خضر حسان – المدن
استؤنِفَ السجال حول تأمين سلف الخزينة لشراء الفيول لمعامل مؤسسة كهرباء لبنان، بعد عجز الأخيرة عن تأمين الفيول بحجّة عدم امتلاكها الأموال. وبإحالة تسيير الملف، كالعادة، إلى سلف الخزينة، تأخَّرَ صدور مرسوم دفع سلفة بنحو 62 مليون دولار لشراء 66 ألف طن متري من الغاز أويل. وبذلك، تنتظر بواخر الفيول في البحر، وتُسجِّل على لبنان غرامات تأخير.
تصعيد متبادَل
حسب عقود المناقصة التي أجرتها وزارة الطاقة، كان من المفترض إفراغ شحنة من الغاز أويل، في شهر كانون الأول الماضي. لكن عدم صدور مرسوم دفع سلفة الخزينة، أخَّرَ التفريغ ورتَّبَ على الدولة “خسارة يومية تبلغ 20 ألف دولار على كل باخرة. وتَجاوَزَ إجمالي مبلغ غرامة الرسوّ 300 ألف دولار حتى اللحظة”، وفق ما أكّده وزير الطاقة وليد فيّاض.
يعود التأخير، من وجهة نظر فريق وزارة الطاقة، إلى رفض رئيس الحكومة إصدار مرسوم موافقة استثنائية لدفع قيمة السلفة، وإصراره على صدور هذا المرسوم من خلال جلسة لمجلس الوزراء. فيما قرار إصدار السلفة وفتح اعتماد مستندي لها، جرى بصورة استثنائية من دون العودة إلى مجلس الوزراء.
وتولَّت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني، دفّة استعجال إقرار السلفة، من خلال انتقادها موقف ميقاتي. فنشرت عبر موقع تويتر، وثيقة تبيِّن الموافقة الاستثنائية التي تنص أيضاً على أنه “يُصار لاحقاً إلى إصدار المرسوم المتعلّق بهذه السلفة عند الاقتضاء، وذلك تفادياً للخسائر المحتملة المترتبة عن التأخّر في إفراغ بواخر الشحن (…) على أن يُعرض الموضوع لاحقاً على أول جلسة لمجلس الوزراء على سبيل التسوية”. وبالتالي، كان على ميقاتي، من وجهة نظر البستاني، أن يستكمل ما أصدَرَه استثنائياً، لا أن ينتظر عقد جلسة لمجلس الوزراء.
على الضفة الأخرى، لم يتنصَّل ميقاتي ممّا نشرته البستاني، وأعاد تسليط الضوء على عبارتين تدعمان موقفه، وهما “يُصار لاحقاً إلى إصدار المرسوم المتعلّق بهذه السلفة.. ووجوب التقيّد ببنود الخطة الموضوعة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، أي إيضاح كيفية إعادة السلفة كي لا تلحق بالسلف السابقة”. وعلى هذا النحو، فإن الإصدار اللاحق للمرسوم، يستوجب عقد جلسة لمجلس الوزراء، ومحكوم بالتأكّد المسبق لكيفية إعادة السلفة.
خطأ شخصي
البواخر المنتظرة وتلك الآتية استجابة للعقد، لا يعنيها السجال الداخلي اللبناني، بل تريد مستحقاتها المالية التي لا تنحصر بقيمة الشحنة المنتظرة في البحر وغرامات الرسوّ. إذ أن تأمين المحروقات لمعامل الكهرباء تم عبر مناقصات تشمل ثلاثة عقود. العقد الأوّل لتأمين فيولGrade A والثاني لتأمين فيول Grade B والثالث لتأمين غاز أويل. وقيمة العقود الثلاثة تبلغ 100 مليون دولار. أي على خزينة الدولة دفع هذا المبلغ بالإضافة إلى الغرامات في حال التأخُّر.
ولأن لهيئة الشراء العام سلطة رقابية على المناقصات، حرصاً على المال العام، أكّد رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، خلال مؤتمر صحافي، أنه “لا يجب دفع الغرامات من المال العام”. موضحاً في حديث لـ”المدن”، أن هناك عقداً موقَّعاً “بتاريخ 13 كانون الأول وينص على أن يتم تسليم الشحنة بين 15 إلى 30 كانون الأول. على أن يتم فتح الاعتماد المستندي قبل 10 أيام من توقيع العقد. أي فتح الاعتماد قبل التوقيع”.
وبذلك، تكون وزارة الطاقة قد استندت إلى فتح اعتماد مالي وحددت مواعيد قريبة جداً للتسليم، قبل التأكّد من وجود قيمة الاعتماد فعلياً. وعليه، فإن الوزارة سهَّلَت ترتيب غرامة على الدولة.
وأشار العلية إلى أن المادة 57 من قانون المحاسبة العمومية تنص على أن لا تعقد النفقة إلا إذا توفر لها اعتماد في الموازنة. كما أن المادة 112 من القانون نفسه تنص على تحمُّل الوزير من ماله الخاص، مسؤولية ما يرتّبه من نفقة غير متوفر لها الاعتماد أو تجاوز قيمة الاعتماد المقرَّر، في حال وجوده”.
ولعدم تحميل هيئة الشراء العام مسؤولية أي خلل في هذه المناقصة، لفت العلية النظر إلى أن لا صلاحية للهيئة في منع حصول المناقصات، لأن صلاحياتها “رقابية رصدية ولضبط مكامن الخلل وتقديم تقارير إلى الجهات المعنية”.
توقّف معامل الكهرباء
ونتيجة تأخير تفريغ المحروقات للمعامل، أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان خروج معمل الزهراني عن الخدمة بسبب نفاد الغاز أويل. وبما أنّه لم يتبقَّ من خزين معمل دير عمار من الغاز أويل سوى حوالي 6 آلاف طن لا يُمكن استعمالها سوى من أجل أعمال الصيانة العامة للمجموعة البخارية في المعمل، وريثما تتوصّل السلطات المختصة إلى حل بشأن فتح الاعتمادات اللازمة لتفريغ بواخر المحروقات، ستضطر المؤسسة بعد حصولها على الموافقات اللازمة، إلى تشغيل معملي الذوق والجية الحراريين القديمين من الكميات المحدودة المتبقية في خزاناتهما من مادتي الفيول أويل A Grade و/أو B Grade، والتي تؤمّن حداً أدنى من الكهرباء، في حال استقرار الشبكة الكهربائية، في ظل الظروف الراهنة، لفترة أسبوع واحد كحد أقصى.
الحل السريع
لم تتأخّر رئاسة مجلس الوزراء في إعلان حلّها السريع. فأعلنت أنها “أبلغت وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الاعمال وليد فيّاض، موافقتها على إصدار سلفة خزينة تتيح فتح اعتماد مستندي لصالح شركة Vitol Bahrain E.C بقيمة 62019344 دولار أميركي لتغطية ثمن شراء كمية 66000 طن متري من مادة الغاز أويل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان”.
إلا أن هذا الإعلان، لم يوضح مصير غرامات التأخير ومصير الشحنات اللاحقة التي تبقى أمام احتمال العرقلة. فتؤكّد مصادر متابعة للملف أن السجال الذي شهده اللبنانيون “هو سجال سياسي بالدرجة الأول، حول الموقف من عقد جلسات مجلس الوزراء وطريقة تسييره للأعمال في ظل الواقع الحالي للحكومة”. وتقول المصادر في حديث لـ”المدن”، أن “فريق وزارة الطاقة يضغط على ميقاتي لاتخاذ القرارات السريعة من خارج جلسات الحكومة لأن الفريق العوني غير موافق على عقد الجلسات، ويريد في الوقت نفسه تمرير مفاعيل عقد شراء المحروقات. فيما يريد ميقاتي التأكيد على حضوره كرئيس لحكومة تصريف الأعمال، عبر اتخاذ القرارات بواسطة الجلسات”.