كتب رمال جوني في “نداء الوطن” – لم يعد كوب القهوة “يروّق الأعصاب”. تغيّرت أحواله كحال البلد. أسود قاتم، باهظ الثمن. صحيح أنّ الجلسة لا تحلو من دونه، يرافق الناس في أفراحهم وأتراحهم، ولكن بات يُحسب له ألف حساب. الغلاء سكب ذاته في قهوة اللبنانيين. إذا كان ثمن كوب “النسكافيه” في “الإكسبرس” حوالى 50 ألف ليرة، فإنّ كوب القهوة بات يكلّف 30 ألف ليرة ومرشّح للإرتفاع حسب الدولار. ما يعني أن المواطن يحتاج نحو 900 ألف ليرة شهريّاً في ما لو قرّر أن يتناول كوب قهوة يوميّاً.
لم يعد شعار “خوذ شفي وكفي” نافذاً. يقول طارق وهو صاحب إكسبرس، إنّ الطلب على القهوة تراجع بشكل لافت، من دون أن يخفي أن الشغل مستمر، لأن الناس لا تستغني عن كوب القهوة مهما كان سعره. على الرغم من ارتفاع سعره، الطلب لم يتوقف. هذا ما يؤكده طارق، لافتاً إلى “أننا نواجه أزمة جراء ارتفاع الكلفة التشغيلية، ويهدّد كل العاملين في هذه المهنة”.
الإكسبرس” في أزمة. لم تعد مهنة العاطلين عن العمل، كما كانت قبل الأزمة. ولم تعد مهنة “مربحة” كما هو متعارف عليه. صارت في مهبّ العاصفة، أو كما يردد أبو علي “مردودها عالقدّ”. هذا الواقع دفع الكثير من العاملين في هذه المهنة إلى إقفالها. كلفتها مؤلمة. تحتاج إلى غاز واشتراك كهرباء حوالى 5 ملايين ليرة، في وقت تشهد المواد أو المكوّنات الأساسية في تحضير كوبي “النسكافيه” والقهوة ارتفاعاً ملحوظاً. فسجّل “مبيّض القهوة” رقم 350 ألف ليرة. النسكافيه بـ400 ألف ليرة، وعلبة الحليب المحلّى 250 ألف ليرة.
يشكو يوسف من تراجع المهنة، “بالكاد نتمكّن من توفير مصاريفها”، وقرار الإقفال بات قاب قوسين. وأشار إلى أنّ “المواطن يُفكر مرتين قبل أن يطلب كوب قهوة. في السابق كان الشخص يشرب من 4 إلى 5 أكواب. أما اليوم فتكلّفه 150 ألف ليرة”. في المقابل، يرى أبو علي أن واقع المهنة على المحك، غير أنه يعتمد على “السندويشات” التي يقدمها داخل “إكسبرسه”. كوخ صغير يشاركه فيه ابنه العمل. لا تفارقه الإبتسامة، رغم معرفته بصعوبة الوضع. لا ينكر تراجع المهنة بشكل كبير، لكن لا بديل له سوى المواجهة. يُقرّ أن كوب “النسكافيه” أو القهوة لوحده لم يعد “يطعمي خبزاً” كما كنا قبل الأزمة. كلفته تضاعفت، وتقلص ربحه بنسبة 90%.
يُدعّم أبو علي مهنته بـ”سندويشات” متنوّعة من لبنة ولحمة ما مكّنه “من الثبات في وجه العاصفة”. غير أنّ اللافت هو الغش الذي تسرّب إلى كوب “النسكافيه”، إذ يلجأ عدد لا بأس به من أصحاب “الإكسبرس” إلى مواد رخيصة وذات نوعية سيئة، لتحقيق مزيد من الأرباح. اللافت بهؤلاء أنهم يقومون بإفراغ النسكافيه الرخيص الثمن داخل “مرطبان” النسكافي الأصلي، ويبيعونه للزبون بسعر مرتفع. هذا ما يؤكّده جورج الذي اضطرّ أكثر من مرّة إلى رمي الكوب لأنّ مذاقه سيّئ. من جهّته، كشف أحد أصحاب هذه “الإكسبرس” أنه “اضطر لاستعمال هذه المواد الرخيصة ليتمكّن من الثبات”، رافضاً فكرة أنه “يغش الزبون. فالأخير لن يميّز في المذاق”.