باتريسيا جلاد
هارون: الجهات الضامنة تتأخّر في تسديد فواتيرها بالليرة التي سرعان ما تفقد قيمتها
بو دياب: كيف يمكن الدولرة وموازنات الصحة والصناديق العامة الضامنة هي بالليرة؟
ميرزا: بوالص التأمين بالدولار سترتفع لأن الأطباء يطالبون بزيادة أجرهم الإستشفائي
تماشياً مع دولرة التسعيرات السائدة في قطاعات عدّة لا سيما التجزئة والمواد الغذائية في السوبرماركات، كرّت سبحة الفوترة بالدولار، وآخرها المستشفيات التي دقّت الأسبوع الماضي ناقوس خطر استمرارها في أداء عملها في حال عدم التسعير بالعملة الخضراء، في ظلّ تسارع وتيرة انهيار الليرة مع الإرتفاع المتسارع لسعر صرف الدولار.
و»دولرة المستشفيات»، حيث ستكون في مأمن من تقلبات أسعار الصرف وخصوصاً من الجهات الضامنة الرسمية التي تسدّد فواتيرها بالليرة بعد أشهر من استحقاقها، تطرح بعض التساؤلات حول إمكانية «دولرة» القطاع الإستشفائي وتداعيات هذا الإجراء على الناس والاقتصاد.
دراسة الى وزارة الصحة
رئيس نقابة اصحاب المستشفيات سليمان هارون عرض لـ»نداء الوطن» مقاربة النقابة لهذا المطلب، خصوصاً وأنّها قدّمت الى وزارة الصحة الأسبوع الماضي دراسة حول كيفية التسعير بالدولار لجلسات غسل الكلى.
وخرجت بنتيجة تفيد بأنّ الكلفة الإجمالية لكلّ جلسة غسل كلى توازي 59 دولاراً، من دون أتعاب الأطباء الذين كانوا قد حدّدوها سابقاً بـ 15 دولاراً، وهذا يعني أن الكلفة الإجمالية تبلغ 74 دولاراً. وتمّ تقديم الدراسة الى الجهات والصناديق الضامنة للاطلاع عليها وتقرير المناسب بشأنها، وقد تكون تلك بداية الطريق لسير القطاع على خطى الفوترة بالدولار.
فالأسعار المتّفق عليها مع الجهات الضامنة الرسمية مثل الضمان الإجتماعي ووزارة الصحّة وتعاونية الموظفين والطبابة العسكرية… تسدّد للمستشفيات بالليرة اللبنانية. وبما أن كل المستلزمات والأدوية والمازوت وحتى المأكل الذي تشتريه المستشفيات وجزءاً من الأجور يسدّد بالدولار الأميركي، جاء مطلب النقابة كما أوضح هارون بتحديد تعرفات متّفق عليها مثل أجرة غرفة العمليات وفحوصات المختبر بالدولار، على أن يتمّ في نهاية الشهر احتسابها على الليرة اللبنانية استناداً الى معدّل سعر الدولار الوسطي المتداول به خلال شهر. وبذلك تصدر الفواتير نهاية الشهر بالليرة اللبنانية بعد ضربها بالمعدّل الوسطي لسعر الصرف».
والمعضلة، بحسب هارون، أن «الجهات الضامنة تتأخّر في تسديد فواتيرها، من هنا ضرورة أداء التزامها فوراً لتفادي خسارة قيمة الفواتير الصادرة. فوزارة الصحّة لم تسدّد لغاية اليوم المدفوعات المترتبة عليها للمستشفيات للعام 2022 وتحديداً منذ كان سعر صرف الدولار بقيمة 25 ألف ليرة الأمر الذي لا يمكن أن تتحمّله المستشفيات».
آلية التسديد بين التأمين والمستشفيات
وفي ما يختصّ بآلية الدفع المتّبعة بين المستشفيات وشركات التأمين الخاصة، قال هارون إنه «استناداً الى العقود فإن المحاسبة تتمّ بالدولار، علماً أن فواتير الإستشفاء ارتفعت بنسبة 10% مقارنة مع العام الماضي».
لكن،هل انعكست زيادة الفاتورة الإستشفائية ارتفاعاً على اقساط بوالص التأمين للعام 2023؟
أوضح رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان أسعد ميرزا لـ»نداء الوطن» أن بوالص التأمين سترتفع للعام الجاري نظراً الى مطالب الأطباء بزيادة قيمة أجرهم الإستشفائي بنسبة 50% عن العام 2022 لتصل الى 75% من التسعيرة التي كانت معتمدة في العام 2019 قبل اندلاع الأزمة، علماً ان مطلبهم هو أن تصل قيمة حصتهم الإستشفائية بنسبة 100% الى ما كانت عليه في العام 2019، لوقف نزف الهجرة الى الخارج. وتمّ التوافق بين جمعية شركات الضمان ونقابة المستشفيات على زيادتها الى 75% على أن ترتفع الى 100% في العام المقبل».
وبالحديث عن تسعيرة الطبيب، عمد الأطباء في الآونة الأخيرة الى التسجيل على عاتق المريض الداخل الى المستشفى فاتورة إضافية تكون عبارة عن أجره، أما اليوم ومع التوافق المبدئي على زيادة نسبة أجره وتسديدها من شركات التأمين للمستشفيات، قال ميرزا: «طلبنا عدم تكبيد المؤمّن اية مصاريف إضافية كونه يسدّد بوالصه بالدولار النقدي. ويمكن للمريض الذي يطلب منه تسديد أجر للطبيب الإستشفائي أن يرفع شكوى أمام اللجنة الطبية في المستشفى أو نقابة المستشفيات أو الأطباء».
وأكّد ميرزا أن «أقساط بوالص التأمين ارتفعت بنسبة 10%، ورغم ذلك لا تزال أسعار البوالص أقل من العام 2019 بنسبة نحو 17%، علماً أنه في العام 2020 انخفضت أقساط البوالص المسدّدة نقداً بالدولار بنسبة 35% عن تلك التي كانت معتمدة في العام 2019».
ما أثر الدولرة وهل هي ممكنة؟
كان ذلك بالنسبة الى شركات التأمين، وبالعودة الى دولرة فواتير المستشفيات، يتبادر الى الأذهان السؤال التالي: هل يجوز من الناحية القانونية والإقتصادية الإقدام على دولرة القطاع الإستشفائي؟
عن ذلك رأى عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي واستاذ الإقتصاد في الجامعة اللبنانية أنيس بو دياب، خلال حديثه الى «نداء الوطن»، أن «الفوترة بالدولار والتسديد بالليرة اللبنانية يختلفان بين قطاع وآخر. ويجوز لمستوردي السلع السعي للحفاظ على رأس المال المعروف بالـreplacement cost أو القيمة البديلة أو الإستبدالية، ومنعاً للتضخّم الإستباقي، الإعتماد على مؤشر حول السعر الوسطي اليومي وبناء عليه تسعّر الفواتير بالدولار وتسدّد بالليرة اللبنانية».
ولكن اذا تمّ اعتماد الدولرة في كل القطاعات عندها يقول بو دياب: «بدأنا نتحدّث عن دولرة الإقتصاد ونحن غير مهيئين لذلك. فالإيرادات الجمركية والضريبية وكل ايرادات الدولة هي بالليرة وبالتالي العملة المتداول بها قانوناً ما زالت الليرة اللبنانية. ولاعتماد الدولرة الشاملة نحتاج الى قوانين والى إعادة النظر بقانون النقد والتسليف… وبذلك يجب استبعاد تلك الفكرة اليوم والبحث في كيفية إنجاز الإصلاحات وانتظام العمل الدستوري والمؤسساتي والتوجه لاحقاً الى إعادة انتظام القطاع المصرفي ودمج البنوك».
القطاع الإستشفائي والكلفة
وبالنسبة الى الفوترة بالدولار في القطاعين الإستشفائي والمحروقات، قال بو دياب: «إن هذين القطاعين يتكبّدان كلفة تشغيلية مرتفعة. فالمستشفيات تشتري آلات ومعدّات طبية مستوردة من الخارج، من هنا يمكن «دولرة» هذا الشقّ. ولكن الأمصال وأجور الإطباء وغير ذلك لا يمكن دولرتها مع تحسين أجور العاملين في القطاع الإستشفائي، ثمّ لماذا دولرتها ما دامت كل القطاعات تتقاضى رواتبها بالعملة الوطنية أو على الأقل القطاع الخاص الذي يتقاضى جزءاً من راتبه بالعملة الوطنية والجزء الآخر بالدولار؟».
معضلتان لا يمكن تجاوزهما
الى ذلك، أضاف: «سنواجه معضلتين في دولرة الإستشفاء:
– أولاً، صعوبة الإحتساب خصوصاً أننا نتكلّم عن علاقة القطاع الإستشفائي مع الهيئات الناظمة التي هي بمجملها قطاع عام، وهي وزارة الصحة والجيش وتعاونية موظفي الدولة والجامعة اللبنانية والقضاة… وحتى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وبالتالي فإن العقود الموقعة بين تلك المؤسسات والمستشفيات لا يمكن ان تكون بالدولار وإنما حتماً بالليرة اللبنانية وإلا ستكون هناك عقبة قانونية.
– ثانياً، إن موازنات القطاعات العامة كافة من وزارة الصحة مروراً بالصناديق الضامنة هي بالليرة اللبنانية، وليس لديها المرونة لتسعير المستشفيات مع هذه القطاعات حتماً بالدولار، على أن تستوفى وفق سعر وسطي محدّد من السعر الأعلى والأدنى خلال شهر».
مواكبة المؤسسات الضامنة
وإذا كان تدبير «دولرة الفواتير» يُلائم المستشفيات، فهل يمكن للمؤسسات العامة مواكبتها في هذا الإجراء؟.
إستبعد بو دياب هذا الأمر خصوصاً أننا ما زلنا نتحدّث عن مؤشّر لأسعار المواد الغذائية وأسعار التجزئة، واستمرار تقاضي عائدات الدولة اللبنانية بالليرة اللبنانية. فلا يمكن المضي بدولرة الفواتير الإستشفائية بشكل كامل قبل تعديل قانون النقد والتسليف وتحديد مصير العملة الوطنية.
أما من الناحية الإقتصادية، فإن تلك الدولرة جيدة بالنسبة الى المستشفيات وتصبّ في مصلحتها، إذ تؤمّن لها الحماية من التضخم ومن انهيار قدرتها الشرائية جرّاء تآكل العملة الوطنية وبالتالي حساباتها».
مؤشّر القطاع الصيدلي
بالنسبة الى القطاع الصيدلي، على سبيل المثال، أشار الى أنه «تمّ إعداد دليل ومؤشّر مسعّر بالليرة اللبنانية، يتغيّر بشكل يوميّ. من هنا لا يمكن التوجّه الى دولرة الإقتصاد بشكل كامل لأن من شأن ذلك زيادة فقدان الثقة بالعملة الوطنية وفي التبادل بها، وماذا يحلّ عندها بالتسويات الآجلة أي ما تعرف بالقروض وغيرها؟ واستناداً الى تلك المعطيات يقول بو دياب: «لا يمكننا التخلي عن العملة الوطنية الى هذه الدرجة».
من كلّ ذلك يتبيّن لنا أنه إذا كانت دولرة المواد الغذائية وأسعار التجزئة خطوة لا بأس بها وأفضل الممكن في وضعنا الراهن باعتبارها شرّاً لا بدّ منه، فإن دولرة الإقتصاد بشكل كامل في ظلّ الفوضى القائمة ستكون أمراً «رهيباً».
بالإنتظار ما هي الحلول؟
رأى بو دياب أنه «يجب الأسراع بتوحيد سعر الصرف حتى لو اضطررنا الى الغاء «صيرفة»، فنلغي دولار المستشفيات والصيدليات والمصارف… توحيد سعر الصرف يريح الإقتصاد و»يخفّف» الضغط على العملة الوطنية، خصوصاً اذا عملنا على حمايتها من التهريب».