*خسر لبنان منذ بداية الازمة 3500 ممرّضة وممرّض ورئيس قسم
*ممرّضون بدوامات إضافية ومستشفيات إضطرت إلى إغلاق أقسام
*ممرضون في 50% من المستشفيات رواتبهم دون الحدّ الأدنى
*%20 فقط من المستشفيات الخاصّة تدفع قسماً من الرواتب بالدولار
تحت عنوان «المطالبة بحقوق القطاع التمريضي»، نظّمت نقابة الممرّضات والممرّضين في لبنان الأسبوع الماضي إحتفالاً في العيد العشرين لتأسيسها. وهدفت النقابة من هذا الإحتفال إلى «الإضاءة على قضيّة الممرّضات والممرضين، والتذكير بحقوقهم»، وفقاً لـلنقيبة الدكتورة ريما ساسين. فالجسم التمريضي في القطاعيْن العام والخاص صمّام أمان للصحة والسلامة الإجتماعيّة، تعصف به رياح الأزمات والتحديّات، ويُسستنزف يوماً بعد يوم!
إغلاق أقسام إستشفائيّة!
في هذا الإطار، كشفت الدكتورة ساسين في حديثٍ مع صحيفة «نداء الوطن» أنّه «منذ عام 2019 ولغاية اليوم خسر لبنان ما يُقارب 3500 مُمرّضة ومُمرض من ذوي أصحاب الكفاءات والخبرات». وبـ»سبب هذه الخسارة، إضطرّت مستشفيات كثيرة إلى إغلاق أقسام إستشفائية، وعمدت إلى جمع المرضى بأقسام واحدة. وبهدف سدّ العجز والنقص إضطرّ عدد كبير من الممرّضين إلى أخذ دوامات إضافيّة»، حسب ساسين.
معضلة الدوامات الإضافيّة
إلا أنّها تُشير إلى أنّ «الدوامات الإضافيّة للمُمرضين خلقت لديهم نوعاً من الضغط النفسي والجسدي، وكل هذا دون مُقابل مادّي يُساعدهم في تحسين ظروف حياتهم الصعبة والتي يمرّ بها أغلبيّة اللبنانيين».
رواتب دون الحدّ الأدنى
وهنا تطرّقت ساسين إلى مسألة «تدني الرواتب في القطاع التمريضي»، اذ تأسف لأنّ «ما يُقارب 50% من المستشفيات ما زالت رواتبهم دون الحدّ الأدنى، وهذا ما تعمل النقابة على رفعه وجعل قسم منها بالدولار الفريش، لأنّ جميع المستشفيات أصبحت تتقاضى من شركات التأمين بالدولار، وهذا ما يسمح لها بإعتماد هذه الخطوة».
وتلفت إلى أنّه وفي «إحصاء سريع تبيّن أنّ 20% تقريباً من المستشفيّات الخاصّة تدفع قسماً من الرواتب بالدولار، ومن هنا كانت دعوة عدد من أصحاب هذه المستشفيات إلى الندوة من أجل الحديث عن تجربتهم، وبأنّ هذه التجربة يجب أنْ تُعمّم على كافّة مستشفيات لبنان».
وتؤكّد أنّه «إذا إستمرّينا على هذه الحال سنخسر عدداً إضافياً من الممرضين والممرضات، ففي ظلّ هذه الظروف الحياتيّة الصعبة لا يمكننا إيقاف أو منع أيّ ممرّض من الهجرة، ففي النهاية هذا الممرَّض هو إنسان ولديه عائلة مسؤول عنها وعن مستقبلها».
لا ممرّض لا مستشفى
وتُشدّد على «ضرورة النظر في أوضاع المُمرضين، قبل أنْ نصل إلى وقتٍ نجد فيه مستشفيات خالية من الطاقم التمريضي، فـ»لا ممرض، لا مستشفى».
لذا، تؤكّد ساسين أنّه «يجب على كافة المستشفيات عامّة كانت أم خاصّة إعادة النظر برواتب الممرضات والممرضين لديها وضرورة أنْ يكون جزء منها بالدولار، وتأمين بدل نقل يُتيح لهم الوصول إلى مكان عملهم دون تكبيدهم أعباء إضافيّة، إضافةً إلى ضرورة تعزيز التقديمات الإجتماعيّة والماليّة، من أجل ضمان بقائهم وإستمرارهم في عملهم والحدّ من هجرتهم إلى الخارج».
صرخة تحذيريّة
إذًا، الندوة كانت بمثابة «صرخة تحذيريّة قبل أنْ يقع المحظور، والوصول الى إنهيار القطاع الصحي الذي لا يزال هو القطاع الوحيد الصامد في البلد»، حسب ما تُشير الدكتورة ساسين. وتُوضح بأنّ «النقابة ما زالت تقوم بمهمتها، وهي الدفاع عن مهنة التمريض، وهدفها هو الحصول على حقوق الممرّضين، وهي اليوم بدأت بالتفاوض مع الجهات المعنيّة من أجل الوصول إلى الهدف المنشود ونيْل كافة حقوقهم وإعتماد عقد عمل يوحد شروط العمل، كما أنها تعمل وبالتنسيق مع وزارة الصحة العامّة على إستراتيجيّة وطنيّة للنهوض بمهنة التمريض وتنظيمها أكثر ودعم القوى العاملة فيها، وتعزيز القيادة والحوكمة وتطوير برامج التعليم التمريضيّة».
وتُتابع، «كلّ هذه العناوين ستكون بمثابة خريطة طريق من أجل تضييق الفجوة بين العرض والطلب، ومن أجل ضمان إستمراريّة جودة العناية التمريضية التي يتلقاها المواطنون، ولضمان أنّ الممرّضين يعملون في بيئة عمل صحيحة وسليمة».
وفي حال عدم وصول المفاوضات إلى حلٍّ؟ تُجيب: «نحن اليوم نتفاوض مع الجهات المعنية، وإلى أين سنصل لا نعلم»، ولا تستبعد «اللجوء إلى الضغط». وتختم حديثها، بالقول: «نحن اليوم أطلقنا صرختنا وأعطيناهم المجال من أجل العمل سويّاً فليس من مصلحة أيّ طرف الخسارة، وخطواتنا المستقبليّة سنقوم بدراستها خطوة بخطوة».
الممرض ليس «سوبرمان»
وتتحدّث رئيسة مصلحة التمريض في مستشفى رفيق الحريري الحكومي وحيدة غلاييني، عن الصعوبات والتحدّيات التي تواجهها غالبيّة الممرضات والممرضين، حيث تبدأ حديثها بالقول: «الممرِّض ليس سوبرمان، ونحن نجود بالموجود».
غلاييني وفي حديث إلى «نداء الوطن»، تؤكّد أنّ «الممرض هو في النهاية مواطن وإنسان. فكما لديه واجبات تفرضها عليه مهنته، فهو له حقوق أيضاً حيث لديه نقص وإحتياجات، فالجميع بحاجة إلى الطعام والشراب، فلا يُمكن للممرّض وتحت شعار الإنسانيّة أنْ يعمل بالمجّان».
وتُضيف: «صحيح أنّ مهنة التمريض تتطلب جهوداً خارقةً وعلى مَن إختارها أنْ يتحمّل ضغوطاتها، إلّا أنّها في النهاية هي مهنة يسترزق منها، فالممرّض مواطن مثله مثل أيّ مواطن بالبلد».
وتُذكّر بـ»التضحيّات التي قدّمها «الجيش الأبيض» في مستشفى الحريري عندما بدأت جائحة كورونا، في حين أن أضخم الناس إختفت عن الساحة»، كما تقول، وتلفت إلى أنّ «الممرضين تحمّلوا حينها الكثير من الضغوطات والصعوبات. فصحيح أنّ الجميع صفق للطواقم التمريضية في ذلك الوقت لكن دون تقييم فعلي لأدائهم الجبّار والفعال». وتُردف قائلةً: «لا يُمكننا دائماً أنْ نكون ملائكة رحمة كما يُسموننا، نحن نريد أنْ نكون ملائكة رحمة وإنسانيين ومهنيين، فكما علينا واجبات لنا حقوق».
التحديات والصعوبات
وفي إطار تسليط الضوء على بعض التحدّيات التي تواجه معظم الممرضين، تروي غلاييني بعضاً منها، حيث «عمد عدد منهم وبسبب إرتفاع تكلفة بدل النقل إلى الإتفاق على الذهاب بسيارة واحدة إلى العمل، وهناك من يأتي إلى المستشفى سيراً على الأقدام».
وتلفت إلى أنّ «مستشفى الحريري لوحده خسر منذ عام 2022 وحتى اليوم 100 ممرّضة وممرّض»، وتُشير غلاييني هنا إلى نقطة بالغة الأهميّة وهي أنّه «في السابق، الهجرة كانت على مستوى الممرّضين العاديين،عكس اليوم فهي أصبحت أيضاً على مستوى رؤساء الأقسام، وهذا الموضوع يجب التنبّه له».
وفي السياق، تُوضح غلاييني بأنّ «الممرّضين اليوم يتقاضون «فتاتاً». على سبيل المثال، فالممرّض الذي كان يتقاضى قبل الأزمة 1000 دولار شهرياً أصبح اليوم راتبه يُساوي ما بين 50 و100 دولار والتي لم تعد تساوي شيئاً في ظل الغلاء الفاحش ولا حتى تؤمّن أبسط الإحتياجات العائليّة، فتكلفة التنقّل بحاجة لوحدها إلى راتب».
حادثة نادرة
وتتحدَّث عن حادثة نادرة حصلت في المستشفى، وهي «بسبب ضعف القدرة الإستيعابية إضطرَّت إلى أن تضع ممرضاً واحداً لمتابعة 16 مريضاً»، وتلفت إلى أنّ «هذا الأمر فيه الكثير من الخطورة. فهو إذا حصل مرة نتيجة الضغط في الطوارئ لا يُمكننا أن نعود ونكرّره مهما كلف الأمر، وهذا ما أبلغنا الإدارة به، فنحن لا يمكننا تحمّل مسؤوليّة ما قد يترّتب عن هكذا خطورة، فقدرتنا الإستيعابيّة لم تعد كالسابق».
وتُضيف: «إنّنا نلجأ أحياناً كثيرة إلى زيادة ساعات العمل لسدّ النقص والعجز، ولكنّ بعض الممرضين ممن عمد إلى هذا الأسلوب أُنهِك ولم يعد بإستطاعته الإستمرار، فالجسد له علينا حقّ، ونحن اليوم بأمس الحاجة بأن يبقى الممرض بكامل طاقته لكي نتمكن من البقاء والإستمرارية، فنحن مؤتمنون على حياة المرضى وهذا ليس سهلاً».
وإنطلاقاً من ذلك، وتداركاً لما هو أخطر وأصعب وعندها قد لا ينفع الندم، تمنّت غلاييني في ختام حديثها من «الدولة اللبنانية إعادة النظر بحقوق الجسم التمريضي، والدفاع عن حقوق العاملين فيه وكرامتهم ولقمة عيشهم».
نقص ممرّضين وممرّضات في الأقسام الدقيقة
يؤكّد نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أيضاً ان «هجرة أعداد كبيرة من الممرّضين إلى الخارج نظراً إلى إرتفاع الأجور في تلك الدول تسبّبت بنقصٍ كبير، وهذا النقص أجبر عدداً كبيراً من المستشفيات على إغلاق أقسام إستشفائية، فعدد المُمرّضين الموجودين لديها لا يُغطي كافّة الإحتياجات».
وإذْ يُشير هارون إلى أنّ «أغلبية المستشفيات قامت بزيادة الرواتب، وبعضها يدفع قسماً بالدولار»، لكنّه يؤكّد أنّ «مستوى الرواتب لم يعد كما كان عليه قبل عام 2019، على الرغم أنّ كلفة المعيشة اليوم أعلى بكثير، وهذا ما دفع عدداً من الممرّضين إلى العمل ساعات إضافيّة من أجل تحسين مدخولهم ولو قليلاً».
ويلفت خلال حديثٍ مع «نداء الوطن»، إلى أنّ «معظم مَن هاجر من الممرضين هم من ذوي الإختصاصات ومن الذين كانوا يعملون بأقسامٍ دقيقة».
وهنا يُضيء هارون على «إشكاليّة تتمثّل بفقدان أصحاب الخبرة القوية»، وإذْ يوضح أنّ «هناك أعداداً جديدة من الشبان والشابات تدخل مجال التمريض»، إلّا أنّه يُشدد على أنّ «هذه الفئة بحاجة إلى فترة طويلة تصل إلى سنة تقريباً من التدريب والعمل تحت إشراف ممرضين ممن لديهم الخبرة من أجل إكتساب الخبرة الكافيّة قبل تسلمها وحدها مسؤولية العناية بالمريض، فمهنة التمريض ليست سهلة».
حياة المرضى بخطر؟
في ظلّ هذه المعطيات، هل من خطورة على المستشفيات وحياة المرضى؟ يرى أنّه ليس هناك «من خطورة بشكل مباشر، فالمستشفيات عمدت إلى تقليص عدد الأسرّة ليتناسب مع عدد الممرّضين، لذا بالتأكيد ليس هناك من أيّ خطر على حياة المرضى».
ووفقاً لهارون فإن «مستقبل القطاع الإستشفائي في لبنان، يتوقف على تحسّن الأوضاع في البلد وإعادة نهوضه».