طارق ترشيشي – الجمهورية
يؤكد المتابعون للاستحقاق الرئاسي انّ خلاصة ما انتهى إليه مصير هذا الاستحقاق هو انّ ما يتصدره مرشحان جديان، وهما رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجيه وقائد الجيش العماد جوزف عون، ولن يكون هناك خيار ثالث بينهما، مهما تطورت المواقف وتلاحقت داخليا وإقليميا ودوليا. ويشددون على انّ التسوية التي سترجّح احد هذين المرشحين على الآخر آتية لا محالة، وان على بعض الافرقاء المسيحيين وغيرهم ان يقرأوا ما يجري جيداً حتى لا تأتي هذه التسوية على حسابهم، والمرجّح حتى الآن أنها تميل لمصلحة فرنجيه لكثير من الاعتبارات الداخلية والاقليمية.
ويقول المتابعون انفسهم ان من يراقب أداء فرنجيه في هذه المرحلة بالذات يتّضح له كم ان هذا الرجل على ثقة بما يقوم به على طريقة «واثق الخطوة يمشي ملكاً». ويرى هؤلاء انّ اعادة سرد مسار مقاربة فرنجيه لهذا الاستحقاق تظهر مدى حرفية هذا الرجل في العمل السياسي وامتلاكه الرؤية المناسبة للأداء السياسي على ضوء التركيبة السياسية الداخلية اللبنانية معطوفة على المستجدات الاقليمية والدولية، وكأننا به يضع امامه معادلات رياضية يسير على وقعها متجنّباً الردود الغرائزية والانفعالية عند اي محطة من المحطات المتبدّلة في هذا المسار صعوداً كان ام نزولاً. فإذا ما استعرضنا كل هذه المراحل ما قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون وصولاً الى هذه اللحظة، يتضح الآتي:
ـ أولاً، يقول المتابعون ان فرنجيه دأب منذ انتخاب عون رئيساً للجمهورية على محاولة فتح ثغرة ايجابية مع عهده الى حد انه صرّح في احد الايام ان «عون يستدعيني ساعة يشاء». إلا أن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل قد تعمّد إبقاء الخلاف على حاله لكي يستثمر عليه في الاستحقاق الرئاسي لاحقاً، بمعنى انه يقبل بأيّ كان ما عدا فرنجيه «الذي تقوم حالة خصام سياسي شديد بيننا وبينه». إلا ان فرنجية آثر كل تلك الفترة الالتزام بالخيار الاستراتيجي ولم يبدِ أي ردة فعل سلبية نتيجة اختيار حلفائه لعون، متوقفاً عند كلام الامين العام لـ»حزب لله» السيد حسن نصرالله غداة انتخاب عون عندما أثنى على مواقفه المتفهمة للخيار الاستراتيجي على رغم من انه قد فقد في حينه ما هو غالٍ الى درجة انه يشكل طموح اي شيء يتعاطى الشأن العام.
– ثانياً، يلاحظ المتابعون ان فرنجيه عمد منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية جديد الى التأكيد انه مطروح توافقياً لرئاسة الجمهورية وانه ليس مرشحاً إلا عندما يَستجمِع كماً من الاصوات يسمح به بالترشيح واخذ فرصة النجاح، لا ان يكون مادة استهلاكية في جلسات الانتخاب المتتالية، وهذا ما تبيّن نتيجة كل الجلسات الانتخابية الـ12 في عدم ظهور اسمه على اي ورقة سقطت في صندوقة الاقتراع.
– ثالثاً، يلفت المتابعون الى انّ فرنجيه انطلق في معركته الرئاسية في وضوح شديد وبعيداً من اي التباس على أنه مرشح توافقي حتى ولو تفاوتت الاندفاعة بين القوى المؤيدة له، بمعنى انه يدرك انه يحظى بتأييد كامل لدى «الثنائي الشيعي» كما انه يدرك تماماً في الوقت نفسه ان النَفَس والوجدان السنيين في لبنان يتقبّلانه، بالاضافة الى عدم ممانعة الدروز بوصوله لاعتبارات تاريخية. كذلك يدرك ايضاً ان لديه موقعه الخاص في الوجدان المسيحي العام مع علمه بتَوق المسيحيين الشديد الى خيار ثالث يبعدهم عن الخيارين اللذين لطالما تحكّما بمصيرهم على مدى ثلاثة عقود.
– رابعاً، يلفت المتابعون الى ان فرنجيه حافظ على علاقته بالمجتمع الدولي الذي لطالما دعمه في استحقاق العام 2016 معتبراً انّ هذا الترشيح مؤشر على مقبوليته دولياً طوال حياته السياسية نظراً لصفاته المتّسِمة بالوضوح حسبما نقل اليه كثيرون، ولذلك ادرك انّ لهذا السلوك رصيداً لا بد له ان يستعمله في الاستحقاق الرئاسي الحالي. وهكذا كان، إذ تبيّن ان الفرنسيين والاميركيين تحديداً لا يمانعون وصوله الى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية.
– خامساً، يقول المتابعون ان فرنجيه اعتبر منذ ترشيحه في العام 2016 ان موقف المملكة العربية السعودية في ذلك العام هو بمثابة «تسليفة» سياسية لا بد له من ان يتوقف عندها، وهو الرجل الذي يملك افضل علاقات الاخوة مع الرئيس السوري بشار الاسد وحلفه الوثيق مع السيد حسن نصرالله، ليتبيّن اليوم ان المملكة العربية السعودية التي دعته الى الاحتفال بالذكرى 33 لإقرار «اتفاق الطائف» وإجلاسه في الصفوف الامامية للحضور لا تزال تتعاطى بموقف ثابت، ألا وهو عدم الموافقة عليه مقابل عدم وضع فيتو عليه، ما يَشي بإمكانية القبول به في ضوء ما ستؤول اليه التطورات الاقليمية الجارية.
– سادساً، يؤكد المتابعون انّ فرنجيه ادرك ويدرك دوماً اهمية العلاقة مع بكركي، فكان أن بَنى علاقة ممتازة مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي منذ تولّيه السدة البطريركية. وتجلّت تلك العلاقة بالاحترام المتبادل، إذ ان موقف بكركي اليوم يسجّل عدم ممانعة لانتخابه، وهذا ما يعطيه وساماً مسيحياً من الطراز الرفيع خارج اطار المصالح ولعبة النفوذ بين الموارنة. كما انّ فرنجيه يدرك ان التقدم في حظوظ ايّ من القادة الموارنة يحمل القادة الآخرين على تعريته وإلباسه ثوب الذمّية السياسية حتى ولو تربّع على عرش كتلة نيابية كبيرة.
– سابعاً، يشير المتابعون الى ان فرنجيه يثمّن عالياً الموقف المتقدم لروسيا وسوريا وايران وكثر من الدول الصديقة التي ترى فيه رجلاً مؤهلاً لتولّي سدة رئاسة لبنان، لِما له من قدرة على الالتزام بالقضايا الوطنية والقومية المحقة وقدرته ايضا على رفع الصوت عالياً حيثما يقتضي الامر بكل جرأة ومن دون تزلّف.
– ثامناً، يشدد المتابعون على ان فرنجيه يتكئ وأداؤه في السلطة إبّان توليه عدداً من الوزارات المهمة وقدرته في مقاربة الملفات الاقتصادية والمعيشية الشائكة على كونه يمتلك الحس الشعبي منذ انطلاقته في العمل السياسي، اضف الى تفهّمه للخطورة الكبيرة التي تكمن في تنامي ارقام النازحين السوريين في لبنان وخطر ذلك على مستقبل لبنان وعَيش أبنائه، بحيث يستطيع وضع كافة قدراته الذاتية وعلاقاته المميزة بسوريا من اجل إعادتهم الى بلدهم من دون الاصطدام بالمجتمع الدولي.
ويرى المتابعون انّ الايام المقبلة ربما تشهد انفراجاً قوامه قدرة فرنجيه على إحداث تقاطع بين المقاومة والتمسّك باتفاق الطائف وفتح أفق كبير للعلاقة بين لبنان ودول الخليج العربي، كما وتفهّمه للحركة السياسية الاقليمية والدولية وانعكاسها على لبنان.