حسن معتوق – النهار
لم يدخل صندوق النقد إلى أي دولة من دول العالم بداعي المساعدة إلا خرّبها وعاث فسادا بنظامها المالي والاقتصادي مما يؤدي إلى تدهور الحالة الاجتماعية معيشيا وصحيا وتربويا، وذلك من خلال شروطه التعجيزية التي يفرضها على طالبي المساعدة .
ولا شك في أن تدهور الأوضاع في هذه الدول مرتبط دائما بتدهور العلاقات السياسية مع الغرب، خصوصا مع الولايات المتحدة الأميركية، أكانت مطالب تُفرض بالقوة و/أو مواقف تُطلب منها. والحالة اللبنانية ليست بعيدة عن هذا بالشكل والموقف، فالحصار فُرض على لبنان منذ عام 2016 والخراب أتى مع تحريك مجموعة الخراب المدني الممولة تحت ستار NGO التي تحركت سواسية مع مطالب تافهة وبسببها خلقت أجواء التدهور والدخول في الازمة. ولم يخجل المسؤولون الاميركيون من التصريح العلني عن غاياتهم وعن المبالغ الطائلة التي انفقت أو عن استعمالهم مجموعة من المستشارين والمسؤولين اللبنانيين والذين يدورون في فلك الحكومات ورجال السياسة في لبنان. ومن تأثيراتهم على الوضع، بدايةً من تخلّف حكومة الرئيس حسان دياب عن دفع “اليوروبوندز” بمؤازرة من سياسيين كانوا يمسكون بزمام الحكم والسلطة، إلى خطط التعافي المدمرة التي وُضعت لتنهي ما تبقّى من ركام وأسس يمكن إعادة البناء عليها للنهوض مجددا، كتدمير القطاع المصرفي وزعزعة الثقة بالسلطة النقدية ومصرف لبنان، والهجوم الممول ماليا من مصادر عدة في الصحف والإعلام ووسائل التواصل ادى الى انهيار الثقة بكل شيء.
في محيطنا دولة عمدت إلى إدخال صندوق النقد الدولي لمعالجة العجز في موازناتها والعجز في مصادر تمويل المشاريع والنقص الحاد في العملات الصعبة. جمهورية مصر العربية أدخلت الصندوق ليؤمّن لها قروضا تستطيع معها إنجاز مشاريع انمائية كتوسيع قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية وتأمين معامل لتوليد الطاقة الكهربائية. وفي مقابل هذه القروض فرض الصندوق شروطه كالعادة من تحرير سعر صرف الجنيه ورفع الدعم عن المواد الغذائية وعن المشتقات النفطية و… وبالتالي ارتفع سعر صرف الدولار من 4.8 جنيهات إلى حوالى 30 جنيها والفائدة الى حدود 25% فانخفضت القدرة الشرائية للمواطن المصري مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وبالتالي اشتدت المطالبة برفع الأجور. وعليه ازداد إنفاق الدولة وارتفع عجز الموازنة واختفت العملات الصعبة من خزائن البنك ألمركزي ودبت الفوضى وعم الغلاء حتى مع رفع الأجور إلى مستويات عالية. كل ذلك لقاء قرض بقيمة 6 مليارات دولار على 10 سنوات يُدفع فصليا على أجزاء.
في لبنان أقر الصندوق اتفاقا مبدئيا غير نهائي لقرض قيمته 3 مليارات دولار لأربع سنوات يُدفع أيضا فصليا لقاء ما يراه الصندوق مناسبا من شروط تنفذها السلطة السياسية. وعند أول قسط سيُدفع من القرض 185 مليون دولار سيفرض عندها شروطا جديدة لتنفيذها قبل استحقاق القسط الثاني .
حكومة حسان دياب اقرت خطة دعم أجبرت مصرف لبنان على تمويلها وكلفت خلال عام حوالى 8 مليارات دولار ودعم مازوت بقيمة 5 مليارات دولار تم تهريبه إلى سوريا وبيعه بأضعاف سعره المتداول. مؤسسة كهرباء لبنان استعملت حوالى 26 مليار دولار خلال 10 سنوات قيمة اعتمادات الفيول. وأنفقت الدولة على بعثاتها الديبلوماسية وتحاويلها للخارج 8 مليارات دولار. لذلك ما حاجة لبنان إلى 185 مليون دولار كل 3 أشهر قد لا تصل إلى خزينة الدولة إلا بالذل والهوان والفرض، وربما، وهذا المرجَّح، بأخذ القرار السياسي إلى حيث يريدون؟
لسنا بحاجة إلى صندوق النقد الدولي في بلد يستورد سنويا بأكثر من 12 مليار دولار وفي خزائنه من الذهب ما يوازي 18 مليار دولار ولديه مرافىء خدمات وأصول تساوي في حدها الادنى 100 مليار دولار، ولدى الدولة السيادة وحق الترخيص بقيمة أعلى من 100 مليار دولار، وفيها اراض وعقارات إيجارها السنوي أكثر من 10 مليارات دولار، ولديها أملاك بحرية موضوعة اليد عليها بقيمة أعلى من 15 مليار دولار، ولديها…ولديها… والأهم كما يروّجون ان الترسيم البحري سيسمح لنا باستخراح غاز ونفط لا نعلم حدود قيمته حتى الآن .
لسنا بحاجة إلى ذلّ الصندوق وأمواله المقترضة بفائدة تحزّ وتجرّ رقابنا بحبل يشد مجرى الهواء والتنفس، ولسنا بحاجة إلى ازلامه وجواسيسه يستغلون بعض اللبنانيين بالوهم والترويع بأن الصندوق يعني الخلاص. نحن بحاجة الى خطة عمل مدروسة تحوّل الاقتصاد الى آلة منتجة ومتخصصة في الميادين المختلفة من زراعة وصناعة وتكنولوجيا والى اقتصاد معرفة يستغل الطاقات والامكانات الموجودة .