السبت, نوفمبر 23
Banner

نسبة الفقر تتراجع مع التصحيح بالدولرة

رنى سعرتي – نداء الوطن

* محمد شمس الدين: 30% إضمحلت مداخيلهم بالكامل ومؤشر الفقر الغذائي 55%

* روي بدارو: يمكن الحديث عن 5 طبقات… والاكثر فقراً موظفو القطاع العام

* عباس طفيلي: الميسورون يشكلون 25 – 30% ومستمرّون باستهلاك الكماليات

في بلد يعاني من انهيار مالي واقتصادي منذ اكثر من 3 اعوام، تقدّر المؤسسات الدولية مثل الاسكوا والبنك الدولي نسبة الفقر فيه بـين 70 و 80 في المئة مع ارتفاع نسبة تضخم الاسعار السنوية بأرقام من 3 خانات. لكنّ ظهور مؤشر اقتصادي غريب لا يتماشى مع حالة الانهيار التي تمرّ بها البلاد، وهو حجم الاستيراد السنوي في 2022 الذي بلغ 19 مليار دولار ليفوق حجم الناتج المحلي الاجمالي، يدعو الى التساؤل حول مدى دقّة نسب الفقر المقدّرة، مقابل عدم وجود أيّ مظاهر لغضب شعبي عارم منتفض ضد ارتفاع الاسعار وبؤس الحالة الاجتماعية وجوع وفقر شرائح واسعة من المجتمع اللبناني، خصوصاً مع غياب برامج للحماية الاجتماعية باستثناء البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، وهو المساعدة الفنية والمالية التي حصل عليها لبنان من البنك الدولي، والذي لا يستفيد منه سوى 3.5% من السكان.

مؤشرات التضخم السنوي

كيف يستمرّ الشعب اللبناني بالصمود بوجه الارتفاع الجنوني في اسعار السلع والخدمات الاساسية كالمواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها بنسبة 142.94% في 2022، وأسعار النقل بنسبة 127.22% وزيادة في أسعار المسكن، الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 148.42%، بالاضافة الى الإرتفاع غير المسبوق في كلفة الصحّة بنسبة 167.46% وفي أسعار التعليم بنسبة 191.35% وفي أسعار الإتّصالات بنسبة 311.86% بعدما لجأت المؤسّسات التعليميّة والإستشفائيّة وشركات الإتّصالات إلى التسعير بالدولار الفريش؟

كيف يمكن تبرير الارتفاع في حجم الاستيراد رغم تراجع حجم استهلاك المجتمع اللبناني لكافة السلع؟ وهل يمكن الربط بين حجم الاستيراد ومعدلات الفقر؟

أرقام الاستيراد إستثنائية

يؤيّد معهد التمويل الدولي في هذا الاطار تقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي التي تشير الى ان أكثر من 70 في المئة من السكان في لبنان يعيشون تحت خط الفقر. ويؤكد ان معدل الفقر ارتفع بشكل مطرد منذ العام 2018 بما يتوافق مع الانكماش المستمر في الاقتصاد اللبناني، وسيستمر في الارتفاع إذا استمر سعر الصرف في السوق السوداء في الانخفاض (إلى أكثر من 100000 ليرة مقابل الدولار) في الأشهر القليلة المقبلة في ظل غياب الإصلاحات الاقتصادية، وعدم وجود دعم مالي من المجتمع الدولي، والشلل السياسي، والأهم من ذلك استمرار مصرف لبنان بشراء الدولارات من السوق من خلال طباعة المزيد من الليرات اللبنانية.

ويعزو معهد التمويل الدولي الزيادة في حجم الاستيراد بشكل رئيسي، إلى الانتعاش القوي في القطاع السياحي في العام 2022، بالاضافة الى ان الزيادة الكبيرة في الاستيراد ناتجة عن ارتفاع حجم التهريب إلى سوريا، وبالتالي فان جزءاً كبيراً من الواردات لم يستهلكه اللبنانيون.

ويرى ان معظم اللبنانيين باتوا يستهلكون بشكل أساسي المواد الغذائية الأساسية فقط ويعتمدون على الدعم المالي من الأقارب العاملين في الخارج، باستثناء الطبقة الميسورة (أقل من 10 في المئة من السكان) التي بقي حجم استهلاكها كالمعتاد.

600 ألف اسرة تتلقى دعماً

من جهته، رأى الاقتصادي المخضرم روي بدارو ان المجتمع اللبناني يتكوّن من 5 طبقات اجتماعية: الاولى هي الفئة التي تبيع وتشتري بالدولار والتي تشكل حوالى 15 في المئة من الشعب اللبناني، الفئة الثانية التي تتلقى دعماً مالياً من الخارج بين 500 و2500 دولار شهرياً والتي تضم ما بين 500 الى 600 ألف أسرة، ثالثاً، موظفو القطاع الخاص الذين يتقاضون جزءاً من راتبهم بالدولار. رابعاً، موظفو القطاع العام ويشملون حوالى 350 ألف أسرة والذين يتقاضون راتباً بالليرة (وهنا تبدأ الشريحة التي يمكن اعتبارها ضمن الفقراء)، علماً ان جزءاً منهم يعتبر أيضاً موظفاً في القطاع الخاص او يتقاضى دعماً مالياً من الخارج، بالاضافة، خامساً، الى الفئة التي لا تملك مدخولاً شهرياً ولا مدخرات والتي تُعتبر في خانة الفقر المدقع.

تعديل في 3 شرائح مجتمعية

وأوضح بدارو لـ»نداء الوطن» ان ما يحصل مع دولرة معظم السلع والخدمات، هو تصحيح او تعديل تدريجي في الطبقات الثلاث الاولى، لافتاً الى ان الطبقة الاولى والثانية تشكلان حوالى 20 في المئة من المجتمع، لكن لا يمكن اعتبار نسبة الـ80 في المئة المتبقية ضمن فئة الفقراء لان هذه النسب احتسبت في السابق ولم تعد دقيقة اليوم مع التصحيح اليومي القائم ومع دولرة الخدمات وجزء من الرواتب، بالاضافة الى التصحيح الحاصل على مستوى المداخيل وعلى مستوى الاصول خصوصاً العقارية منها والتي اصبحت توازي ما بين 60 و 70 في المئة من قيمتها الفعلية في 2018 بعدما كانت منذ عامين تبلغ ما بين 25 و30 في المئة من قيمتها.

رقم الناتج 40 ملياراً؟

واعتبر ان حجم الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي المقدّر بحوالى 20 مليار دولار غير منطقي نسبة الى حجم الاستيراد البالغ 19 مليار دولار (منها 3 الى 4 مليارات تذهب خارج لبنان)، وبالتالي توقع ان يكون حجم الناتج الفعلي في 2023 بين 35 الى 40 مليار دولار، رغم ان توزعّه غير عادل بين طبقات المجتمع. لافتاً الى ان التصحيح في المستوى المعيشي للطبقات الخمس لم ينعكس على ارقام المالية العامة، حيث ان وضع الدولة بتدهور مستمرّ بينما نجح أفراد المجتمع في تحسين وضعهم المعيشي.

19 مؤشراً على مستوى 5 أبعاد

بدوره، رأى الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين ان المنظات الدولية تحدد مؤشر الفقر المتعدد الابعاد عند 85 في المئة، وتقدر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) أن الفقر متعدد الأبعاد ارتفع من 25% عام 2019 إلى 82% عام 2021، «وهذا المؤشر مشتق من 19 مؤشراً على مستوى خمسة أبعاد هي: التعليم، الصحة، الأمن المالي، البنية التحتية الأساسية ومستويات المعيشة. وبالتالي يُعتبر كلّ فرد او أسرة لا تملك مدخرات مالية ولا امكانية لها للحصول على الاستشفاء والطبابة والتعليم، في خانة الفقر المتعدد الابعاد. أما لدى الاخذ بالاعتبار الاسر او الافراد التي لا يكفي دخلها الشهري لتوفير الغذاء، يتبيّن ان مؤشر الفقر يبلغ حوالى 55 في المئة.

%30 يتلقون دعماً من الخارج

ولفت الى ان 30 في المئة من اللبنانيين يتلقون دعماً مالياً من الخارج و40 في المئة من اللبنانيين دخلهم الشهري يكفي لتغطية الحدّ الادنى من الاحتياجات وتميل الى فئة الفقراء، و30 في المئة من اللبنانيين من دون أي دخل شهري او مساعدة مالية والذين يعتبرون ضمن خانة الفقر، مشيراً الى ان الـ40 في المئة الصامدة بالحدّ الادنى تعدّ على حافة الفقر ويمكن ان تتهاوى عند أي إنفاق اضافي على إنفاقها المعتاد (الحاجة الى الدواء او الاستشفاء او غيرها…)

وشرح شمس الدين ان ارتفاع قيمة الاستيراد من 13.6 مليار دولار الى 19.53 مليار دولار لا يعكس ارتفاعاً في كمية الاستيراد الذي تراجع من 10 ملايين طن في 2018 الى 6.6 ملايين طن في 2022، وبالتالي فان ارقام الاستيراد تعكس تراجعاً بنسبة 30 في المئة في حجم الاستهلاك نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وادى الى زيادة الركود الاقتصادي.

14.5 ملياراً العجز التجاري

ومن ناحية تراجع حجم استيراد السلع الاساسية نتيجة تراجع الاستهلاك وتراجع القدرة الشرائية، لفت الخبير الاحصائي عباس طفيلي الى التفاوت في حجم استيراد السلع الاساسية مقابل بعض الكماليات او السلع الفاخرة، مشيراً على سبيل المثال الى انه في بلد بحاجة الى كلّ دولار يدخل اليه، يتم استيراد ما قيمته 1,5 مليار دولار من سيارات وقطع سيارات و1,1 مليار دولار من طاقة شمسية في 2022، مما يؤثر سلباً على عجز الميزان التجاري الذي بلغ 14.5 مليار دولار في 2022 مقابل 9.75 مليارات في 2021. وأشار الى تراجع في حجم استيراد بعض السلع الاساسية مثل القمح من 235 مليون دولار في 2021 الى 216 مليون دولار في 2022، والادوية من 900 الى 504 ملايين دولار والاجهزة الطبية من 130 الى 122 مليون دولار بالاضافة الى تراجع المحروقات بالكمية وليس بالقيمة التي ارتفعت من 3,7 مليارات الى 5,04 مليارات دولار.

%35 يحصلون على الدولار

واعتبر طفيلي ان هناك ما بين 15 و20 في المئة من اللبنانيين يحصلون على دخل شهري بالدولار وبالتالي لم تؤثر الازمة على مستواهم المعيشي، و 15 في المئة آخرين يحصلون على دعم مالي من الخارج ولم تأثر الازمة على مستواهم المعيشي بشكل كبير، معتبراً ان استيراد الكماليات بات مخصصاً لتلك الفئة من اللبنانيين الذين يشكلون 25 الى 30 في المئة من المجتمع. النسبة المتبقية، إما تستهلك المواد الاساسية فقط، او نسبة منها لا تستطيع حتى الحصول على المواد الغذائية الاساسية. واشار الى ان ما يعكس حدّة الازمة هو مؤشر الاحصاء المركزي الذي اظهر ان 49 في المئة من سكان لبنان يتقاضون ما يعادل اقلّ من 100 دولار شهرياً.

Leave A Reply