باسمة عطوي – نداء الوطن
تتحضر الحكومة اللبنانية، ممثلة بوزارة المالية، وبالتعاون مع مصرف لبنان، لإرتكاب جرم جديد بحق المودعين اللبنانيين، من خلال إبرام عقد إستقراض بقيمة 50 مليون دولار أميركي، بادعاء “تأمين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي كما ودفع القروض المتوجبة عليها”.
هذا العقد – الجناية، وفقاً لتوصيف قانونيين، تمت الموافقة عليه في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء التي عُقدت في 27 آذار الماضي، خلافاً لروحية قانون النقد والتسليف، والذي تحاول الحكومة الإتكاء عليه لتمرير قرارها (أي المواد 75 و91 و95 منه)، كما يؤكد المختصون. ما يفتح الباب أيضاً للسؤال عن مصير مليارات الدولارات (63 ملياراً)، التي يدعي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منحها للدولة، لتغطية نفقاتها من دون عقود إستقراض كما يحصل اليوم.
“المركزي” يناقض نفسه
يشرح المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها، المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر لـ”نداء الوطن”، بأن “عقد الاستقراض يستند إلى أحكام المادة 90 من قانون النقد والتسليف، لكن السؤال هنا هل جرى الانتظام سابقاً بأحكام هذه المادة؟
علماً أنها تنص على أنه: حين تمر الدولة بوضع مالي استثنائي ضاغط وحاد تلجأ إلى مصرف لبنان للإستحصال على قرض، وعلى “المركزي” ألا يوافق مباشرة، بل يبحث مع الحكومة إمكانية الحصول على تمويل هذا القرض من حساباتها”.
يضيف: “إذا تبين أنه لا يمكن تأمين التمويل بهذه الطريقة، وهو قادر على التمويل من حسابات يستطيع التصرف بها، اي غير متصلة بحقوق الغير، عندها يمكن التوقيع على عقد إستقراض تكون المخاطرة فيه على مسؤولية الحكومة”.
يؤكد ضاهر أنه “سابقاً لم يكن يحصل هذا الامر. واليوم يتم إرساله من قبل الحكومة، مع أن “المركزي” سبق له أن أصدر بياناً في 12 آب 2021، شرح فيه أن “المس بالتوظيفات الالزامية لصالح الحكومة يحتاج إلى قانون”، موضحاً أن “الاحتياط الالزامي مكون بالليرة ونشأ بموجب قانون النقد والتسليف، أما التوظيفات الإلزامية مكونة بالعملة الاجنبية وأُنشئت بموجب قرار أساسي صدر عن مصرف لبنان في العام 2001 تحت الرقم 7926 بعد مؤتمري باريس 1 و 2، لتمكين مصرف لبنان من إستقطاب الدولارات”، والمهم في الامر أن الإحتياط الالزامي أو التوظيفات، هي أساسها مال الودائع، أودعتها المصارف التجارية لدى مصرف لبنان، ضمن نسبة 15 بالمئة أِقتُطعت من كل وديعة”.
تخمة هرطقات
ويشدد على أنه “بحسب قانون النقد والتسليف، هناك الإحتياطي الالزامي والتوظيفات الالزامية، التي أُنشئت بالقرار الاساسي الرقم 7926 وأحدهما يختص بالليرة والآخر بالدولار، وهما مخصّصا الأهداف ويرميان الى تحقيق غاية معينة ولأمر محدد ولا يجوز المس بهما”، لافتاً إلى “أنهما يرميان إلى حماية المؤسسة المصرفية حين تعثرها أو من إستثماراتها المرتفعة المخاطرة بهدف حماية الودائع، كما ولتمكين مصرف لبنان من القيام بالمهام المتصلة به، ضمن نطاق أحكام قانون النقد والتسليف، إنما بالطبع ليس بهدف منح هذه الاموال كقرض للحكومة”.
و يوضح أنه “بناء على ذلك أصدرت القاضية مريانا عناني في أيار 2021، قراراً فريداً من نوعه في العالم، رمى الى حماية الودائع وتمّ بموجبه حجز الإحتياطي الالزامي، المودع من المصارف في مصرف لبنان”، مشيراً إلى أن “هذا القرار يقتضي التقيد بأحكامه لأن المال الموجود في “المركزي” هو بنهاية الأمر ملك للمودعين، لا سيما وأنه ليس من واجبات مصرف لبنان تأمين الدعم، بل ان ذلك هو من واجبات ومسؤولية الحكومة ومن ميزانيتها”.
عون وجريصاتي وسلامة!
يؤكد ضاهرأيضاً أن “هذا القرار قد أبلغنا إياه مصرف لبنان وللأسف لم يجر التقيد بأحكامه. وهذا يدل على أنه لدينا تخمة من الهرطقات المفتعلة في قانون النقد والتسليف”، معتبراً أن “الالتزام بأحكام المادة 90 منه لا يعني أنه حصل إنتظام، لا سيما أن بيانه (المصرف المركزي) الذي أصدره في آب 2021، نص بصريح العبارة على عدم المس بهذه التوظيفات والاحتياطات”.
ويشير إلى أنه “حتى في حال صدر قانون، فإنه يحقق مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية ويفتح المجال لمقاضاتها امام مجلس شورى الدولة. لا سيما وأن القانون لا يلغي مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية”، شارحاً أن “هذا المال ليس ملكاً خاصاً، بل مخصص الاهداف ويرمي إلى تحقيق غاية ولا يمكن الانحراف عن هذا الامر، ومخالفة القرار القضائي ومصلحة المودعين، لأن كل مودع يقبض دولاره على سعر 15 ألف ليرة”، مشدداً على أنه “بالرغم من صدور قرار عن مجلس شورى الدولة بإيقاف هذه الهرطقة، وإلزام المصارف بأن تدفع للمودع أمواله بالعملة التي هي عليها في المصرف (الدولار)، من دون أن يحصل تبديل الدفع بالليرة ومن دون هيركات، إلا أنه ما لم يجر الإلتزام به، بل جرى أسر هذا القرار خلال إجتماع في بعبدا جرى بين رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير سليم جريصاتي وحاكم مصرف لبنان، وتمّ الاتفاق على عدم الالتزام به ضمن سابقة تهدد إستقلالية السلطة القضائية وتنحر المودعين”.
التمويل من أموال المودعين
يرى ضاهر أن “الهدف من هذا القرار هو الاستمرار بتمويل الدولة من أموال المودعين، وفقاً للنهج السابق الذي أدى إلى إنهيار القطاع المصرفي ودمّر الشعب اللبناني والتصرف بطريقة غير قانونية وغير مفهومة بأموال اللبنانيين”، لافتاً إلى أنه “حتى إذا وقّع مصرف لبنان على هذا العقد، إلا أنه بذلك يكون قد تناقض مع نفسه (بيان 12 آب 2021)، وارتكب جرم المادة 100 من مجلة الاحكام العدلية، والتي تقول أن “من سعى إلى نقض ما تم فعله على يديه فسعيه مردود عليه”.
يضيف: “التوظيفات الالزامية أو الاحتياطي الالزامي، ليست ملك المصرف المركزي لكي يمنح منها للحكومة، بل هو مال مخصص الاهداف أي لديه غاية محددة ولا يجوز تحويرها وإعطاء هذا الدين لمفلس، بل من الأجدى منحه للمودعين بعملة الوديعة”.
63 مليار دولار صرفها سلامة من دون عقود استقراض
لكن ماذا عن الاموال التي كان يمنحها “المركزي” للدولة من دون عقود إستقراض ويدعي انها بلغت 63 مليار دولار؟ يجيب باسكال ضاهر: “إن طلب عقد الاستقراض لا يلغي المسؤولية السابقة لمصرف لبنان والحكومة. سابقاً كان “المركزي” يموّل الحكومة من حساب الودائع دون أي رادع أو وازع، أو حسيب أو الانتظام حتى في عقد، حتى أنه كان حين يسوق لسندات لصالح الحكومة لدى المصارف، يعود ويشتري هذه السندات من المصارف كمحاولة منه للالتفاف، وليصبح بالمحصلة النهائية هو الدائن للحكومة”.
يضيف: “أما الآن وبعد بيانات صندوق النقد، كما والتدليل الحاصل على الاخطاء والانحرافات التي ارتكبت سابقاً، أصر على ما يبدو مصرف لبنان على الانتظام بعقد، الا ان هذا لا يعني ان القرض الآن صحيح”، مؤكدا أنه “لا ينفي الجرائم التى ارتكبت سابقاً، بل يفيد بشكل قاطع وجلي، بأن النظام ما زال مستمراً بسرقة وهدر حقوق الشعب والمودعين، وما زال منغمساً بالفساد”.
ويختم: “بدلاً من الانغماس بهدر حقوق المودعين ومد اليد الى جيوب الشعب، فإنه من الأجدى به أن يلتفت الى ما جرى نهبه من المال العام، وأخذه من جيوب الفاسدين وهم كثر”.