طارق ترشيشي – الجمهورية
يسعى البعض في لبنان الى التعاطي مع ملف رئاسة الجمهورية بكثير من السطحية، ويعتقدون انّ هذا الاسلوب الاعلامي من شأنه التأثير في حركة الاستحقاق الرئاسي مُتناسين انّ ركائز الانتخابات الرئاسية لا تكون عبر الحملات الاعلامية، وإنما من خلال انطباق الظروف السياسية التي يمر بها لبنان على شخصية الرئيس وصفاته.
يرى متابعون للاستحقاق الرئاسي انه يرتبط حالياً بفكرة اساسية هي فكرة الحوار، لأنّ لبنان في حاجة الى كسر الحواجز بين اللبنانيين، وهذا ما يفترض وجود رئيس للجمهورية يستطيع ان يضطلع بهذا الدور لا ان يكون رئيساً يدير الازمة ولا يتمتع بصدقية لدى الاطراف المتنازعة.
وفي هذا السياق يظهر جلياً الترشيح المتقدّم لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية على فكرة القدرة على الحوار مع الاطراف كافة، وكذلك قدرته على تبديد الهواجس لدى الجميع بلا استثناء نظراً لجرأته وامتلاكه مروحة واسعة من العلاقات الاستراتيجية، وهذا ما ليس متوافراً في سواه من المرشحين حتى اللحظة.
ومن هنا يرى المتابعون للاستحقاق الرئاسي انّ خصوم فرنجية يسعون الى التشويش على ترشيحه والتصويب على رؤيته الوطنية والعروبية الثاقبة ضمن مسلّماته الاستراتيجية التي لا داعي للتذكير بها دوماً، وكان آخرها محاولة استغلال مقابلة إعلامية لنجله النائب طوني فرنجية المعروف عنه إيمانه بالمبادئ عينها التي يعتنقها والده، وذلك عبر تجزئتها وترويجها مُجتزأة ومُحرّفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مِمّن فشل فشلاً ذريعاً في مقاربته للمسؤوليات الوطنية.
والملفت انّ الموضوع الذي تم استعماله بوجه فرنجية الإبن لا يمكن ان تقبله العقول، إذ انّ فكرة لبنان الموحّد هي من صلب الايديولوجيا السياسية التي تعتنقها هذه العائلة السياسية الاستقلالية وقد دفعت ثمنها دماً تجلّى بمجزرة إهدن عام 1978.
ولقد أثار هؤلاء «دعوة» فرنجية الإبن الى «التقسيم» في لبنان مُجتزئين ما قاله، فيما كلامه كان واضحاً جداً، وجاء في سياق فكرة بناء الدولة القوية والعادلة حيث الجميع يتساوون في الحقوق والواجبات لأنّ الدولة القوية هي وحدها الكفيلة بنزع فكرة الفديرالية من العقول ومعالجة أسباب المطالبة فيها.
كما انّ الفكرة قد بُنيت على أساس تحليلي مفاده انّ الممارسات الشاذة على يد السلطة في لبنان عموماً تدفع المسيحيين للذهاب الى إقناع الذات بفكرة التقسيم، داعياً الى جَعل المساواة في الأداء معبراً لتبديد هواجس هذه الفئات وتعزيز إيمانها بالصيغة اللبنانية الفريدة صيغة العيش الواحد، لأنّ التقسيم بمفهومه هو انتحار، كما سبق أن أشار إليه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في كثير من المناسبات.
ويقول معنيون بالاستحقاق الرئاسي انّ المعركة الرئاسية تفترض مبارزة سياسية بين المرشحين، وكذلك تفترض ان يلعب كل مرشح على نقاط ضعف منافسه. إلّا انّ المتحاملين على فرنجية قد فهموا المنافسة خطأ ولعبوا على نقطة القوة في ترشيحه، وهي تحالفه التاريخي مع المقاومة وتجسيده لاتفاق الطائف وتمسّكه به في زمن تبرّأت منه القيادات المسيحية كافة، فكان الأجدى بهؤلاء المتحاملين البحث عن امور اخرى يمكن ان تُسيء الى ترشيح فرنجية اذا تمكنوا من ذلك.
على انّ هؤلاء المعنيين يَرون انّ تصرفات كهذه تَشي بإرباكٍ كبير يمرّ به الفريق المُتحامِل على فرنجية، والذي بدأ يتجه نحو العزلة السياسية بعد ان استفحلت مشكلته مع «حزب الله» نتيجة تَحامله على صُدقيته في التعاطي مع حلفائه، من دون أن ننسى فقدانه إحدى أوراق المناورة، عنينا بذلك رئاسة الجمهورية، فيكون هذا الفريق قد أكمل عزلته حتى النهاية، مع العلم انه لا تزال لديه إمكانية تصحيح العلاقة مع حلفائه في حال تخلّى عن شَخصنة المقاربة السياسية لمصلحة الرؤية الاستراتيجية للامور، الى حد انّ أحدهم قد وصف الأمر بقوله انه بعد العزلة فإنّ الامور قد تتجه الى «التآكل الذاتي»، حيث انه لا قدرة لهذا الفريق على العمل السياسي من دون ابتداع الخصومات.
ولكن تبقى الانظار متجهة الى جلسة مجلس الوزراء المقرر انعقادها غداً لمعرفة رد فعل هذا الفريق على مشاركة «حزب الله» فيها، على انّ مصير هذه الجلسة سيشكل مفاجأة مدوية ستمتد الى ما بعد بعد العتمة، بحسب ما يؤكد مطلعون في هذا الصدد.
ويبقى ان الاستحقاق الرئاسي بخواتمه سيكون مُتخطياً كافة المنازلات الداخلية التي تحمل في مطاويها تناقضات تنمّ عن مصالح ذاتية، فليس هناك من اتفاق حتى ضمن الفريق الواحد، إذ انه من المتوقع ان تدقّ ساعة الحل من الخارج الذي لن يقف عند أي اعتبار سوى اعتبار تسيير مؤسسات الدولة ضمن مفهوم عدم جَر لبنان الى حرب أهلية كما يحلو للبعض من خلال جَعل هذا الاستحقاق منصة ضد «حزب الله»، لكنّ المؤكد هو انّ المعطيات الخارجية لا تتقاطع مع هذا الخيار لا بل على العكس فهي تشجّع على ان يكون الحوار مع «حزب الله» أولوية الاولويات في هذا الاتجاه.