الجمعة, نوفمبر 22
Banner

أزمة الليرة تضمّ الضمان إلى نادي مؤسّسات “خارج الخدمة حالياً”!

سلوى بعلبكي – النهار

لم يخطر في بال مؤسّسي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أهم وأقوى وأكبر مؤسّسة ضامنة في لبنان، أن تتحوّل يوماً الى هيكل لا عضلات مالية له تعينه على منازلة المرض والاستشفاء لمضمونيه، وأن يتحوّل أسير ضياع موجوداته واحتياطاته ما بين المصارف التي أودع بها مال العمّال، والدولة التي أقرضها عرق جبينه.

دخل الصندوق في أزمة انهيار الليرة والاقتصاد من بابها العريض فهو من أكبر حاملي سندات الخزينة بالليرة اللبنانية التي خسرت أكثر من 97% من قيمتها، وخسر قيمة ودائعه في المصارف الخاصة ومصرف لبنان، أما الخسارة الأكبر التي تعرّض لها ولا يزال فهي تدنّي قيمة الاشتراكات التي تسدّدها الشركات والمؤسسات، والتي لم تعد ذات قيمة أمام ارتفاع كلفة الطبابة وخدمات الاستشفاء في المستشفيات الخاصة، فضلاً عن تضاعف أسعار الأدوية عشرات المرات، أما الطامة الكبرى فهي في ضياع قيمة تعويضات نهاية الخدمة التي هبطت من معدل وسطي للعامل أو الموظف العادي من ما يقارب الـ60 ألف دولار بعد 40 سنة خدمة في الوظيفة الى ما دون ألفي دولار، هذا إذا سمح المصرف الخاص بسحب التعويض بكامله نقداً على سعر الصرف الحالي.

في ظل انهيار المؤسسات الواحدة تلو الأخرى بدءاً من المصارف، وصولاً الى المستشفيات التي كانت تفاخر بتقدّمها على جميع مستشفيات الشرق الأوسط والمنطقة مروراً بانهيار الليرة والسياحة وتدمير المرفأ وتراجع مستوى الجامعات… في ظل كل ذلك ليس مستغرباً أن يدخل الضمان نادي المؤسسات الـ”خارج الخدمة حالياً” أو تلطيفاً فلنقل العاجز عن القيام بدوره ووظيفته.

لا ينكر المدير العام للضمن الاجتماعي الدكتور محمد كركي الواقع الذي وصل إليه الصندوق بفعل انهيار الليرة، ولكنه على الرغم من ذلك يؤكد لـ”النهار” أن النتائج الأولية للدراسة المفصلة حول الضمان التي تقوم بها منظمة العمل الدولية من سنة 2022 حتى 2026، تؤكد أن أوضاعنا المالية جيدة جداً. ففي فرع نهاية الخدمة يقارب مجموع الأموال المجمعة 20 ألف مليار ليرة، وهناك فائض بالتعويضات العائلية حتى آخر 2022 بنحو 500 مليار ليرة، أما في فرع المرض والأمومة، من دون احتساب سلفات المستشفيات، فثمة فائض بنحو 650 مليار ليرة مع نهاية عام 2022. وإذا احتسبنا رصيد المستشفيات، فإن العجز يكون قد انخفض الى نحو 1300 مليار ليرة. ولكن على الرغم من هذا الوفر في الضمان، يلفت كركي الى أن “المشكلة الحقيقية هي في القدرة الشرائية لأموال الضمان. فكل إيراداتنا لا تزال على سعر صرف 1500 ليرة فيما 70% من تقديمات الضمان أصبحت مدولرة. وبناءً على ذلك اقترحت الإدارة زيادة التعويضات التي يقدّمها الضمان 3 مرات، كما اقترحت نظام اعتماد الراتب التقاعدي مدى الحياة لمن يرغب من المضمونين ونحن في انتظار أن يصدر القانون من مجلس النواب. إضافة الى ذلك، فإنه فور صدور الحد الأدنى الجديد للرواتب في الجريدة الرسمية الذي اتفق عليه في لجنة المؤشر والبالغ 4.5 ملايين ليرة، وإذا رفعنا سقف الاشتراكات الى 10 ملايين ليرة، فسيُضخ في فرع المرض والأمومة نحو 2200 مليار ليرة. هذه المبالغ برأيه ستساعد الضمان للقيام بنقلة جديدة بتقديمات فرع المرض والامومة”.

بيد أن الأزمة الكبيرة التي تقضّ مضاجع المضمونين، هي في حجم التقديمات بالليرة اللبنانية، فيما سعر صرف الدولار أصبح مرتفعاً جداً. ويؤكد كركي أن موازنة عام 2022 للضمان لحظت رفد 3369 مليار ليرة في فرع المرض والامومة، وإن أضيف مبلغ 2200 مليار ليرة المتوقعة من زيادة الاشتركات أي نحو 5500 مليار ليرة (علماً بأن تقديراتنا تشير الى حاجة الضمان الى نحو 24 ألف مليار ليرة (التقديرات على أساس صرف 35 ألف ليرة للدولار الواحد)، فإن هذه الإيرادات مع الزيادات التي لحظناها لن تكون كافية إلا لدفع ما بين 12 و20% من النسبة التي كنا ندفعها سابقاً للمضمونين.

ومع اجتياح الدولرة كافة القطاعات في لبنان وخصوصاً المستشفيات وشركات التأمين الخاصة التي لم تعد تتقاضى من زبائنها إلا الفريش دولار، ثمة سؤال عن إمكان أن يحذو صندوق الضمان حذو البقية ويفرض أقله على أصحاب العمل أن يسدّدوا الاشتراكات بالدولار. يتمنّى كركي ذلك، لعله بذلك يستطيع الصندوق تغطية نفقات مضمونيه الصحية، ولكن هذا الامر صعب بالنسبة للضمان، علماً بأن وزير المال كان قد أوعز للضمان بفرض تسديد الاشتراكات وفق العملة التي يدفعها أصحاب العمل، ولكن بعد صدور الموازنة العامة للدولة لم يعد في مقدورنا ذلك إلا وفق السعر الحقيقي للعملة، مع الإشارة الى أن المبالغ المصرح عنها ستأخذ في الاعتبار سعر الصرف الرسمي 15 ألف ليرة”. ويشير الى أن “ثمة اقتراحات تقضي بضرورة أن تسدد المؤسسات التي تعتمد الدولار بمدفوعاتها، للضمان بالدولار، ولكن هذا بعيد عن القانون اللبناني، ونكون بذلك قد اتجهنا نحو الدولرة الشاملة للبلاد”.

وفي انتظار المعالجة الشاملة، يؤكد كركي أن ثمة خطوات للحلول، منها ما يتعلق بتعويضات نهاية الخدمة والانتقال الى نظام التقاعد، وضرب التعويضات العائلية 3 مرات، إضافة الى حل تدريجي للمرض والأمومة. توازياً، ثمة خطة لشطب نحو 500 دواء من لوائح الضمان والتركيز على زيادة المساهمة في الأدوية الأساسية مثل أدوية السكري والضغط والكوليسترول وتخثر الدم، إضافة الى زيادة التعرفات الاستشفائية 5 مرات عن التعرفات القديمة.

وبالحديث عن ديون الدولة المستحقة للضمان، ينوّه كركي بالجهد الذي بذله وزير المال يوسف الخليل عبر تسديده 1225 مليار ليرة في عام واحد، أي تقريباً المبلغ المرصود في الموازنة (1325 مليار ليرة). وهذه المرة الأولى في تاريخ الضمان يتم الالتزام بما هو مرصود للضمان بالموازنة، وفي السابق كان يتم تسديد 10% فقط ويتراكم الدين الذي وصل الى أكثر من 5 آلاف مليار ليرة حتى اليوم.

أما في موضوع المرض والامومة، فثمة توجه لدى الصندوق بأن يسهم الضمان بنحو 70% في كل العمليات التي لا تحتاج الى مستلزمات طبية وأدوية مرتفعة الثمن كما السابق. يبقى ما يتعلق بالمستلزمات والادوية المرتفعة الثمن التي يفرض على المضمون دفعها بالدولار كاش، حيث ستحاول إدارة الضمان مع وزارة الصحة والاجهزة الحكومية الضامنة إيجاد حل للموضوع.

الى ذلك، ثمة مشكلة يعانيها المضمون، تتعلق بتحصيله بدل أدويته من الصندوق، إذ ارتفعت أسعار معظم الأدوية، وتحديداً تلك التي خرجت من لوائح الدعم وحتى بعض الأدوية المدعومة، فيما بقيت أسعارها لدى الجهات الضامنة على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار. هذا الأمر حدا بالمضمونين الى عدم تحصيل أموالهم من الضمان خصوصاً مع ارتفاع أسعار المحروقات والكلفة التي يمكن أن يتكبدوها مقارنة مع حجم الفاتورة التي سيحصّلونها من الضمان. وهذا الموضوع وفق ما يقول كركي يشغل بال إدارة الضمان التي تحاول تقليص الفارق الشاسع بين أسعار الأدوية في الصيدليات وأسعارها الدفترية في لوائح وزارة الصحة، من جهة، وبين لائحة مؤشر الأدوية في الصندوق، كما الاتفاق مع الـ”ليبان بوست” لتسيير معاملات المضمونين بغية التخفيف من كلفة انتقالهم الى مقر الضمان.

بالنسبة للفروقات الكبيرة التي تحمّلها المستشفيات للمضمونين، يشير كركي الى مراقبي الضمان وفور ورود شكاوى إليهم من المضمونين يعمدون الى اتخاذ إجراءات بالمستشفيات التي تتقاضى فروقات كبيرة من المضمونين وفي بعض الاحيان يحصّلونها من المستشفى ويعيدون المبالغ الى صاحب الشكوى، ولكنه في المقابل يحمّل بعض المضمونين مسؤولية لجوئهم الى مستشفيات من الدرجة الاولى لإجراء عمليات بسيطة يمكن إجراؤها في مستشفيات عادية، ويقول”يجب علينا، إدارة ومضمونين ومستشفيات، التكاتف لاجتياز هذه المرحلة الصعبة بأقل ضرر ممكن على الجميع”.

Leave A Reply