الجمعة, نوفمبر 22
Banner

الراعي: هناك مخطط ضد لبنان لإحداث الفراغ

تحدث البطريرك الماروني بشارة الراعي عن مخطط ضد لبنان لإحداث شغور رئاسي معطوف على فراغ دستوري يعقد أكثر فأكثر انتخاب رئيس للجمهورية، معتبراً أن الصراع الدولي يعيق المساعي لإنجاز هذا الاستحقاق، وجدد في الوقت عينه دعوته إلى عقد مؤتمر برعاية الأمم المتحدة والدول الصديقة خاص بلبنان، لتحييده عن أي مواجهة عسكرية في هذه المرحلة الإقليمية المجهولة المصير.

وسأل الراعي في رسالته بمناسبة عيد الميلاد عن ضمائر المسؤولين السياسيين وموقفهم من عذابات الشعب؟ وقال: «يرتفع سعر الدولار ولا أحد منهم يتحرك! تهبط الليرة اللبنانية ولا يرف جفن مسؤول! يستخفون بأصحاب الودائع ويعدونهم بإعادة أموالهم فيما قرارات الدولة تناقض هذه الوعود. الشعب يتسول الخبز والغذاء والدواء والكهرباء والمياه والغاز والمحروقات وفرص العمل والأجور والتعويضات، وهم غير معنيين! التحقيق في تفجير مرفأ بيروت ينتظر القضاء، والقضاء ينتظر نهاية المناكدات السياسية والمذهبية! حصلت جريمة سياسية في بلدة العاقبية الجنوبية واغتيل جندي آيرلندي من قوات حفظ السلام، وكأنه حدث عابر! في سجون لبنان مسجونون من كل الطوائف من دون محاكمة، وفي المحاكم دعاوى مكدسة منذ سنين، والقضاء في حالة إضراب، والمسؤولون السياسيون غير معنيين».

ولفت إلى أن «كل المعطيات السياسية تؤكد وجود مخطط ضد لبنان، لإحداث شغور رئاسي معطوف على فراغ دستوري يعقد أكثر فأكثر انتخاب رئيس للجمهورية»، مضيفاً: «ألم تمنع فئات سياسية تأليف حكومة قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون رغم علمها أن الحكومة القائمة مستقيلة حكماً وتصرف الأعمال، وأنها ستخلق إشكاليات في تحديد دورها؟ ومن ثم صار تعطيل متعمد لانتخاب رئيس للجمهورية ليصبح لبنان من دون أي سلطة شرعية. نسأل المعنيين بهذا المخطط: ماذا تريدون؟ لماذا تنتقمون من لبنان؟ لماذا تهدمون دولة لبنان؟ مهما دارت الظروف لا أولوية سوى انتخاب رئيس. لا توجد دولة في العالم من دون رئيس حتى في غياهب الكرة الأرضية. إن الذين يمنعون انتخاب رئيس لكل لبنان يمنعون قيامة لبنان».

وأكد أن «البطريركية المارونية مصممة على مواصلة نضالها ومساعيها في لبنان ولدى المجتمعين العربي والدولي؛ من أجل تسريع الاستحقاق الرئاسي»، مشيراً في الوقت عينه إلى أن «الصراع الإقليمي يعيق هذه المساعي؛ لأن هناك من يريد رئيساً له لا للبنان، ويريد رئيساً لمشروعه لا للمشروع اللبناني التاريخي. وهذا أمر لن ندعه يحصل، فلبنان ليس ملك فريق دون آخر».

واعتبر أن «اللبنانيين اليوم يعيشون أزمة تفوق سائر الأزمات والحروب السابقة»، مضيفاً: «إذا كانت الأزمات السابقة وجدت لها حلولاً وتسويات بينما الأزمة الحالية لا تزال عصية على الحلول والتسويات الوطنية، وحتى عصية على الحوارات الداخلية، فيعني أنها أزمة مختلفة بجوهرها وغاياتها عن جميع الأزمات السابقة. هذه أزمة من خارج الكيان والنظام والشرعية. والمشكلة أن الذين يرفضون نظام لبنان وهويته وخصوصيته، لم يقدموا أي مشروع دستوري يكشف عما يريدون. والتسريبات المتناقلة عن مشروعهم لا تناسب أي مكون لبناني سوى أصحاب المصالح الخاصة، وليست بالتأكيد أفضل من لبنان القائم». وقال: «حتى الآن لم يقدم أي طرف لبناني فكرة وطنية أو حضارية أفضل من الفكرة اللبنانية. وإذا كنا دعونا – ونصرّ – إلى مؤتمر برعاية الأمم المتحدة والدول الصديقة خاص بلبنان، فلكي نحيد لبنان عن أي مواجهة عسكرية، ويبقى الوضع مضبوطاً في هذه المرحلة الإقليمية المجهولة المصير. ونقول أيضاً إن الدعوة من جهتنا إلى هذا المؤتمر تأتي لأننا يئسنا من السياسيين».

ورأى «أن السياسيين اللبنانيين لا يقدرون إنجاز قيام دولة لبنان الكبير. جميع أقليات الشرق الأوسط وإثنياته من أرمينيا إلى سوريا حاولت الحصول على دول أو دويلات لها بعد الحرب العالمية الأولى، لكنها أخفقت في مسعاها رغم كفاحها في المؤتمرات الدولية. وحدها البطريركية المارونية مع الجماعات اللبنانية المؤمنة بلبنان نجحت في انتزاع دولة لبنان الكبير التي كان يتصارع عليها الشرق والغرب. ولنعد إلى التاريخ معلم الحياة، لذا، حري بكل لبناني أن يقدر هذا الإنجاز الاستثنائي العظيم، خصوصاً أننا حرصنا على أن يكون لبنان هذا ملتقى مكونات متعددة الأديان والحضارات ليكون رسالة». وأكد أن «لبنان ليس بلد الأقليات أو الأكثريات، بل هو وطن كل جماعة تبحث عن قيم الروح وعن نمط حياة حضاري وثقافي وعصري. لكن لبنان الرسالة يحتاج رسلاً. فأين الرسل اليوم؟ صحيح أن ما من مكون لبناني إلا وضحى من موقعه في سبيل لبنان ودفع دماً ثمن السيادة اللبنانية، ولكن هذه التضحيات لم تجمعنا ولم توحدنا كفاية؛ لأن توظيف بعضها جاء خارج الدولة والولاء لها. فلذلك، قبل أن تتصالح الأطراف اللبنانية المتنازعة فيما بينها، جدير بها أن تتصالح مع الوطن أولاً؛ لأننا في الحقيقة لسنا على خلاف مباشر مع أحد، بل نحن على تباين مع أطراف هي في نزاع مع الوطن. ومتى تصالحت هذه الأطراف مع الوطن يلتقِ الجميع ويتوحد لبنان على الفور. فإنشاء لبنان قام على مفهوم التعايش لا على مفهوم الانتصار والهزيمة بين مكوناته. وإذا كان من انتصار ينتظرنا فهو الانتصار على ذواتنا، فنزيل منها الكراهية والأحقاد ونزعة الهيمنة على بعضنا البعض، فنستعيد رونق لبنان ونحيا في ظل الحرية والأمن والكرامة. ومن يتوهم داخلياً أو خارجياً أنه يستطيع أن يتصرف انطلاقاً من معادلة الانتصار والهزيمة يخطئ التقدير وهو مهزوم سلفاً. فكلما اشتدت التحديات زاد الصمود في وجه المخططات وصولاً إلى إنقاذ لبنان وتثبيت وجوده. ولن نغير عاداتنا؛ من أجل كل لبنان وكل اللبنانيين».

الشرق الأوسط

Leave A Reply