عماد مرمل – عماد مرمل
لا يبدو مسعى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط للتوافق حول مرشح رئاسي سهلاً وسط التعقيدات الكبيرة التي تحيط بهذا الاستحقاق، لكنّ حراكه في اتجاهات عدة، بحثاً عن إبرة التفاهم الرئاسي وسط قَش المصالح المتضاربة، أعطى في المقابل إشارة واضحة الى تَخلّيه عن ترشيح النائب ميشال معوض وفتحه الباب على مصراعيه أمام مشروع التسوية.
أساساً، لم يكن جنبلاط مقتنعاً في قرارة نفسه بأنّ معوض يملك أي فرصة للنجاح في ظل التوازنات السياسية المعروفة التي لا تتحمّل خيارات فاقعة من هذا النوع، غير انه قرر على الأرجح أن يسمّيه لبعض الوقت من باب محاولة تحسين شروط التفاوض الحتمي على التسوية او المقايضة المفترضة.
هكذا، وبعد مرور أسابيع على التكرار العبثي لسيناريو الجلسات الانتخابية المُملّة في مجلس النواب، بالترافق مع اشتداد وتيرة الانهيار المالي والاقتصادي، وجدَ جنبلاط انّ التوقيت أصبح ملائماً لِطَي ورقة معوض بلا اي حرج، إذ هو يعتبر انه أدى قسطه للعلى وأعطى معوض وداعميه مهلة 11 جلسة لتجميع 65 صوتاً له تضمن فوزه بأكثرية النصف زائدا واحدا، من دون أي نتيجة. وبالتالي، فإن رئيس «الاشتراكي» يفترض انه لا يمكن لومه اذا أراد التفتيش عن مساحة للتلاقي مع الآخرين حول مرشح يستطيع العبور الى بعبدا ولا يكتفي بالتفرّج عليها من بعيد.
ولكن النصف الآخر من معادلة جنبلاط هو الأصعب والأدق، إذ انّ المخرج من المأزق الحالي يكون في رأيه بـ»تلازم التنازلات»، اي ان يتم في آنٍ واحد استبعاد مرشحي التحدي، وفق تصنيفه، سليمان فرنجية وميشال معوض، كقاعدة تأسيسية او تمهيدية للتوافق المأمول، يليها التفاهم على «المرشح السحري» الذي يستطيع أن ينال موافقة الكتل النيابية الاساسية وعدم ممانعة القوى الخارجية، طارحاً في هذا السياق أسماء العماد جوزف عون وجهاد أزعور وصلاح حنين.
الا ان المشكلة التي تواجه هذا الطرح هي انّ الرئيس نبيه بري و»حزب الله» يرفضان أصلاً مبدأ «المساواة» بين فرنجية ومعوض، ذلك أنّ الأول لم يكن في اي لحظة بالنسبة إليهما ورقة للمناورة يمكن المساومة عليها لاحقاً اذا جرى تحصيل السعر المناسب، بل هما يتعاملان معه كمرشح جدي وحقيقي يستحق أن يُمنح الاولوية وأن يحظى بالدعم حتى النهاية، ثم أنهما لا يوافقان عند تعريفه على انه يرمز الى التحدي وإن كان تَموضعه الاستراتيجي واضحاً، فهو في رأيهما مقبول خارج إطار البيئة الشيعية ويحمل خطابا تصالحيا لا تصادميا. وبالتالي، هو قادر على التفاعل الايجابي مع كل المكونات السياسية والطائفية من دون أي استفزاز لها، وكذلك مُنفتح على جميع العواصم الإقليمية والدولية التي تؤثر في الشأن اللبناني، من دمشق الى واشنطن مروراً بالرياض وطهران وباريس.
هذه «القوة الناعمة» التي تجمع بين القناعات والبراغماتية عند فرنجية، لا تتوافر لدى معوض النافِر في تموضعه وأدبياته، وفق تقديرات «الثنائي» الذي يجد انه سيكون من الإجحاف التعاطي مع الشخصيتين وفق معيار واحد، وصولاً الى الاستغناء عن كليهما تحت شعار تبادل التنازلات، ذلك أن رئيس المجلس وحزب الله مقتنعان بأنّ فرصة معوض كانت ولا تزال معدومة اساساً، وبأنّ ترشيحه احترق رسمياً خلال جلسات الانتخاب النيابية، بينما ظروف رئيس تيار المردة مختلفة كلياً وهو لم يستهلك بعد «لياقته البدنية» في السباق الرئاسي. لذا، فإنّ التضحية به في مقابل استبعاد معوض ستكون بالنسبة إلى داعميه غير عادلة ولا مبررة.
وعوضاً عن هذه المقاصّة، يدفع «الثنائي» نحو استنفاد كامل الاحتياطي السياسي في السعي الدؤوب الى تأمين التوافق على فرنجية نفسه، في اعتباره يملك أرضية يمكن الانطلاق منها.
غير أنّ جنبلاط يظن انّ قائد الجيش العماد جوزف عون يمثّل «الحل الوسط» الأكثر واقعية في هذه المرحلة، بعيداً من اصطفافَي فرنجية ومعوض، وانه الاقدر على استقطاب التأييد الداخلي والخارجي معاً. ولعل زيارة السفير السعودي وليد البخاري الى اليرزة في عز المعركة الرئاسية لا تخلو من الدلالات، ومن شأنها ربما ان تعزّز حجة جنبلاط بمقدار ما قد تزيد الارتياب في صفوف غير المتحمسين لتولّي عون رئاسة الجمهورية.
وما يقوّي طرح جنبلاط، تِبعاً لحساباته، هو انّ القوات اللبنانية وربما بعض نواب التيار الوطني الحر سيصوّتون لعون، ما يسمح بتأمين الغطاء الميثاقي المسيحي له والذي يفضّل رئيس «الاشتراكي» تَوافره، في حين انّ القوات والتيار يرفضان بشدة دعم فرنجية.
ومع ذلك، يأمل بري و»الحزب» في أن يكون اقتراح جنبلاط اسم عون، ضمن لائحة بَدائل عن معوض، توطئة لملاقاتهما ولو بعد حين، حول فرنجية.