خضر حسان – المدن
تجاوَبَ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سريعاً مع انهيار قيمة الليرة، من خلال عدم قبوله بتصريح المؤسسات عن الحد الأدنى للرسمي للأجور، نظراً لرفعها أجور عمّالها وموظفيها مع ارتفاع سعر الدولار، وتالياً وجوب دفعها رسوماً أعلى، مما زاد إيرادات الصندوق وحجم تقديماته للمضمونين. ويواكب الصندوق التغييرات التي تطرأ على الرواتب والأجور، وليس آخرها قرار لجنة المؤشّر باعتماد حدٍّ أدنى للأجور يساوي 4 مليون و500 ألف ليرة. لكن رَفدَ خزينة الصندوق بليرات إضافية، يقابله نَسفٌ لقيمتها عبر ارتفاع سعر صرف الدولار. على أنّ الثغرة الأكبر تبقى في تراجع قيمة تغطية الدواء من نحو 80 إلى 5 بالمئة. والخوف المتعاظِم هو من احتمال رفع الدعم عن أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية.
زيادة الإيرادات وتراجع قيمتها
يسجّل الصندوق زيادة في إيراداته ويتابع تفتيشه لضبط الشركات أو الموظّفين الوهميين، ويُعيد إلى خزانته كل التقديمات المدفوعة للمستفيدين الوهميين “والزيادة في الإيرادات تُوَزَّع على المضمونين. فقيمة الاستشفاء التي يغطيها الصندوق زادت 3 مرات ونصف عمّا كانت عليه قبل الأزمة، وما زالَ غسيل الكلى مغطّى بنسبة 100 بالمئة”، وفق ما تؤكّده مصادر إدارية في الصندوق خلال حديث لـ”المدن”.
النجاح المحقَّق بات بلا تأثير فعلي إلاّ بسَنَدٍ من دعم الدولة لأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية. والقلق واضح داخل إدارة الصندوق من المرحلة المقبلة في حال تقرَّرَ رفع الدعم لأن “قيمة الـ5 بالمئة التي تساويها تقديمات الضمان، لا تغطي الكلفة الفعلية للأدوية، فكيف إذا كانت لأمراض سرطانية ومستعصية لا يمكن الاستغناء عنها أو التهاون في تأمينها”.
ولمحاولة التخفيف من وطأة القرارات المستقبلية التي قد تطرأ “يجب البحث عن سياسة جديدة تطال زيادة واردات الصندوق ووضع لائحة أدوية مُحَدَّثة تتضمَّن تغطية أصناف إضافية”. وتشير المصادر إلى أن “الصندوق لديه الكثير ليقدِّمه لكنه يعمل وفق التوازن المالي القائم بين إيراداته ونفقاته، وأي تقديمات إضافية يجب ربطها بزيادة في الواردات”.
الواردات تزداد حالياً. فحقَّقَ الصندوق في العام الماضي زيادة في إيراداته بمعدّل 155 بالمئة عن إيرادات العام 2021. وهي توازي 292 مليار ليرة. وتؤكّد المصادر أن “الإيرادات في العامين 2018 و2019 وصلت إلى نحو 1200 مليار ليرة أي 800 مليون دولار بسعر صرف 1500 ليرة”.
عدم لوم الدولة
يسير الضمان بمعزلٍ عن واقع الدولة التي لا تفي بالتزاماتها للضمان منذ ما قبل الانهيار. ولأن “الخروج من الحفرة هو الهدف الأساس حالياً”، ترى المصادر أن “لَوم الدولة ومطالبتها بإيجاد حلّ للأزمة، لا جدوى منه. كما لا يمكن الاستمرار بمطالبة الدولة بسداد ديونها للضمان رغم أحقيّة المطلب، لأنها ليست قادرة على فعل شيء من خارج خطة متكاملة للنهوض”.
في المقلب الآخر “لا ينتظر الضمان اصطلاح أحوال الدولة. بل يقوم بمهامه وكأنَّ لا انهيار في سعر الليرة. ويقدِّم ما يقدّمه للمضمونين. ففي العام الماضي راقَبَ الضمان أحوال نحو 40 ألف أجير، وأعَدَّ نحو 4000 تقريراً حول الأجراء والمؤسسات، وأجبَرَ نحو 90 مؤسسة مكتومة بالتصريح عن أجرائها الذين توزّعوا بين نحو 1500 أجيراً لبنانياً ونحو 340 أجيراً أجنبياً”.
عدم لوم الدولة لا يعني إعفاءها من مسؤولياتها، بل التسليم بواقعها النقدي والسياسي وبعجزها عن تقديم المساعدة للضمان. لكن مع ذلك “من المفترض بها الحرص على دعم الأدوية السرطانية والمستعصية والانتباه إلى ضرورة وضع خطط لمزيد من الدعم بأي وسيلة كانت. لأن ما بقي للضمان لتقديمه لا يفي بالغرض، فكيف اذا استمر سعر صرف الدولار بالارتفاع. أما التعديل المستمر للحد الأدنى للأجور، أو عدم قبول الضمان بتصريح عن الأجور بمعدلات يقرّرها بحسب سعر صرف الدولار وواقع ما تدفعه المؤسسات الخاصة، فلا يعدو كونه ترقيعاً غير مستدام”.
لا أحد يمكنه طرح حل متكامل وفوري. فالمشكلة ليست بآليات عمل الضمان رغم وجود ثغرات تؤخِّر إنجاز بعض أعماله، ومنها اتّساع فجوة الشغور في عديد موظفيه، فالشغور تجاوز الـ65 في المئة من الموظفين في الملاك. بل تقع المشكلة الأساسية في عدم تناسب قيمة التقديمات مع أسعار الأدوية والكشوفات الطبية والتغطية الاستشفائية، وهذا أمر لا يُحَل إلاّ بهدوء سعر صرف الدولار ووقف استنزاف الليرة. فعلى الأقل، يمكن للضمان التفاهم مع الأطباء والمستشفيات حول التغطية الصحية وتحويل المستحقات من دون فقدان قيمتها.