقون بالحفاظ على الصلاحيات التي يقدمونها على مصالح اللبنانيين الذين لن توفر لهم هذه الصلاحيات الاستشفاء ولن تؤمن لهم الكهرباء ولن تعطيهم حقوقهم ومستحقاتهم.
اللافت، أن الأعباء الكثيرة المتراكمة على كاهل الرئيس نجيب ميقاتي تتطلب حكومة بأوسع الصلاحيات، فيما يعمل التيار الوطني الحر على تضييق هذه الصلاحيات الى أقصى درجة لمنع الحكومة من القيام بمهامها المحددة بمقتضى الدستور وذلك لأهداف سياسية وطائفية تضرب مصالح اللبنانيين بعرض الحائط.
يشبّه الرئيس ميقاتي لبنان بلوحة جميلة من “البازل” مؤلفة من ألف قطعة، كلما جرت محاولات لتركيبها وعرضها وإظهار جمالها، يأتي من ينزع منها قطعة أو قطعتين فيتسبب في تشويهها، مسقطا هذا التشبيه على الواقع الراهن في الاختلافات حول تفسير الدستور وفي التنافس على التعطيل وفي ممارسة الشعبويات والدخول في صراعات لا طائل منها ما يؤدي الى تعقيد المشهد اللبناني وبالتالي فإن الانقاذ يحتاج الى توافق الجميع على حل يقضي بالحفاظ على اللوحة بكامل قطعها، وبعدم تشويهها بنزع أي منها.
بصراحة متناهية تحدث الرئيس ميقاتي في لقائه يوم أمس مع مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية، داعيا إياه الى إطلاق “صرخة” من السراي الحكومي بأن “كفى تعطيلا” لأن من واجبنا تسيير أمور اللبنانيين وعلينا أن نعمل حوافز لتفعيل كل من شأنه أن يخدم هذا التوجه، لا أن نفتش عن كيفية وضع العصي في الدواليب تارة بتفسير الدستور وفقا للمصالح والأهواء، وتارة أخرى بالأعراف، وطورا بالطائفية البغيضة وبالتحريض والشحن وتوتير الأجواء في بلد لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الأزمات.
يغلّب الرئيس ميقاتي المنطق في تعاطيه مع الملفات السياسية، فهو اليوم يقود مرحلة الشغور، وبالتالي لا يوجد رئيس للجمهورية لكي يصادر صلاحياته أو يعتدي عليها، ولا هو راغب في أن يقوم مقام رئيس البلاد، بل يسعى الى تسيير المرفق العام إنطلاقا من الحق الذي منحه إياه الدستور، لأنه لا يجوز تعطيل عمل الدولة وإبقاء المواطنين من دون أية خدمات الى حين إنتظام عمل المؤسسات الدستورية.
لذلك، فإن ميقاتي الملتزم بنص وروح الدستور، يحرص على عدم إستفزاز أي مكون سياسي، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون على حساب اللبنانيين، لذلك، فإن الدعوة لعقد جلسة جديدة لمجلس الوزراء لن تكون إلا في حالات الضرورة القصوى، علما أن أحداثا كثيرة طرأت على مستوى كبير من الخطورة كانت تستدعي إجتماع الحكومة أو المجلس الأعلى للدفاع ومنها قضية المطار وحادث العاقبية لكن ميقاتي آثر عدم الدعوة منعا لمزيد من الاستفزاز، وعالج الأمور بعقد سلسلة إجتماعات مع المعنيين، لكن عندما يكون الأمر يتعلق بتفاصيل حياة اللبنانيين وتلبية إحتياجاتهم فإنه لن يتوانى عن الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء على غرار تلك التي عقدت في 5 كانون الأول الفائت.
بالرغم من كل الأزمات والصعوبات، يقدم الرئيس ميقاتي بارقة أمل بتأكيده بأننا لم نصل الى طريق مسدود، وأن الحل ما يزال بمتناول اليد، لكن الأمر يحتاج بداية الى التخلي عن الشعبوية وتسجيل النقاط، والذهاب الى توافق على رؤية وطنية للحل تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بما يعيد الانتظام الى مؤسسات الدولة، خصوصا أننا اليوم في حالة طوارئ ضمن مركب في موج متلاطم، إذا غرق فسنغرق جميعا.