كتبت صحيفة “النهار” تقول: بصرف النظر عن “التموضعات” والمناكفات والكيديات والصدامات السياسية المتصلة بتحول واقع حكومة تصريف الاعمال بمثابة الحلبة المفتوحة لتصفية الحسابات السياسية وضمنا الحسابات الرئاسية، بدت الجلسة الثانية لمجلس الوزراء في عهد الفراغ الناشئ بعد ولاية الرئيس ميشال عون وكأنها نجحت في اثبات الحيز الاوسع المتوافق عليه لجهة انعقاد “جلسات الضرورة” حين تقتضي حالات تتسم بالضرورات الطارئة ذلك. والحال ان ارتفاع المشاركة الوزارية في الجلسة الحكومية امس الى 17 وزيرا بانضمام وزيرين اضافيين لم يحضرا الجلسة الأولى هما وزيرا الاقتصاد امين سلام والسياحة وليد نصار وتغيب 6 وزراء فقط شكل “تحصينا” لعاملي دستورية الجلسة وميثاقيتها على أساس مبدأ جلسة الضرورة، علما ان 7 وزراء مسيحيين من اصل 12 حضروا الجلسة. وبدا “التيار الوطني الحر” كأنه خسر الجولة منفردا، حتى لو كانت القوى المسيحية الأخرى وفي مقدمها بكركي، تلتزم الحذر الشديد في التعامل مع انعقاد الجلسات الحكومية في زمن الشغور الرئاسي لكنها لم تبد رفضا حيال اسس الضرورات الحياتية والمعيشية والخدماتية الملحة التي انعقدت في ظلها الجلسة الثانية. وهو الامر الذي فسر الإعلان المبكر عن الاتجاه الى عقد جلسة ثالثة قريبا. وعلم ان الوزير نصار ابلغ ليل الثلثاء الرئيس ميقاتي بحضوره الجلسة كما ابلغ النائب جبران باسيل بذلك. وأوضح نصار لـ”النهار” انه “طبق اقتناعاته وتغليبه مصلحة اللبنانيين التي تطلب التئام جلسات الحكومة وتسيير حياة المواطنين”.
ومع ذلك، فان معالم التلبد السياسي ازدادت كثافة على خلفية ازمة الفراغ الرئاسي عشية الجلسة الحادية عشرة لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية اليوم، وسط معطيات تزداد قتامة وتشاؤما حيال أي فرصة من شأنها فتح ثغرة في جدار الانسداد السياسي. واذا كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله قد ظهر اول من امس في مظهر دفاعي لجهة التبرؤ من تغييب وافراغ المواقع المارونية والمسيحية ردا على مواقف سيد بكركي، فان اللافت امس ان مجلس المطارنة الموارنة أعاد تثبيت التحذير نفسه من افراغ المناصب سبيلا الى تغيير هوية لبنان. وهو الامر الذي يعكس تصاعد المخاوف كما الضغوط المعنوية المسيحية الى ذروتها كلما ابتعدت احتمالات انتخاب رئيس الجمهورية، كما يضاف الى هذه التحذيرات لبكركي ظاهرة تقاطع مواقف القوى المسيحية الأساسية حيال إعادة النظر في التركيبة السياسية للبلاد على غرار الموقف الذي اعلنه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أخيرا واثار ردود فعل واسعة. وتترقب الأوساط النيابية والسياسية تصويت نواب “تكتل لبنان القوي” في الجلسة النيابية اليوم لجهة الوسيلة التي سيلجأ اليها التكتل لاثبات تمايزه عن حليفه “حزب الله” وقوى 8 اذار بعدم التصويت بالاوراق البيضاء، علما ان عدم بت “التكتل” بعد اسم المرشح الرئاسي الذي سيدعمه يرجح ان يلجأ الى التصويت بأسماء او شعارات رمزية.
أموال الكهرباء
اما مجلس الوزراء الذي عقد جلسته في السرايا فاقر سلفة 62 مليون دولار للكهرباء بالإضافة إلى 54 مليون دولار للصيانة. واعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ “ما يجب أن يفهمه الجميع أنه حين يجتمع المجلس ليس ليزيد الشرخ، بل لخدمة المواطن، ولا نجتمع لنؤمن شيئًا لفريق دون فريق، والأجواء كانت جدًا مريحة خلال الجلسة”. ولفت إلى أنّ “أي شخص أو وزير إذا كان يريد أن ينسحب، فسننسحب جميعًا. وكان أول أمر على جدول أعمالنا هو ملف الكهرباء”، موضحًا “أننا وافقنا على سلفة 62 مليون دولار بما يتعلق بالشحنة الأولى، وطلبنا من وزير الطاقة بدء المفاوضات مع الشركة المورّدة لتتحمّل الغرامات ، وتم إعطاء مبلغ 54 مليون دولار لصيانة معامل الزهراني ودير عمار”. وأشار الى “أننا إذا نجحنا بحلّ موضوع الكهرباء نكون قد وجدنا حلاً لأكثر من 50 في المئة من مشاكل اللبنانيين”. وأشار الي اتفاق على عقد جلسة قريباً، في الأسبوع المقبل أو الذي يليه “لبحث كلّ الأمور الطارئة التي يحتاج إليها المواطن”.
وقال ميقاتي خلال الجلسة “إن الحكومة الحالية، من موقعها الدستوري كحكومة تصريف أعمال، ليست في وارد الحلول مكان رئيس الجمهورية أو اعتبار ان البلد يمكن أن يستمر من دون رئيس. ومن المعيب تصوير الأمور بما يوحي وكأن الحكومة مسؤولة عن إطالة أمد الفراغ الرئاسي، والتأخير بانجاز هذا الاستحقاق، الذي نعود ونكرر وجوب إنجازه بأقصى سرعة ممكنة باعتباره مدخلاً إلزامياً لانتظام عمل المؤسسات الدستورية، ومدخلاً أيضاً لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وفقاً لقواعد الدستور”.
وأفادت معلومات ان المخرج الذي سيعتمده رئيس حكومة تصريف الاعمال بعد إقرار الإجراءات في شأن الفيول هو بتوقيع مرسومي سلفتي الخزينة من رئيس الحكومة ووزير المال والوزير المختص أي وزير الطاقة وليد فياض. وبما أن فياض لم يحضر الجلسة فسيأخذ ميقاتي توقيع فياض من المرسوم الذي أرسله منفرداً فتعتمد صيغة الحل نفسها التي اعتمدت مع وزير الدفاع.
وبدا لافتا ان وزير الطاقة والمياه وليد فياض اعتبر أنّ “موافقة الحكومة على تمويل خطة الكهرباء تشكل نافذة امل” لافتًا الى أنه “تمت الموافقة على جميع اعتمادات الكهرباء المطلوبة بقيمة 300 مليون دولار لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة الطوارى” . وتعليقاً على إحالة صرف المبلغ الإضافي لفتح اعتماد سلفة الخزينة لشراء الفيول اويل من “فيتول بحرين” لزوم تشغيل معملي الجية والزوق بقيمة 48 مليون دولار وباقي المبلغ المطلوب إلى اللجنة الوزارية التي شكلها ميقاتي لفتح الاعتمادات المتبقية، قال فياض “هذا يعني ضمنيا أن ملف الكهرباء لم يعد رهينة التجاذبات السياسية، ولا يحتاج الى عقد جلسة أخرى لمجلس الوزراء” كما دعا إلى عقد اجتماع اللجنة الوزارية فورا اليوم الخميس “تفاديا للغرامات الاضافية لصالح شركة فيتول بحرين عن الباخرتين المتعلقتين في تشغيل معملي الجية والزوق”.
وردت أوساط حكومية على تصريح الوزير فياض فقالت “كان حريّا بالوزير أن يحضر جلسة مجلس الوزراء ويناقش في كل الامور، بدل متابعتها كسائر اللبنانيين عبر الاعلام” اما في موضوع الحديث عن الغرامات، فتمنّت على فياض “اعادة قراءة تصريح رئيس الحكومة بعد الجلسة جيدا، اذ قال بالحرف “ان مجلس الوزراء أقرّ السلفة مع شرط طلبناه من وزير الطاقة يقضي بأن يقوم بالتفاوض مع الشركة المورِّدة على قاعدة أن لا غرامات تترتب على الخزينة اللبنانية بل على حساب المورِّد نفسه” وبالتالي فالموضوع بات عند وزير الطاقة وهو المسؤول منذ الأساس عن ادخال البواخر قبل فتح الاعتماد المستندي” وشددت على أن “ميقاتي سيدعو اللجنة الوزارية الخاصة لملف الكهرباء عندما يرى ذلك مناسبا”.
مجلس المطارنة
في غضون ذلك دان مجلس المطارنة الموارنة اثر اجتماعه الشهري في بكركي، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ”عرقلة التحقيق في قضية تفجير المرفأ والتصرّفات الكيدية التي يتعرّض لها أهالي الضحايا” وتخوف من “ترحيل انتخاب رئيس جديد للبلاد إلى أمد لا يعرفه أحد ولا يجلب للبنانيين سوى المزيد من المعاناة”، مكررًا “مطالبة المجلس النيابي بتحمّل مسؤولياته على هذا الصعيد والمسارعة ببت هذا الإستحقاق الدستوري الأساسي درءاً لمزيد من التدهور والإنهيار”، واعتبر انه “يجب العودة إلى الإجتهاد الدستوري لتحديد الإطار القانوني لتصريف الأعمال العادية والمهمّة وحالات الطوارئ منعاً لخلافات البلاد بغنى عنها”، وحذر من “محاولة لإحداث فراغ في المناصب المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً في الدولة وهذا يدلّ على نيّة خفيّة ترمي إلى تغيير هوية لبنان المبنية على الحرية وصون كرامة المواطنين”.
جعجع يرد
من جهته، اشار رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع إلى أن “حكومة تصريف الأعمال هي حكومة الفريق واللون الواحد ولكنّهم غير قادرين على التفاهم والاجتماع”. وقال بعد لقائه “الجبهة السيادية” في معراب “حديثي منذ يومين خدش الشعور الوطني لدى البعض إلا أنه لم ينخدش حين رأوا لبنانيين يفتّشون عن لقمة عيشهم في النفايات” سائلًا: “هل يُعقل أنّه منذ 3 سنوات حتى اليوم لم يُتخذ بعد أي تدبير بالاتجاه المطلوب كضبط الحدود والتهريب وتصحيح علاقاتنا مع دول الخليج؟” وأضاف: ”خضنا أفضل انتخابات نيابيّة ونتج عنها المجلس النيابي الحالي ومنذ اللحظة الأولى نحاول العمل مع كلّ الأفرقاء ما عدا الفريق الممانع ولكن حتى اليوم لا نزال في فراغ دستوري وغير قادرين على انتخاب رئيس وهل يُعقل أن نكون في وضعيّة أسوأ من هذه؟ “.ولفت إلى أن “التوافق مؤمّن في لبنان من خلال التركيبة في الدستور واما محور الممانعة ومعهم رئيس مجلس النواب نبيه بري فيعطلون انتخاب رئيس الجمهورية