رنى سعرتي – نداء الوطن
كشف مسؤول مالي دولي أن لبنان سيشهد في الفترة المقبلة، نتيجة الإنهيار الإقتصادي الحالي، حالات إفلاس أكثر في القطاع الخاص وانخفاضاً أكبر في قيمة العملة المحلية وتدهوراً أسرع في كافة المؤشرات المالية والإقتصادية، بشكل أعمق ممّا يتوقّعه الكثيرون حالياً. معتبراً أن الاقتصاد في حالة سقوط حرّ، «وقد حان الوقت لأن يستيقظ السياسيون ويتقبّلوا حقيقة أنه لتجنّب المزيد من الإنهيار الإقتصادي، عليهم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للانتقال إلى تنفيذ الاتفاقية التي تمّ التوصل إليها مع صندوق النقد الدولي. ليس لديهم خيار آخر».
إدارة سيئة للأزمة من مصرف لبنان ووزارتي المالية والإقتصاد
وشرح المسؤول الدولي لـ»نداء الوطن» أن مصرف لبنان ووزارتي المالية والاقتصاد غير قادرين على إدارة الأزمات الاقتصادية والمصرفية التي يواجهها البلد. مشدداً على أن سياسات مصرف لبنان (سعر الصرف، وأسعار الفائدة، والهندسات المالية، وما إلى ذلك…) على مدى السنوات الثلاثين الماضية هي السبب الرئيسي وراء الأزمات التي يواجهها لبنان. والنتيجة هي ما آلت إليه قيمة الليرة اللبنانية، وما هُدر من أموال من احتياطي البنك المركزي لدعم الليرة دون جدوى، علماً أنه يواصل سياسته الترقيعية ويستمرّ في التدخل في السوق (الموازية) شارياً الدولارات وطابعاً كميّات هائلة من العملة المحلية ورافعاً سعر صرف منصة صيرفة، في حين أن النتيجة مزيد من الإنهيار في قيمة العملة ومزيد من الارتفاع في نسب التضخم! ويسأل: «كيف يتوقّع المسؤولون لجم انهيار الليرة في حين أن كمية ورقة الـ100 ألف ليرة التي تمّت طباعتها في العام 2022، استنزفت خلال 3 أشهر وعلماً أنها كانت تكفي (بالعادة) لمدّة 6 أعوام؟ هل الهدف الإستمرار في طباعة العملة بغضّ النظر عن التضخّم المتأتّي عن ذلك، إلى حين سداد ما يتعذّر تسديده من الودائع بالدولار ومساعدة النظام المالي على التخلّص من المزيد من التزاماته من خلال تذويب الودائع؟».
اعتبر المسؤول الدولي أن هناك ضرورة قصوى لتعيين فريق إداري جديد في مصرف لبنان، على رأسه حاكم جديد للبنك المركزي، إذا كان لبنان يريد المضي قدماً في اتفاقية صندوق النقد الدولي. وعلى هذا الصعيد يمكن التذكير بما ذكره نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد زيارته مقر صندوق النقد في واشنطن لجهة أن مصرف لبنان ليس بالضرورة مؤيداً للاتفاق مع الصندوق. إضافة الى أن الحاكم يتصرّف ويصدر التعاميم كما لو أن لا اتفاق مع الصندوق، ويفرّخ أسعار صرف جديدة في الوقت الذي طلب منه الصندوق توحيد أسعار الصرف، ويعمل على هيكلة المصارف بطريقته الخاصة من دون قانون لذلك. وهنا تذكّر المصادر أيضاً بالخلاف الذي نشب بين ممثلي الصندوق ومصرف لبنان في 2020 حول كيفية حساب الخسائر وإدارة الأزمة. وقال له أحد خبراء الصندوق آنذاك: The Game Is Over، أي أن اللعبة انتهت. لعبة استمرّت 30 سنة، منها 20 سنة من دون أي ربح حقّقه البنك المركزي.
خلافة الحاكم غير محسومة بعد… ومنصوري مستبعد
في هذا السياق، أكدت مصادر سياسية معنيّة لـ»نداء الوطن» ما بات يتداول بقوة عن أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يعد يحظى بتأييد أو دعم خارجي ولم يعد «محميّاً» سوى في الداخل اللبناني، كاشفاً أن المفاوضات الجارية في الكواليس خارج لبنان قبيل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في أواخر تموز المقبل، تدور حول عدّة اقتراحات، أوّلها أنه عند شغور المنصب، يتولّى تصريف الأعمال مرحلياً نائبه الأول وسيم منصوري الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية، إلا أن هذا الاقتراح لا يحظى بتأييد البعض في الخارج ولا يحبّذه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا جهات مسيحية أو مارونية مؤثرة، وبالتالي في حال حصوله، سيكون مؤقتاً ولفترة وجيزة فقط. أما الاقتراح الثاني الذي يلقى رواجاً أكثر، فهو تعيين حاكم جديد مسيحي ولكن غير ماروني (من خارج نطاق نوّاب الحاكم الحاليين) من قبل مجلس الوزراء، ولفترة وجيزة أيضاً، يمكن أن يتمّ تعيينه تحت مسمّى «حارس قضائي» الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية يقوم بدوره بتعيين حاكم البنك المركزي من الطائفة المارونية.
وفيما لم تتبلور بعد صيغة تعيين «الحارس القضائي» مؤقتاً ولم يتمّ الاتفاق على اسم المرشح لهذا المنصب، أكدت المصادر أن هناك أسماء مرشحين مطروحة لمنصب الحاكمية بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وهي أسماء لم يتم التداول بها بعد ولا تتضمّن المرشحين الذين طُرحت أسماؤهم في السابق، وستكون بمثابة مفاجأة !
حمدان: إستمرار سياسة الإنكار ومحاولات الإفلات من العقاب
وفيما يبقى المسار المتّبع في مواجهة الأزمة من قبل السلطة ومن قبل البنك المركزي بعيداً عن مطالب الإصلاح الحقيقية، رأى مدير مؤسسة البحوث والاستشارات د. كمال حمدان أن عرقلة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي تتماشى مع استمرار اتّباع سياسة الإنكار والإفلات من العقاب بانتظار تذويب مدّخرات وودائع الشعب عن طريق «فعل الزمن»، «ما انعكس انخفاضاً في قيمة مطلوبات المصارف بالعملة الأجنبية، واقتطاعاً لا يقلّ عن 70 في المئة من قيمة الودائع.
واعتبر حمدان أن ما يحصل وكيفية إدارة الأزمة «سوريالي» يؤكد عدم وجود نيّة لخوض غمار الإصلاح الجدّي، حيث «لا يكفي إقرار بعض القوانين «الملغومة» التي تحتاج الى مراسيم تنظيمية والى سلطة، والى مؤسسات وموارد بشرية تديرها، وجميعها غير موجودة».
وأكد لـ»نداء الوطن» أن كافة الإجراءات المتخذة وكافة التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان هي أداة لكسب المزيد من الوقت وتسهيل سياسة السقوط المتعمّد التي أشار لها البنك الدولي، والتي تهدف الى إبراء ذمّة المسؤولين ورمي كلّ الأعباء على عموم الشعب وعلى أصحاب الودائع وعلى القدرة الشرائية للأجراء الذين يشكلون 60 في المئة من القوى العاملة.
حمود: الصندوق غير مسؤول عن كيفية معالجة الفجوة في المصارف
أما النائب السابق لحاكم مصرف لبنان سمير حمود فأوضح أنه بغضّ النظر عمّا إذا كان أحد الأطراف يعرقل الاتفاق مع صندوق النقد أم لا، فإن الأخير لا ينتظر توقيع اتفاق وفقاً لشروط أو بنود معيّنة يحدّدها الصندوق وتلتزم بها الدولة، بل وفقاً لمعايير معتمدة وإصلاحات ضرورية منها مشكلة ميزان المدفوعات والمالية العامة والإدارة العامة وحجم القطاع العام، لافتاً الى أن غالبية الإصلاحات المطلوبة سياسية وانعكاساتها مالية ونقدية.
وقال حمود إن مشكلة لبنان الأساسية مع صندوق النقد لا تتعلق بالإصلاحات المطلوبة «حيث لا يمكن لأي عاقل أو أي حكومة تحترم نفسها أن تعارض تطبيق تلك الإصلاحات. لكنّ مشكلة لبنان مع الصندوق تكمن بأن الأخير غير مسؤول عن كيفية معالجة الفجوة المالية في مصرف لبنان والقطاع المصرفي، وعلاقة الودائع بهذه المعالجة، وهو أمر على الحكومة معالجته من خلال إعادة تكوين القطاع المصرفي من جديد».