غسان ريفي – سفير الشمال
يُدرك كثير من المعنيين بالاستحقاق الرئاسي أن المناخ الدولي تجاهه لم ينضج بعد، وأن الأمور لن تكون سريعة في ظل الأزمات التي تعصف بدول القرار المنشغلة بهمومها السياسية والاجتماعية والتي لم يعد يشكل لبنان أولوية بالنسبة لها، أو ربما يكون خارج إهتماماتها، وبالتالي فإن الحديث عن الترتيبات الدولية لهذا الاستحقاق هو أمر غير دقيق.
والأمر نفسه ينسحب على لقاء باريس الخماسي (أميركا، فرنسا، السعودية، قطر ومصر) وهو حتى الآن ما تزال تدور علامات إستفهام حول موعده وهل سيكون في السادس من شباط الجاري أم سيتأخر قليلا أم سيرحل الى أبعد من ذلك؟ وهل سيكون خماسيا أم رباعيا بغياب مصر؟.
في كل الأحوال، فإن اللقاء لن يبحث في إسم رئيس الجمهورية المقبل، إنما قد يضع معايير ومواصفات مع سلسلة من المطالب لتقديمها الى الرئيس الذي سيختاره اللبنانيون، علما أن من يعتقد بأن اللقاء قد يسمي رئيسا للجمهورية ثم يطلب من نواب الأمة أو يضغط عليهم لانتخابه، فهذا يشكل بنظر كثيرين إهانة للمؤسسات اللبنانية وضربا للسيادة والاستقلال.
وتدرك الدول المجتمعة هذه الحساسية اللبنانية، لكن بمجرد أن تلتقي وتضع لبنان بندا على جدول أعمالها بهدف مقاربة أزماته ومساعدته فهذا يؤكد أنها تتلمس خطورة الوضع القائم، في وقت يظن فيه بعض التيارات والمسؤولين السياسيين أن الوضع في البلاد بخير ما يُفسح لهم المجال بأن يكون لديهم ترف الوقت وترف الهجوم وتسجيل النقاط وتعطيل عمل المؤسسات، متناسين أنهم بذلك يقدمون كوميديا سوداء ترخي بظلالها القاتمة على اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم السياسية.
في غضون ذلك، تشير المعطيات الى أن ثمة حراكا سياسيا داخليا جديا وصادقا في إستحقاق الرئاسة يهدف الى إخراج الاتصالات من الحلقة المفرغة تمهيدا للبدء فعليا بإيجاد قواسم مشتركة حول عدد من المرشحين.
وتقول المعلومات أن رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط توافقا على أن هذا الاستحقاق لا يمكن أن يبصر النور إلا من خلال الحوار والتوافق، وعلى أن لا جدوى من عقد جلسات جديدة لمجلس النواب طالما أنها لا تفضي الى إنتخاب رئيس، خصوصا أن عددا من النواب يشددون على ضرورة إنعقاد الجلسات، ثم هم أنفسهم يصفونها بالمسرحية، لذلك لا بد من إسدال الستارة على هذه المسرحية وإحداث خرق في جدار الأزمة.
وتضيف المعلومات أن بري وجنبلاط توافقا أيضا على ضرورة وضع القطار الرئاسي على السكة الصحيحة، وعلى تفعيل حركة الاتصالات مع سائر القوى السياسية، ولو كانت النتيجة هي التوافق على أكثر من مرشح واللجوء الى المنافسة في جلسات متتالية ضمن مجلس النواب، في حين تشير مصادر مواكبة الى أن عددا من الٍأسماء يجري التداول بها، لكن المرشح المتقدم هو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن الاتصالات السياسية الناشطة التي يقودها الرئيس بري، والمبادرات الجنبلاطية معطوفتين على إجتماع ممثلي الطوائف المسيحية أمس في بكركي والقرار الصادر عنهم بدعوة كل النواب المسيحيين الى الصرح البطريركي لحثهم الى جانب النواب المسلمين على إنتخاب رئيس، فضلا عن الفوضى التي يشهدها سوق الدولار الذي ضرب أرقاما قياسية، وتنامي الأزمات الاجتماعية والانسانية والتربوية والقضائية، والتهديد بتفجير الوضع الأمني، كل ذلك يضع لبنان أمام مفترق طرق، فإما أن تثمر هذه الاتصالات عن إنتخاب رئيس ينهي الشغور سريعا، وإما الانهيار والفوضى وتداعياتهما الكارثية.