علي عطا
توفي، اليوم الأحد، الشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام عن عمر يناهز 69 عاماً، بعد صراع مع مرض سرطان الرئة، وهو كان مدير التحرير المشرف على القسم الثقافي في وكالة أنباء الشرق الأوسط، كما عمل مديراً لمكتبها في الجزائر لسنوات عدة.
رفعت سلام، مواليد 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1951، في مدينة منيا القمح في محافظة الشرقية، وعام 1955 عاد مع أسرته إلى مدينتها الأصلية؛ منية شبين في محافظة القليوبية عام 1955، ويعدّ من أبرز شعراء جيل السبعينيات في مصر، وأحد أهم مترجمي الشعر العالمي إلى اللغة العربية.
التحق بكلية الآداب قسم الصحافة، بجامعة القاهرة عام 1969، وتخرج فيها عام 1973، ومن دواوينه “إشراقات رفعت سلام”، “إنها تومئ لي”، “هكذا قلت للهاوية”، “إلى النهار الماضي”، كأنَها نهاية الأرض”، “حجر يطفو على الماء”، “هكذا تحدث الكركدن”، “أرعى الشياه على المياه” وصدر له دراسات أدبية عدة منها: “المسرح الشعري العربي”، “بحثا عن التراث العربي: نظرة نقدية منهجية”، “بحثا عن الشعر”، وفي الترجمة “بوشكين: الغجر.. وقصائد أخرى”، “ماياكوفسكي: غيمة في بنطلون.. وقصائد أخرى”، “كربرشويك: الإبداع القصصي عند يوسف إدريس”، “ليرمونتوف: الشيطان.. وقصائد أخرى”، “يانيس ريتسوس: اللذة الأولى، مختارات شعرية”، “هذه اللحظة الرهيبة، قصائد من كرواتيا”، “يانيس ريتسوس: البعيـد، مختارات شعرية شاملة”، “سوزان برنار: قصيدة النثر من بودلير حتى الآن” (مراجعة وتقديم)، “قسطنطين كفافيس: الأعمال الشعرية الكاملة”، و”شارل بودلير: الأعمال الشعرية الكاملة”.
واكتشف رفعت سلام إصابته بسرطان الرئة قبل نحو عام، وبمجرد أن شاع الخبر بادر عدد كبير من المثقفين إلى إصدار بيان للمطالبة بعلاجه على نفقة الدولة، فقد قضى حياته زاهدا إلا في الإبداع. رفعت سلام هو واحد من القامات الشعرية المصرية والعربية البارزة، كما أنه المترجم الذي ترجم الأعمال الكاملة لشعراء الحداثة، بوشكين، ريتسوس، بودلير، كفافيس، رامبو، ويتمان، وآخرين من أعلام الشعر العالمي.
ترجمة الشعر العالمي
“بوشكين: الغجر وقصائد أخرى”، كان جهده الأول في ترجمة الشعر العالمي وقد صدر عن دار ابن خلدون في بيروت عام 1982، علماً أنه أصدر ديوانه الأول “وردة الفوضى الجميلة” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في القاهرة عام 1987، وقد سبقه ديوان مشترك مع الشاعر الراحل حلمي سالم بعنوان “الغربة والانتظار” عام 1973.
لقد انتقل من الترجمة عن اللغة الإنكليزية التي كان له فيها أعمال أساسية، مثل ترجمة كفافيس وبعض الشعر الروسي وسواهما، إلى الترجمة عن اللغة الفرنسية، التي واجه فيها شاعرين كبيرين هما بودلير ورامبو.
وعن ذلك قال رفعت سلام في حوار سبق أن أجريته معه: “كانت علاقتي بالفرنسية مقصورة – في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي – على القراءة، بلا ترجمة، فيما امتدت علاقتي بالإنكليزية من القراءة إلى الترجمة. وفي التسعينات، أُجبرت على إدخال “الفرنسية” إلى حيز “الممارسة”، حيث كان قيامي بمراجعة ترجمة كتاب “قصيدة النثر” لسوزان برنار”، وهو الكتاب الذي تولت ترجمته زوجته في ذلك الحين راوية صادق، لدار نشر “شرقيات” بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة شرطا مسبقا للموافقة على اعتماده ضمن خطة المركز الثقافي الفرنسي؛ للترجمة والنشر. وأضاف: “وافقتُ على الشرط، لرغبتي الكبيرة آنذاك في إصدار الترجمة العربية الكاملة لهذا المرجع الأساسي. هكذا تمت المراجعة على الأصل الفرنسي الممتد لأكثر من 800 صفحة من القطع الكبير والهوامش المكثفة، والنصوص الشعرية المنتمية إلى المدارس الشعرية الفرنسية كافة على مدى أكثر من قرن.
الشعر والثورة
تجلى تفاعل رفعت سلام مع صورة 25 يناير في مصر في ديوانه “هكذا تكلم الكركدن” الذي صدر ضمن سلسلة بعنوان “إبداعات الثورة” عام 2012، ولكن سرعان ما اختفت تلك السلسلة التي كانت تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة وهي هيئة عمومية، بعدما خفت الحماسة الرسمية للثورة. وبدا عنوان ذلك الديوان للوهلة الأولى وكأنه معارضة شعرية لكتاب نيتشه “هكذا تكلم زرادشت”، علماً أن متنه ينطلق من تراث عربي ربما رآه سلام جديرا بمساءلة وعي الفرد المعاصر باللحظة الراهنة.
وعن ذلك قال رفعت سلام لي: لم يخطر كتاب نيتشه في بالي؛ فلي عمل شعري سابق بعنوان “هكذا قلتُ للهاوية” (1993)؛ وهو الأقرب لي كشاعر من “هكذا تكلم زرادشت”. كما أنني لستُ مشغولاً بوضع التراث العربي في مواجهة أي تراث أو ثقافة أخرى، فعلاقتي بالاثنين متوازنة، بلا مبالغة.
وفضلاً عن ذلك، أضاف سلام، علاقتي بالتراث العربي وثيقة باعتباري الوريث الثقافي والشعري له، بلا قطيعة ولا تماهٍ به. هو تراثي الذي أدخل دائماً في حوار معه، ندّاً لند؛ يسكنني الكثير من أصواته العميقة، المرهفة، وتطاردني وجوهٌ أخرى ظلامية غابرة، لا في الوعي فحسب، بل في الحياة اليومية الراهنة للقاهرة؛ فتراثنا ليس واحداً، هو متعدد؛ منقسم على ذاته إلى تيارات عقلانية وأخرى ظلامية وما بينهما، “حمَّال أوجه”، شأن القرآن ذاته. والمؤكد أن “مساءلة وعي الفرد المعاصر باللحظة الراهنة” تحتاج إلى امتلاك شمولي لما هو “تراثي” عربي، وما هو “إنساني” مستمد من الثقافات الأخرى؛ وهو ما أظن أن النص ينطوي عليه في عمقه، بلا تمايز أو تمييز. فالعناصر متداخلة، مصهورة، في بنية وصيغة لا تنتمي إلى هذا أو ذاك، بقدر ما تنتمي إلى شاعرها. أو هكذا ما أظنه.
وسألته أيضاً: قوة “الكركدن” تبدو غاشمة، وتقود إلى الهاوية، حتى بالنسبة إلى نسله، هل يحيل ذلك بالضرورة إلى واقع قاد إلى “الربيع العربي”؟ فأجاب: “نعم، هو كذلك، قوة غاشمة غبية خارجة على التاريخ، لأن فصيلته انقرضت من الوجود الحي، وأصبحت في ذمة التاريخ والماضي، غير مأسوف عليها. هي نفس فصيلة هولاكو وهتلر وموسوليني وبوش…. وهو مدرك، على نحوٍ ما – وتلك مأساته – أن الزمن قد انسحب من تحت قدميه، لكنه لا يريد أن يستوعب أي نتائج تترتب على ذلك. هو العناد الغبي في مواجهة تحول الزمن والتاريخ”.
فهل يختلف ذلك عمَّا عايشناه في مصر – على سبيل المثل – طوال الثلاثين عاماً الماضية؟ لقد عشنا في ظل “كركدن” أو “ديناصور” بدائي غشوم، هارب من الموت والانقراض، متشبث بقناع “إله” أسطوري، جهول.
المصدر: النهار العربي