عبدالكافي الصمد – سفير الشمال
عندما أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ الدولار الجمركي قد أصبح 15 ألف ليرة إبتداءً من الأول من شهر شباط الجاري، كان ذلك إيذاناً أنّ “حلم” العودة إلى سعر 1500 ليرة مقابل كلّ دولار، كما كان الحال قبل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية غداة اندلاع شرارة حَراك 17 تشرين الأول 2019، لن يتحقق أبداً، وأنّ سعر الصرف القديم قد طواه التاريخ، وذهب إلى غير رجعة.
إعتماد رقم 15 ألف ليرة لتحديد قيمة الدولار الجمركي طرح أسئلة حول أسباب اختياره دون غيره من الأرقام التي تم طرحها، وإلى أيّ معايير إستند، ووفق أيّ ضوابط، وكيف يمكن لحاكم مصرف لبنان لوحده أن يتخذ هكذا قرار متجاوزاً قانون النقد والتسليف، الذي يفترض وجود موافقة جماعية مشتركة عليه من قبل وزارة المال والحكومة ومجلس النواب، إلى جانب الحاكم، قبل اتخاذ أيّ قرار بهذا المستوى، إلا إذا حصل تواطؤ ضمني بين الجهات الأربعة لإمراره، وهل الإختيار كان مدروساً ومبنياً على أسس منطقية وعلمية متينة، أم أنّه كان عشوائياً ومزاجياً، وخاضعاً لمصالح البعض الخاصة؟
لم يتطوع أحد من المسؤولين المعنيين للإجابة على أيّ سؤال من الأسئلة السّابقة المطروحة وغيرها، بل إنّ القرار أخذ طريقه نحو التطبيق بسلاسة وكأنّ شيئاً لم يكن، برغم تداعيات القرار على اللبنانيين، ولا كيفية مساعدتهم على مواجهة هذه التداعيات.
أبرز هذه التداعيات أنّ السلع المستوردة قد ارتفعت أسعارها 10 أضعاف دفعة واحدة، وهو أمر لم يتخذه أي بلد في العالم إلا إذا وصل إلى درجة من الإفلاس والفوضى غير المسبوقة من قبل. وإذا جرى الأخذ بعين الإعتبار أنّ لبنان يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجاته في مختلف المجالات، الأساسية والكماليات، يمكن فهم حجم الإرتفاع الهائل في أسعار هذه السلع، التي قام كبار التجّار والمستوردين والشركات باستيراد كميات كبيرة منها، وتخزينها، ومن ثم عرضها أمام المواطنين للبيع بعد اعتماد السعر الجديد للدولار الجمركي، محققين بذلك أرباحاً هائلة، على حساب المواطنين الذين تراجعت مداخيلهم، خصوصاً الموظفين الذين قامت الحكومة، بعد ضغوطات مورست عليها، برفع رواتبهم ثلاثة أضعاف، وهي زيادة أكلتها مسبقاً خسارة الليرة اللبنانية الكثير من قيمتها مقابل الدولار، وصولاً إلى ارتفاع سعر الدولار الجمركي مؤخراً.
وإذا أضيف إلى ذلك معرفة أنّ رفع الدولار الجمركي سيؤدي تلقائياً إلى رفع الضرائب والرسوم، التي سيقع أغلبها على عاتق الفقراء وما تبقى من متوسطي الدخل، لحساب حيتان المال من مصارف وشركات ومصالح مملوكة من قبل طبقة سياسية فاسدة لم توفّر وسيلة للإطباق على عنق البلاد والعباد من أجل تأمين مصالحها الضيقة.