عبد الكافي الصمد – سفير الشمال
كان صادماً إعلان وزير التربية والتعليم العالي عبّاس الحلبي إعطاء أعضاء الهيئة التعليمية مبلغ 5 دولارات، كحافز تشجيعي، مقابل كلّ يوم عمل، وهو مبلغ يقلّ عن المبلغ الذي جرى العام الماضي تخصيصه لهؤلاء الأعضاء، وهو 90 دولاراً، في تراجع قوبل برفض واسع، إلى جانب تهديد بإعلان الإضراب العام والمفتوح في المدارس والثانويات الرسمية، إذ كانت تأمل من الوزير زيادة في الحوافز لا تخفيضها، قياساً بارتفاع أسعار كلّ شيء في البلد، إلّا جهد الأساتذة وقطاع التعليم الرسمي الذي يبدو هذه الأيّام أشبه باليتيم على مأدبة اللئام.
إلى سنوات قليلة مضت كان قطاع التعليم في لبنان ما يزال محافظاً، ولو بالحدّ الادنى، على طليعيته وريادته في هذا الشّرق، ومنارة فيه، وبقي برغم شوائب كثيرة سادته قبلة طلّاب العلم من جميع الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج، الذين كانوا يفدون إليه لتلقي تعليمهم في جامعته الرسمية وجامعاته الخاصة على حدّ سواء.
كان قطاع التعليم إلى جانبي قطاعي السّياحة والإستشفاء واجهة البلد، وعناصر جذب رئيسية لمواطنين من دول الجوار العربي، على اختلافهم، طلباً للعلم أو الإستشفاء، فضلاً عن السّياحة في بلدٍ كان ذات يوم “سويسرا الشّرق”، لكن لم يبقَ من ذلك الإرث سوى ذكريات ووقوف وبكاء على أطلال ماضٍ تليد ذهب ولن يعود.
هذه القطاعات الرئيسية والتي كانت سبباً رئيسياً في قيامة إقتصاد لبنان ونهوضه، إنهارت تباعاً في السّنوات الأخيرة. فقطاع السّياحة تلقى ضربات موجعة جعلته يفقد الكثير من مقوماته بسبب تردّي وضع البنى التحتية فيه، وتراجع الخدمات العامّة، والوضع الأمني الذي لم يعرف إستقراراً ثابتاً وبقي مضطرباً، جعل هذا القطاع يفقد أهميته تباعاً، بالتزامن مع بروز أماكن جذب سياحي في دول الجوار، وصولاً إلى دول الخليج، تنافس لبنان وتتفوق عليه.
قطاع الإستشفاء لقي مصيراً مماثلاً، زاد منه هجرة عدد كبير من “الكادر” الطبّي والتمريضي في السّنوات الأخيرة، نتيجة إنهيار الليرة اللبنانية وتراجع قدرتها الشّرائية، وجعلت هذا القطاع يُصاب بالشّلل، ويخسر بالتالي ميزته التي لطالما تباهى بها في هذا الشّرق.
هذا الإنهيار الذي يشبه سقوط أحجار “الدومينو” وصل إلى قطاع التعليم. فبعدما كان المغتربون والعرب من دول الجوار والخليج يفضّلون إرسال أبنائهم إلى لبنان لتلقي تعليمهم فيه، نتيجة ما كان يتصف به من ريادة ومواكبة للعصر، كان هذا القطاع يتلقى تباعاً، في السّنوات الأخيرة، ضربات موجعة أوصلته إلى ما هو عليه من وضع بائس، ما جعل الآمال تتراجع إلى حدود إيقاف الإنهيار وليس تحقيق مزيد من التقدم.
لكن بوادر هذا الأمل أجهضها أمس الوزير الحلبي، عندما حوّل الأستاذ إلى سلعة تُباع وتُشرى في سوق نخاسة، ولها سعر محدد، وهو للأسف سعر بخس، بدل من أن يحافظ على بقاء مهنة التعليم رسالة للنهوض بالبلد، والحفاظ عليه، وإبقائه ضمانة المستقبل للأجيال المقبلة.