عزة الحاج حسن – المدن
لم تعد خافية على أحد مسألة مضاعفة الاستيراد بشكل مبالغ فيه على مدار العام 2022. كما بات واضحاً أن تخزين البضائع من قبل التجار والمستوردين منذ أشهر، يستهدف مراكمة الأرباح نتيجة فارق سعر الدولار الجمركي. لكن يبقى الأمر الأكثر نفوراً وغرابة هو نوعية المستوردات التي ارتفع حجمها بشكل هائل. فأي بلد متأزم اقتصادياً يسجّل ارتفاعاً هائلاً باستيراد السيارات والعطور ومستحضرات التجميل؟
منذ بدء الحديث عن رفع الدولار الجمركي منذ بداية العام 2022 وحتى إقراره ودخوله حيّز التنفيذ، مطلع شهر كانون الأول من العام نفسه، ارتفع حجم الاستيراد إلى لبنان بمليارات الدولارات. فما تم استيراده على أساس سعر 1500 ليرة للدولار الجمركي، سيتم بيعه على أساس 15000 ليرة للدولار الجمركي، إن في السوق المحلية أو خارج لبنان.
حجم الاستيراد
باشر التجار بزيادة حجم استيراد البضائع مع بدء الحديث عن رفع الدولار الجمركي وإلى حين إقراره، أي على مدار 11 شهراً. خلال تلك الفترة الزمنية من العام 2022 أدخلت كميات هائلة من البضائع إلى لبنان، وخرجت في مقابلها مليارات الدولارات.
وحسب أرقام إدارة الجمارك اللبنانية، بلغت فاتورة الاستيراد نحو 10.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى فقط، مقابل 7.8 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام 2021، أي بارتفاع بنحو 2.7 مليارات دولار أو ما نسبته 34 في المئة.
في مقابل ارتفاع القيمة الإجمالية لفاتورة التصدير من لبنان إلى الخارج بنسبة 13 في المئة فقط، أي من نحو 1.8 مليار دولار إلى نحو 2 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الماضي. ما يعني أن العجز التجاري بلغ في النصف الأول من العام قرابة 8 مليارات دولار، مقابل نحو 5 مليارات في العام الذي سبقه.
ارتفاع العجز التجاري في نصف عام نحو 41 في المئة، يعني خروج المليارات من الدولارات من لبنان من دون عودة. وهو ما يفسّر ايضاً أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة بشكل مستمر.
ولا تقتصر تلك الارقام المقلقة على النصف الأول من العام 2022، فالنصف الثاني من العام المذكور، وإن لم تصدر أرقام الشهر الأخير منه (كانون الأول)، يبدو فيه العجز هائلاً وحجم الاستيراد غير مسبوق.
استمر الاستيراد بالارتفاع عام 2022 حتى بلغ في الأشهر الـ11 الأولى 17.8 مليار دولار، بارتفاع نسبته 44 في المئة عن حجم الاستيراد في الفترة نفسها من العام 2021. ما يعني أن لبنان استورد خلال أربعة أشهر فقط (من آب إلى تشرين الثاني) بأكثر من 7 مليارات دولار. هذه الأرقام لم يشهدها لبنان منذ ما قبل الأزمة المالية 2019.
ويتوقع مراقبون بلوغ حجم الاستيراد الإجمالي نهاية العام 2022، بعد احتساب الشهر الأخير من العام، نحو 20 مليار دولار. وهو مماثل لحجم الاستيراد عام 2018.
السلع الفاخرة
وليس مفاجئاً حجم الاستيراد عام 2022 إلى بلد تبلغ أزمته المالية والاقتصادية ذروتها، بأكثر وقعاً من نوع المستوردات. فالسلع الفاخرة تحتل الصدارة في سلّم المستوردات إلى لبنان عام 2022، وعلى رأسها السيارات والعطور ومستحضرات التجميل.
وقد سجّل مرفأ بيروت في النصف الأول من العام 2022 ارتفاعاً كبيراً بحركة السيارات. إذ سجّل استيراد 16842 سيارة مقابل 11396 سيارة في الفترة نفسها من العام 2021، أي بزيادة قدرها 5446 سيارة في ستة أشهر فقط، أو ما نسبته 48 في المئة.
صحيح أن أكثر من 3500 سيارة أعيد تصديرها من لبنان بحراً، لكن يبقى أن أكثر من 13000 سيارة دخلت لبنان في فترة قصيرة ورُكنت في المستودعات.
اما الرقم الصادم فكان أيضاً من نصيب السيارات في نهاية الشهر الحادي عشر من العام 2022. إذ بلغ حجم استيراد السيارات نحو 29 ألف سيارة. وهو رقم ضخم جداً نسبة إلى بلد كلبنان. وهنا يحذر مراقبون لا من ضخامة الاستيراد وخروج الدولارات وحسب، بل أيضاً من محاولة تهريب الأموال إلى الخارج من قبل بعض التجار، عن طريق استيراد السلع الفاخرة -ومنها السيارات- مستغلين تدني الرسم الجمركي وإعادة بيعها في الخارج.
ولا تقتصر الأرقام الصادمة على السيارات. فقد تجاوز حجم استيراد مستلزمات أنظمة الطاقة الشمسية المليار دولار، منها 920 مليون دولار ألواحاً شمسية، ومن المستغرب أن ضخامة استيراد أنظمة الطاقة الشمسية لم ينعكس انخفاضاً على استيراد المحروقات، لاسيما المازوت الذي يستخدم أيضاً في توليد الكهرباء.
ومن بين السلع الأكثر استيراداً في العام 2022 كانت العطور ومستحضرات التجميل والحقائب الفاخرة والساعات الأوروبية وغيرها، التي بات استهلاكها محصوراً بالفئة الأصغر في لبنان. وتُعد الصين أولى الدول التي يستورد منها لبنان، تتبعها في المرتبة الثانية تركيا ثم عدد من الدول الأوروبية.