السبت, نوفمبر 23
Banner

امعان في السطو على اموال اللبنانيين

ايفا ابي حيدر – الجمهورية

يبدو انّ طي صفحة دولار الـ1500 ستطوي معها الودائع القديمة والكثير من التسهيلات المالية التي كانت متوفرة في السابق، لينتقل معها لبنان إلى مرحلة أصعب من سابقاتها، سيكون عنوانها العريض، المزيد من الإفقار للبنانيين، وفرض المزيد من الضغط لإخراج الدولارات التي لا تزال في المنازل وجلب دولارات المغتربين.

بعد التضييق على المودعين، جاء دور الدولة لتعلن هي الاخرى، بقرارات تصدرها، حربها على الليرة اللبنانية، ونيتها الفصل بين اموال ما قبل 17 تشرين الاول 2019 وما بعدها. كيف؟

فقد أصدر وزير المال يوسف الخليل في تاريخ 16 كانون الثاني 2023، قراراً يتعلق باستيفاء الضرائب والرسوم الجمركية، على الشكل التالي: 50% نقداً بالعملة اللبنانية كحدّ أدنى، و50% بموجب شيك مصرفي بالعملة اللبنانية كحدّ أقصى. وقد طلب العمل به إبتداءً من 17/1/2023. انما، ونظراً لتداعياته الخطيرة على المؤسسات والمواطنين، تطالب الهيئات الاقتصادية المسؤولين التراجع عن هذا القرار بأسرع وقت، وهي بدأت مفاوضات للغاية مع وزارة المالية.

ومع اعلان المالية نيتها القبض كاش، وكان سبقها قرار لمؤسسة كهرباء لبنان طلبت فيه من المصارف إنشاء حساب فريش بالليرة اللبنانية لكل مشترك يرغب بتسديد الفواتير عبر التوطين، يعني انّ الدولة ايضاً دخلت على خط الكاش، وهي كانت واحدة من المنافذ الضيّقة التي تمكّن عبرها التجار من تصريف اموال البطاقات المصرفية التي كانوا يتلقّونها من اموال البطاقات المصرفية للمودعين العالقة هي ايضاً في المصارف، ما دفع أمس نقابة اصحاب السوبر ماركت في لبنان إلى اصدار بيان قالت فيه: «تبعاً لقرار وزير المالية رقم 447 بتاريخ 16‏/1‏/2023 الذي يقضي بدفع نصف‬ الرسوم الجمركية على السلع المستوردة نقداً بالليرة اللبنانية، فإنّ النقابة تعلن أنّها سوف تضطر آسفة لوقف قبول البطاقات المصرفية في حال تطبيق هذا القرار.

‏هذا القرار سيحول دون تمكّن أصحاب السوبرماركت من استخدام الأموال المقبوضة عبر البطاقات المصرفية في دفع الرسوم، وما يترتب عليها للموردين، أي أنّ هذه الأموال ستبقى محتجزة في المصارف، من دون أي قدرة على استخدامها. وعلى هذا الأساس، تجد نقابة السوبرماركت نفسها مضطرة إلى اتخاذ هذا القرار، بوقف قبول الدفع بالبطاقات المصرفية بالليرة اللبنانية.

وإذ نعتذر من المواطنين، نطالب المسؤولين بالتراجع عن هذا القرار بأسرع وقت، لوقف الضرر عن المؤسسات والمواطنين على حدّ سواء».

تداعيات خطيرة

في هذا السياق، يقول الاقتصادي باسم البواب لـ»الجمهورية»، انّ لقرار وزير المالية تداعيات خطيرة على الاقتصاد المنهار اصلاً، إذ عدا عن انّه سيزيد الطلب على الكاش، مع كل المخاطر المرفقة من عمليات تبييض الاموال وفقدان السيطرة على المراقبة، فمن أولى تداعيات هذا القرار ان ترتفع قيمة النقدي وتتراجع قيمة الشيك. إذ في السابق كان الشيك المصرفي بقيمة 100 مليون ليرة يباع في السوق بـ80 مليوناً اي بحسم 20%، أما اليوم وبعد هذا القرار، فسيباع الشيك بحوالى 60 مليوناً، اي بحسم 40%، ما يجبر التاجر على رفع اسعار السلع على المستهلك حتى يتمكن من دفع الجمرك والضريبة على القيمة المضافة، اللذين ارتفعا بحدود 23% من قيمة السلعة. وأعطى على سبيل المثال انّ مستوعباً واحداً بقيمة 100 الف دولار بات يتطلب تأمين 23 الف دولار رسوماً عليه وفق دولار 15 الفاً. كما انّ السير بقرار وزير المالية يفرض على التاجر ان يحمل معه أكياساً مليئة بالأموال لدفعها نقداً. فأقل مستوعب يتطلب دفع 150 مليوناً نقداً، الّا انّ اقل تاجر يستورد 15 مستوعباً او أكثر، ما يعني انّ على التاجر ان يحمل معه إلى المرفأ حوالى الملياري ليرة نقداً لدفعها للجمارك. والصعوبة لا تتوقف هنا، إذ انّ تطبيق هذا القرار يشكّل خطراً على حياة التاجر الذي سيتنقل بهذا المبلغ الضخم، عدا عن مشكلة العدّ اليدوي للاموال، وارتفاع احتمالية الخطأ في العدّ وتمرير الاموال المزورة، إلى جانب الوقت الذي سيستغرقه دفع المعاملة قبل إخراج البضائع من المرفأ. عدا عن ذلك، كيف ستنقل المالية كميات الاموال هذه من المرفأ إلى مصرف لبنان، لاسيما اذا قلنا انّه يخرج من مرفأ بيروت يومياً حوالى الـ1000 مستوعب؟

وإلى جانب العوامل اللوجستية والتقنية، فإنّ لهذا القرار انعكاساً على سعر الصرف، وعامل ضغط اضافياً على الليرة وعلى السلع، التي من المتوقع ان يزيد سعرها 6% في السوق، تنفيذاً لهذا القرار وحده.

وداعاً للشيكات؟

ورداً على سؤال، إعتبر البواب، انّ الاتجاه نحو التخلّي عن استعمال البطاقات المصرفية سيؤدي إلى تصغير حجم الاقتصاد أكثر فأكثر، وتقليص كمية الاموال التي يمكن سحبها شهرياً من البنك. وهذه القرارات تضع المودع امام خيارات محدودة، إما الاكتفاء بالمبلغ الذي يحق له شهرياً (وهذا يستحيل كونه لا يكفي)، إما تصريف امواله العالقة بالبنك من خلال بيع شيكات مصرفية مع هيركات أعلى من ذي قبل (هو حالياً 20% سيرتفع الى 40%) أو تصريف الدولارات الفريش التي في حوزته والمتأتية بغالبيتها من المغتربين اللبنانيين.

وقال البواب: «قد تكون الرغبة من هكذا قرار سحب كتلة نقدية من السوق ولجم ارتفاع الدولار في السوق السوداء. انما برأيي لن يؤثر هذا القرار على سعر الصرف، لأنّه في نهاية كل شهر تُدفع الرواتب والاجور نقداً، وبالتالي لا يمكن التعويل عليه لهذا الغرض».

وعمّا اذا كانت الشيكات المصرفية ستلقى نفس مصير البطاقات المصرفية، يؤكّد البواب، انّ الدفع بالبطاقات المصرفية مشابه للدفع بالشيكات، وبالتالي رفض الدفع بالبطاقات المصرفية سيعقبه حكماً رفض قبول الشيك المصرفي، وهذا يرسم الصورة التالية: هيركات كبير على كل الاموال التي تعود إلى ما قبل 17 تشرين، وذلك للتخلص من الإيداعات القديمة في المصارف، أكانت بالليرة اللبنانية ام بالدولار، وتحميل المودع الخسارة وحده. والمطلوب من المواطن ليستمر بالعيش ان يأتي بالفريش من الخارج وينسى الودائع التي في البنك او يصرفها بخسارة.

وختم البواب: «انّ ما يحصل ترجمة لعدم اعتراف الدولة بعملتها. فمؤسسات الدولة ترفض ان تستلم عملتها بالطريقة البنكية، وكأنّ هناك توجهاً مقصوداً لإفلاس القطاعات والمؤسسات وإنهاء الودائع القديمة، وطي صفحة الماضي والبناء من جديد بدولار فريش».

Leave A Reply