خالد أبو شقرا – نداء الوطن
لم يكن ينقص بعض نواب الأمّة في جلسة مساءلة وزير الطاقة عن فضيحة استقدام بواخر الفيول قبل فتح الاعتمادات، إلاّ اعتمار الطربوش الأحمر، والشروال الأسود المزنّر بالقماش العريض لتكتمل فصول المسرحية. جزء غير قليل من النواب الواقع عليهم واجب المحاسبة تقمصوا في الجلسة شخصية «أبو ملحم» مستعيرين عبارته الشهيرة «كلكون معكن حق». وليُمسح مبلغ مليون و150 ألف دولار من الغرامات المتراكمة بـ«ذقن» المناكفات السياسية، المسببة لكل بلى في هذا البلد.
خلافاً لمضمون شخصية «أبو ملحم» الذي يحل المشاكل إنطلاقاً من النية الحسنة، فان نتيجة جلسة المساءلة الكهربائية، التي عقدت منتصف هذا الأسبوع كانت محاولة إعدام الأمل بالمحاسبة. فـ«لم تكن الجلسة موفقّة»، بحسب مصادر رقابية مشاركة فيها. «بل كانت أشبه بادارة صلحة ضيعوية تضع الحق على القضاء والقدر، أكثر مما كانت للجنة نيابية يفترض بها أن تُسائل وزيراً مرتكباً، وتحاسبه عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات».
الإجتماع الذي عُقد تحت قبة البرلمان لأعضاء لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، بحضور وزير الطاقة وليد فياض وشخصيات معنية، تحوّل إلى «اجتماع للجنة سياسية تحاول أن تجد حلاً لمأزق أوصل الوزير فياض البلد ونفسه اليه»، بحسب المصادر المتهمة للوزير. «حيث سعت اللجنة مع إدارتها إلى إيجاد أعذار تخفيفية للوزير فياض، وللدمج بين الخطأ الإداري والجو السياسي. وكان هناك شبه إجماع حول وقوع خطأ إداري، لم ينكر حدوثه الوزير فياض. وتفادياً لتحمل المسؤولية، فقد رمى فياض هذا الخطأ على «بلفة» سياسية بناء على مراسلات ورد فيها اسم رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. إذ قال بصريح العبارة إنه وقع على العقود على أساس أن الإعتمادات المالية ستتوافر… ثم تبيّن لاحقاً أن الإعتمادات غير مؤمّنة».
الحجة التي ساقها فياض قد تخفف بعلم السياسة ارتكابة الوزير، إلا أنها لا تستقيم في علم الإدارة. حيث «من المفترض أن تفتح الاعتمادات قبل توقيعه على العقود». ومن هذه الزاوية فان مسؤولية استقدام البواخر من دون اعتمادات «تقع على الوزير فياض ومن أعد العقود».
إذن بدلاً من إدارة الجلسة إنطلاقاً من الخلل الإداري الواقع، تجنباً لاحتمال تكراره في المستقبل، انقسم النواب الحاضرون بين معسكرين، الأول يضع «الدشم» أمام الوزير وليد فياض، والثاني يستهدفه بالسياسة، مع فريقه السياسي محملين إياهم مسؤولية الاخطاء الواقعة في القطاع. فأتت الجلسة سياسية أكثر منها محاسبية ترتبط بمواضيع محددة في الإدارة والمال. وقد استشعرت المصادر أن الجو داخل اللجنة نحا باتجاه التبرير للوزير فياض باعتباره «معتّراً» خدع من الرئيس نجيب ميقاتي. وذلك انطلاقاً مما أوحاه وقاله صراحة أكثر من مرة في مقاربته للملف.
الواضح أن رئاسة اللجنة لم تكن ترغب بتسليط الضوء على الشق القانوني والإداري والمالي للمسألة. وكانت وجهة نظرها أن الوزير مرتكب، لكنه ليس وحده. وهذا الكلام الذي قد يستقيم بعلم السياسة، ولا يجوز في علم القانون والادارة وأصول عمل مجلس النواب ورئاسة لجنة نيابية. ولم تفسح إدارة اللجنة المجال للتعليق من قبل الحاضرين المعنيين في الشق الرقابي والمالي، إلا في نهاية الجلسة، عندما كان قد غادرها معظم النواب. إذ كان واضحاً أن القصد من الجلسة إيصال رسالة واضحة، وهي: «تعيشوا وتاكلوا غيرها يا شعب لبنان العظيم، وقطوع ومرّ».
المحاسبة واجبة: 8 نقاط واجبة القراءة
من وجهة النظر الإدارية الصرف البعيدة عن السياسة والتسييس، يفنّد رئيس هيئة الشراء العام د. جان العلّية الخلل في صياغة العقود الموقعة، ومخالفتها لاحكام دفتر الشروط الخاص بالصفقة.
أولاً، نصت العقود على تسديد الثمن بواسطة اعتمادات مستندية يفتحها مصرف لبنان في موعد لا يتجاوز 10 أيام قبل اليوم الأول المحدد التسليم (من 15 إلى 30/12) أي قبل 5/12 بالنسبة للعقود الثلاثة الموقعة. بيد أن الاعتماد المستندي المفترض أن يكون مفتوحاً قبل تاريخ توقيع العقود الثلاثة وفقاً لمضمون العقد بالذات لم يكن كذلك. واللافت أيضاً بحسب العلّية أن عدم فتح الاعتماد لا يؤدي إلى تعليق تنفيذ العقود، بل على العكس يلتزم المورد بالتسليم خلال فترة التسليم التعاقدية. كما أن المورد لا يفرغ حمولة الشاحنة قبل فتح الاعتماد. وعليه كان من الصعب تفادي غرامات التأخير بالنظر إلى الطريقة التي صيغت فيها العقود للأسباب التالية:
– عدم وجود خطاب اعتماد لا يؤخر التسليم المحددة تواريخه في العقود.
– لا يفرغ المورد الوقود حتى فتح خطاب الاعتماد.
– بمجرد ابلاغ الملتزم تصديق العقود يصبح هو المبادر في العملية الاجرائية.
ثانياً، ان الاشعار بتأخير التسليم يجب أن لا يقل عن 30 يوماً من تاريخ بدء فترة التسليم التعاقدية (المادة 6 أعيدت إلى العقود بعد أن حذفت من دفاتر الشروط الخاصة بالصفقة. وذلك بعد أن كانت حذفت في الرد على طلبات الإيضاحات وهي أصلاً غير منطقية بالنظر إلى تواريخ توقيع العقود). أي يجب أن يحصل قبل أسابيع من تاريخ توقيع العقود. وبذلك كان من المستحيل تأخير تواريخ التسليم. علماً أن هذا النص كان حذف من دفتر الشروط الخاص بالصفقة بموجب الايضاحات من قبل الجهة الشارية.
بالاضافة إلى ذلك، لا تنص العقود على أي حد أقصى لهذه الغرامة المالية (18 ألف دولار في اليوم الواحد للشحنة الواحدة وبمجموع 72 ألف دولار يومياً للشحنات الاربع). وبالتالي يمكن أن تزيد إلى ما لا نهاية ليس حتى أن تتجاوز قيم العقود، لا بل قيمة السفن.
ثالثاً، لم يستعمل الوزير عند صياغة العقود الحق المعطى له في دفتر الشروط الخاص بالصفقة بتأجيل تواريخ التسليم إلى مواعيد ممكنة التحقيق، ولا تلحق الضرر بالمال العام. وهذا الحق نصت عليه المادة 5 من دفتر الشروط الخاص بالصفقة، حيث نصت: «يمكن للشاري طلب تأجيل تاريخ وصول الشحنة».
رابعاً، أن توقيع وزير الطاقة للعقود الثلاثة من دون توفر مصدر التمويل ينطوي على مخالفة لقانون المحاسبة العمومية وقد تلحق ضرراً أكيداً بالمال العام.
خامساً، أن حصول الضرر وثبوت ارتباطه بصياغة العقد خلافاً لاحكام دفتر الشروط الخاصة بالصفقة ومخالفة قانون الشراء العام والمحاسبة العمومية، يرتب مسؤولية وفقاً لقواعد المسؤولية المدنية كما سنداً لأحكام المدة 112 من قانون المحاسبة العمومية».
سادساً، لم تعرض مشاريع العقود على رقابة ديوان المحاسبة المسبقة خلافاً للأصول.
سابعاً، خالف الوزير أحكام المحاسبة العمومية، حيث نصت المادة 56 على أن من يعقد النفقة هو الوزير المختص. كما نصت المادة 57 على أن لا تعقد النفقة إلا إذا توفر لها اعتماد في الموازنة.
ثامناً، خالف الوزير أحكام قانون الشراء العام، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 12 على أن تحدد مدة الاعلان وفقاً لاهمية مشروع الشراء وتعقيداته على ألا تقل في جميع الاحوال عن21 يوماً من الموعد الاقصى لتقديم العروض.
الأجواء التي سادت في اللجنة تتسبب بالإحباط لكل من يتوقع أن تحصل محاسبة في لبنان يوماً ما. وهي تحمل مردوداً سلبياً جداً على ثقة المواطن بدولته ولجانه النيابية. هذا عدا عن أن ما حصل في لجنة الاشغال النيابية سيشجع الوزير الحالي وليد فياض أو من يخلفه من أصحاب نفس النهج على ارتكاب أعمال أكبر قد تنتج عنها أضرار أكبر… وقد يستخدم سواه اسلوب انه تم خداعه لتبرير ما يرتكبه. وعليه فانه يجب على المراجع الرقابية الاخرى ان تقوم بدورها. والا يستمر قدر اللبنانيين بالتوافق مع ما قاله أبو ملحم في ثمانينات القرن الماضي: «الربح من ظهر الشعب والخسارة على ظهر الشعب والسوس «الفساد» بيتعبّى بالشعب».