ابتسام شديد – الديار
كل المؤشرات الحالية من الفوضى المالية الى الصراع السياسي حول الملف الرئاسي والحكومي والتجاذب القضائي والسياسي حول خطوات المحقق العدلي طارق البيطار ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات كلها أمور تدل على ان لبنان دخل المنعطف الأكثر خطورة منذ اندلاع ثورة ١٧ تشرين، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن المنحى الذي ستصل إليه الأمور وسط توقعات ان تكون الأحداث الحالية مقدمة لوقوع الفوضى قبل الدخول في مرحلة التسوية التي يحكى عنها من دون معرفة تفاصيلها بعد.
الدخول في تفاصيل الصراع القضائي عملية معقدة في ظل الانقسام في مقاربة خطوة من القاضي البيطار والقاضي عويدات بين من يعتبر ان هناك خطة ممنهجة لابتلاع التحقيق وعرقلة عمل المحقق العدلي بإخلاء سبيل موقوفين بقرارات كيدية وسياسية ومن يرى ان البيطار ينفذ أجندات على أثر العودة المفاجئة له بعد توقف لأشهر طويلة لخلفيات معينة خصوصا انها تزامنت مع التحقيقات الدولية بملفات مالية ومهمة الوفد الفرنسي الذي يتابع تحقيقات المرفأ وكان له لقاءات مع سياسيين ومع القاضي البيطار نفسه قبل ان يقدم الأخير على الاستدعاءات لأمنيين وسياسيين.
إلا ان الملف المالي يوازي بخطورته الملف القضائي ويبقى الأخطر مع الارتفاع الصاروخي لسعر الدولار، الأمر الذي يؤكد ان لبنان على أبواب الدخول الى السيناريو الفنزويلي الذي اقترب كثيرا.
ما يعيشه لبنان اليوم كما يؤكد خبراء سياسيون واقتصاديون ليس غريبا او استثنائيا في تاريخ دول مرت بظروف مشابهة للأزمة اللبنانية الحالية… فنزويلا «شاهد حي» ونموذج قريب جدا من الحالة التي وصلنا اليها مؤخرا.
بسرعة قياسية حصل الانهيار في فنزويلا التي تحولت من دولة غنية تملك أكبر احتياط نفطي في العالم الى دولة فقيرة وصلت فيها معدلات التضخم الى مستويات مرتفعة وتدنى دخل الفرد الى ستة دولارات وعلى ما يبدو ان لبنان يسلك المسار الاقتصادي والاجتماعي نفسه وأوجه الشبه كبيرة مع السيناريو الفنزويلي من انهيار العملة الوطنية وارتفاع أسعار المحروقات والاستشفاء وفقدان الرواتب قيمتها الشرائية.
فالانهيار دفع الفنزويليين بعد تدهور البوليفار الى التهافت على المحال والسوبرماركت لتخزين المواد والى الشارع فزادت معدلات السرقة والجريمة وعلى أثر تفاقم الوضع من دون حلول غادر الملايين هروبا من الجحيم الاجتماعي الى الدول المجاورة وهذا ما حصل مع زيادة معدلات الهجرة في لبنان
فالمقارنة تظهر تشابها كبيرا كما يؤكد الخبراء، فعمليا ارتفعت معدلات هجرة الشباب والعائلات بشكل كبير بعد انتفاضة ١٧ تشرين وقد قارب الحد الأدنى للأجور عشرة دولارات ومرشح ان يصل الى المستوى الفنزويلي لبضعة دولارات قريبا .
الصورة حتى اليوم تبدو نسخة طبق الأصل بفارق واحد وهو ان الوضع الأمني تحت السيطرة .
المشهد الفنزويلي تقدم كثيرا والمقارنة لا تظهر اختلافا كبيرا، في فنزويلا تناقصت الأطعمة التقليدية واختفت عن الرفوف وبات غذاء الفنزويليين يفتقد الحديد والفيتامينات، اما في لبنان «فالغني يأكل ويسهر ويدخل المستشفى ويملأ خزانه بنزين» فيما اختفت الطبقة الوسطى وتقلصت القدرة الشرائية للبنانيين.
ومع ذلك يؤكد كثيرون ان واقع لبنان دراماتيكي وأكثر صعوبة وتعقيدا لأن لبنان بلد منهوب واقع تحت عجز مالي كبير ولا يملك النفط والمعادن وقوة فنزويلا الاقتصادية وله مشاكله السياسية في وجود اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين.
عوامل الانهيار متشابهة جدا، عانت فنزويلا جراء الحصار الأميركي والسياسات المتهورة والخاطئة فيما دفع اللبنانيون ثمن فساد الطبقة السياسية وصراع المحاور وانتشار الفساد والإجراءات الحكومية الفاشلة.
لم يعد النموذج الفنزويلي مجرد عنوان، لبنان تحول فعلا من «سويسرا الشرق الى فنزويلا الشرق» بعد الهدر والتعثر المالي والاقتصادي والسياسات العشوائية .
عمليا دخل لبنان المرحلة الأولى من الارتطام الكبير على شكل صدمات متتالية سوف تنفجر قريبا ويبقى الخوف الأكبر من حدوث تطورات أمنية وتصعيد في الشارع يكثر التحذير من مخاطر سيناريوات عديدة.