بشير مصطفى – اندبندنت عربية
بعد #الزلزال المدمر في 6 فبراير (شباط) الجاري، عادت عقارب الذاكرة إلى عام 1956، عندما ضرب #زلزال مناطق واسعة من #لبنان، وتسبب بدمار كبير وخسائر بالأرواح. وقفزت التساؤلات حول قدرة البلاد على مواجهة #الكوارث.
الزلزال علمياً
طوال أيام، ساد جو من الخوف، وسرت الإشاعات عن زلازل منتظرة. تحرت “اندبندنت عربية” الآراء العلمية، وبحسب دكتور سمير زعاطيطي (خبير هيدروجيولوجي) “تتنفس الأرض من خلال الزلازل، وفي حال بقيت الطاقة النووية في الداخل، ينفجر الكوكب بكامله”، كما يضيف “هي ظاهرة طبيعية لا بد من التكيّف معها كما حدث في اليابان التي تضربها الزلازل بصورة دائمة ولكن لا تتضرر بسبب تطوير منشآتها”، نافياً صحة ما وصفه بـ “الدجل العلمي” لناحية تأثير الكواكب و”نظرية المؤامرة”، متحدثاً عن دور إيجابي للزلازل فهي “تسهم في شق الصخور والسماح للمياه بالعبور، وتكوين المياه الجوفية”.
طبقات عالية ومن دون صيانة منذ سنوات
الزلزال الأناضولي
من جهته، يشير د.عطا الياس (خبير جيولوجي) “عندما تتجمع الطاقة في باطن الأرض، تدفع الصفائح، وعندما تجتاز قدرة الصخر على المقاومة، تكسرها وتحركها، وعندها يقع الزلزال، الذي يقاس بمقياس ريختر، أي مقياس كمية الطاقة التي تتجلى على سطح الأرض بحركة محصورة في منطقة الزلزال، وهزات تنتشر وتضعف كلما بعدنا مكانياً عن المركز”، موضحاً “الهزات الارتدادية ناجمة عن تفريغ الطاقة المخزنة في جيوب الطاقة الأرضية”. وبحسب الياس “الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا ناتج من تحرك فالق شرق الأناضول الواقع بين صفيحتين كبيرتين، الصفيحة الأناضولية، والصفيحة العربية، وهو أحد الفوالق الكبيرة في تركيا بالإضافة الى فالق ثان يمر في إسطنبول، ويتراوح عمق الفالق بين 30 و700 كيلومتر في جوف الأرض”. كما يلفت عطا الياس إلى أن “زلزال كهرمان مرعش وقع على عمق 10 كيلومترات وهو عمق قليل نسبياً، وتسبب قربه في وصول الطاقة بسرعة إلى سطح الأرض، وهذا يفسر الارتجاج القوي والدمار الكبير في المناطق المأهولة على مر الحضارات في أنطاكية، لواء إسكندرونة، ديار بكر، وحلب”.
لبنان والزلزال
يدعو الياس إلى “أخذ العبرة مما جرى في تركيا وسوريا”، قائلاً “بالتأكيد لبنان عرضة للزلازل الكبيرة، وكذلك المناطق العربية في فلسطين، الأردن، اليمن، وعُمان والعراق، وكذلك إيران بسبب وجود الفوالق”، من هنا “يفترض الالتزام بمعايير معمارية مقاومة للزلازل، وتدريب المجتمع على مبادئ السلامة العامة”. ويحذر عطا الياس من وجود مناطق مأهولة في لبنان مبنية على “ردميات” على غرار ردم البحر والأنهر، وليست ذات طبيعة صخرية.
وفي ما يتعلق بالسؤال “هل لبنان مهيأ لمقاومة الزلازل؟”، يأسف الياس لعدم وجود مرجعية رسمية في لبنان، لتجهيز البلاد لمواجهة الزلازل والكوارث الكبرى لأنها “حتمية مستقبلية”، جازماً “لو طاول الزلزال الفالق اللبناني، كانت النتائج كارثية”.
مبنى تراثي في منطقة الميناء شمال لبنان
عبء الأبنية المتصدعة
تزداد المخاطر في لبنان بسبب مشكلة الأبنية المتصدعة، والتي تنتشر في البلاد من شمالها إلى جنوبها. ويعاني سكان المباني التراثية في بيروت وطرابلس بشكل كبير. وتحذر إيمان الرافعي (منسقة هيئة إدارة الكوارث في شمال لبنان) من الخطر الداهم على قاطني الأبنية المتصدعة، ووجوب القيام بمسح سريع لتلك الأبنية في مختلف المناطق، وإخلاء تلك غير الصالحة للسكن، تمهيداً لتدعيمها وترميمها قبل عودة السكان إليها، وتقترح تأمين مآوى بديلة ريثما تتم عملية التدعيم والترميم بالتعاون بين الهيئة العليا للإغاثة، وزارة الداخلية، والبلديات، كاشفةً عن إخلاء أبنية في بحنين، القلمون، ورشعين، وإنذار سكان مبنيين إثنين في مدينة الميناء. كما دعت المواطنين للتواصل مع البلديات ونقابة المهندسين من أجل قيام الفرق الهندسية بالكشف السريع.
من جهة أخرى، يحذر المهندس علي حناوي (اتحاد المهندسين العرب) من سوء البنية التحتية في لبنان، وعدم القدرة لمواجهة أي زلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، وبحسب حناوي “الهزات المتكررة تُضعف المباني مع الوقت، ولكن يبقى المهم معرفة: هل المبنى مصمم لمقاومة الزلازل أم لا؟”، ويضيف من حيث المبدأ تقاوم المباني الحديثة الزلازل، ولكن لا يجب التغاضي عن المباني الحديثة التي لا تتمتع بهيكل إنشائي قادر على مقاومة الزلزال، على غرار تلك المشيدة على عجل وبصورة مخالفة للقانون.
كما يتطرق الى الأبنية المتصدعة، فهي “غير قادرة على مقاومة أحمالها الطبيعية، فكيف لها الصمود في مواجهة تدخل خارجي على شكل زلزال”، واضعاً “فرضية مقاومتها للزلزال في دائرة المعجزة”. من هنا، يطالب بالمسح الهندسي السريع لمعرفة حجم الضرر ونوعيته في كل مبنى عقب الهزة الأرضية التي ضربت لبنان 6 فبراير، وعلى ضوئها يبدأ التقييم لكل مبنى بصورة مستقلة، وإمكان التدعيم. ويشدد على “ضرورة إنشاء جهاز حقيقي يستبق وقوع الكوارث وتأمين السلامة العامة، وهو ما يمكن أن يخفف فاتورة الخسائر والتعويضات بما لا يقل عن 50 في لمئة”.
من جهته، يؤكد سيرج كوراني (تجمع مالكي البيوت التراثية في بيروت) على حراجة وضع المباني المتصدعة وتحديداً تلك التراثية التي يصفها بـ “المهرهرة” بسبب عدم قدرة المالكين على صيانتها، وتضرر جزء كبير منها في السابق بسبب الحرب الأهلية، ومن ثم تفجير مرفأ بيروت، لذلك يطالب بخطوات عاجلة من الدولة للحفاظ على القصور الجميلة وأرواح الناس، معتبراً أن “كل شيء يتوقف على تأمين التمويل السريع للتدعيم ومن ثم الترميم لاحقاً”.
لبنان وإدارة الكوارث
في عام 2010، تم إنشاء وحدة إدارة مخاطر الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء بالشراكة ما بين الحكومة اللبنانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. تتولى الإدارة وضع استراتيجيات وطنية للحد من مخاطر الكوارث، وإعداد المعايير الوطنية لقياس التقدم المحرز في مجالات الحد من الكوارث، وتفعيل التواصل بين الأجهزة المختلفة خلال العمليات.
في موازاة ذلك، برز نشاط تطوعي قادته جهات رسمية ومدنية في لبنان لتقديم المساعدة للمتضررين في سوريا وتركيا، حيث توجهت فرق من الجيش اللبناني، الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني. وقد بثت تلك الفرق فيديوهات حول تمكنها من مساعدة عالقين في الخروج من تحت الأنقاض.
يشدد منصور سرور (رئيس شعبة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني) على ضرورة العمل الجماعي بين الدول لمواجهة الكوارث الطبيعية والزلازل، من هذا المنطلق، توجهت فرق متطوعي الدفاع المدني اللبناني للمشاركة في أعمال رفع الأنقاض في سوريا وتركيا، حيث توجه إلى كل دولة متضررة فريق مؤلف من 10 عناصر مجهزة بكامل العتاد.
يشير سرور إلى تمتع الكادر البشري اللبناني بالكفاءة والخبرة العالية، وتدريبه لمواجهة الزلازل على رغم الإمكانات المادية المتواضعة في لبنان. ورداً على مدى قدرة لبنان على مواجهة النكبات الكبرى، يجيب سرور “أمام زلازل كالتي حدثت في تركيا، تعجز الإمكانيات في المواجهة، ففي لبنان مثلاً لدينا ثماني فرق، يمكنهم التعامل مع ثماني بنايات، لأن الإنقاذ عبارة عن عملية معقدة من تدعيم، تحريك دقيق، وحفر أنفاق وسراديب، وإدخال الكاميرات الحرارية والحساسات، وعدم اللجوء لعمليات الجرف، وهي تقنيات تحتاج إلى تدريب طويل، ويحتاج مقومات كبيرة لتوسيع نطاق عملها في لبنان”. كما يضيف سرور “تأمين المزيد من التجهيزات والعتاد سيؤدي إلى تدريب المزيد من الفرق القادرة على مواجهة الكوارث”، مشيراً إلى نقص في قطع الغيار، المحروقات، والمركبات المعطلة لدى مختلف الأجهزة اللبنانية.
يكشف سرور عن وجود خرائط لتوزيع المراكز الحيوية كالمدارس والمستشفيات لإجلاء المتضررين، ولكنه يشكو في المقابل من “العشوائية في العمل” وعدم التنسيق بين الأجهزة في بعض الأحيان داخل لبنان.