عايدة جاويش – سوريا
رواية يابانية من تأليف الروائي الياباني #هاروكي موراكامي “كافكا تامورا، كرو، ناكاتا، الآنسة سايكي، جوني ووكر، أوشيما، هوشينو”… شخصيات متعددة وأحداث متنوعة تقع في أزمنة مختلفة وفي مستويات غير متوازية تتقاطع في خط مستقيم يقود الرواية بحكايتين متوازيتين يبدأ سردهم بالتناوب، فصل بالحكاية الأولى وفصل آخر بالحكاية الثانية، التي تبدو في البداية مختلفة وبعيدة عن الأولى ولكن الأحداث تتشابك وتتقاطع، هذا الانتقال بين حكايتين ينقلنا إلى فضاء ثلاثي البعد عندها “تمطر السماء سمكاً ويصبح الظل سكيناً يقطع أحلامك”.
هاروكي موراكامي أراد أن يعرف ماذا يجري عند حافة العالم في الغابة المسروقة من عالم آخر، فمد يده وأزاح الحجر الذي يفصل بين الحياة والحياة بعد الموت، الحجر المغلق منذ سنين طويلة فكانت رائعته رواية “كافكا على الشاطئ” عبرها نقل لنا صورة وفكرة عن عالم تنتقل فيه الأرواح بين عالمين الأحياء والأموات، فجاءت الصورة كاملة والفكرة ناقصة وازداد عمق الرواية بنقصانها وألغازها التي بقيت معلقة من دون حل أسئلة طرحها وبقيت دون أجوبة.
“الأعمال الناقصة بحد ذاتها تثير الإعجاب أو على الأقل تثير إعجاب أنواع معينة من الناس… لا تبحث فالعمل سيجدك أنت”.
كافكا تامورا: فتى في الخامسة عشرة من عمره، لم يكن يحمل روحاً واحدة داخله وإنما أرواح عدة، يتحدث منذ بداية الرواية مع شخص يدعى “كرو” وكأنه صوت الروح الثانية داخله، قرر الهرب من والده الذي تنبأ له بعقدة أوديب، فأمه لم يكن يعرفها أو يعرف حتى اسمها فالأب لم يثبت سمها حتى في شهادة ميلاده، هي التي تركت البيت مع أخته عندما كان في الرابعة.
ناكاتا: رجل مسنّ، دائماً يتكلّم عن نفسه بصيغة الآخر فيقول: “ناكاتا غبي… ناكاتا لا يقرأ… ولا يكتب… ناكاتا لا يعرف لماذا”.
ناكاتا كان يملك نصف روح وظلاً خفيفاً وانتماؤه للقطط أقرب وحديثه معهم أعمق.
في الفصل الثاني يعرض الكاتب قصة مجموعة من الأطفال بصحبة معلمتهم “أثناء الحرب العالمية الثانية” ذهبوا في نزهة للبحث عن الفطر في الغابة القريبة من مدرستهم، طفل من الأطفال يبتعد عن أصدقائه، ويعود بمناديل ملطخة بالدم كان قد وجدها تحت حجر، عنّفته المعلمة وضربته بطريقة مبالغ فيها وبعد برهة قصيرة من الزمن يسقط الأطفال جميعهم على الأرض دون حراك، وكأنهم تعرضوا للتنويم المغناطيسي، وبعد ساعة من هلع معلمتهم ومحاولة إيقاظها وإنقاذهم، ينهض الأطفال وكانت ذاكرتهم قد محيت تماماً، باستثناء طفل واحد بقي عدة شهور قبل أن يستفيق وعندما رجع إلى الحياة كان كورقة بيضاء ونسي كل شيء حتى اسمه الذي هو ناكاتا.
أراد الكاتب أن يقول إنه على الرغم من كل هذا: “هناك أشياء لا يستغنى عنها أبداً تبقى طي النسيان، ذكريات لا تمحى أبداً تبقى كالحجر”.
في رواية “كافكا على الشاطئ” النهايات المفتوحة والفراغات لا تستفزك فقط وإنما ستحملك إلى حافة العالم وتجعلك تفكر كيف يمكن إنساناً أن يحمل في داخله أكثر من روح وأحياناً نصف روح، فالروح كما أراد أن يخبرنا هاروكي موراكامي لاتترك الجسد فقط عند الموت ولكن مع وجود الإرادة أو حدث كبير يحدث لها، تستطيع الروح أن تترك الجسد وهو حي وتغادر الروح ويبقى الجسد فارغاً… لكنه حي، عندها تتداخل الأرواح، روح كافكا في الرواية تحل في ناكاتا، وروح ناكاتا كانت تحل في كافكا فيعيش عالمه عندما ينام لذلك كان ناكاتا يرى نفسه في مكتبة يقرأ وأيضاً كان كافكا يحمل روح الفتى الذي أحبته أمه سايكي، فتستعير روح حبيبها الميت في “جسد كافكا” أثناء ممارسة الجنس معه.
“كل من يعشق يكون في حالة بحث عن أجزائه المفقودة في نفسه”.
في الاجزاء الأخيرة من الرواية، يقرر هوشينو أن يرافق ناكاتا في رحلته الأخيرة للبحث عن حجر المدخل، شخصية تتطور مع الأحداث يتعرف خلالها إلى العالم اللامرئي ويتعلق بالموسيقى والقراءة ككل شخصيات هاروكي موراكامي، فمعظم الشخصيات لها ثقافة موسيقية عالية وحب القراءة.
في رحلة ناكاتا لفتح حجر المدخل في الغابة الليمب، يرافقه هوشينو، فعندما يدخل كافكا إلى الغابة ويضع روح حبيب أمه ويعود بروح واحدة عندها تموت سايكي التي حملت طوال حياتها نصف روح وظلاً خفيفاً وجسداً فارغاً، ويموت ناكاتا وروح الطفل الصغير داخله.
يعرض الكاتب فكرة ثنائية الروح بقوة والتي تجلت بشخصية أوشيما ولكن بصورتها الجسدية، فهو رجل حقيقي ولكن بجسد أنثى وعلى لسان أوشيما نقرأ عن اسطورة الولمية لأفلاطون فيقول في العالم لم يكن هناك رجال ونساء “كل شخص كان شخصين”، لكن الرب أخذ سكيناً وقطع الجميع إلى نصفين متساويين وصار العالم منقسماً إلى رجل ورجل، امرأة ورجل، وامرأة وامرأة، ومن يومها الجميع يبحثون عن نصفهم الآخر.
أوشيما شخصية تبهرك بثقافتها وتنوعها، فهو يحب قراءة الكتب التي تنقله من عالم إلى آخر وهو في نفس المكان فيؤكد من خلاله على حرية الأفراد باختيار ميولهم الجنسية.
رواية كافكا على الشاطئ رواية فانتازيا سوريالية رمزية جديرة بالقراءة، “فكل شر في هذا العالم يحدث عندما يحاول أحدهم استغلال الفراغ في الروح”.
المصدر: النهار