عبد الكافي الصمد – سفيرالشمال
بدت إندفاعة بعض الدول العربية والإقليمية باتجاه سوريا، والإنفتاح عليها تمهيداً لإعادة العلاقات رسمياً إلى ما كانت عليه قبل قطع هذه الدول، تباعاً، علاقاتها مع دمشق قبل نحو 12 عاماً، وكأنّها في سباق مع الزمن؛ إذ لا تكاد دولة ما تقرع أبواب دمشق حتى تعلن دولة أخرى فتح أبوابها أمام المسؤولين السّوريين، وتستقبلهم بحفاوة على أعلى المستويات.
هذه الإندفاعة كرّت مثل حبّات السبحة بعد الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة في تركيا وسوريا معاً، في 6 شباط الماضي. فلم يكد مسؤول عربي أو إقليمي يغادر مطار دمشق حتى كانت تحطّ فيه طائرة مسؤول آخر، بعضهم وطأت قدميه أرض سوريا للمرّة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات. وإذا كانت هذه الإندفاعة حاول البعض إدراجها تحت شعار إنساني فقط، فإنّ السّياسة كانت حاضرة في جميع تفاصيل هذه الزّيارات العربية والإقليمية إلى سوريا.
في موازاة ذلك، كانت عواصم عربية وإقليمية ودولية تفتح أبوابها أمام المسؤولين السّوريين خلال الفترة الزّمنية القصيرة التي أعقبت الزلزال. فمن زيارة رسمية قام بها الرئيس السّوري بشّار الأسد إلى سلطنة عمان، إلى زيارة أخرى قام بها إلى روسيا، وصولاً إلى زيارته يوم أمس إلى الإمارات العربية المتحدة، التي سمع فيها من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد كلاماً واضحاً عن أنّ “غياب سوريا عن أشقائها قد طال، وأنّه حان الوقت إلى عودتها إليهم وإلى محيطها العربي”، في إشارة إلى أنّ عودة العرب إلى سوريا، وضمناً عودة الجامعة العربية إلى دمشق، تمهيداً لعودة سوريا إلى الجامعة الأمّ، هي مسألة وقت ليس إلّا.
وترافق كلّ ذلك مع تسريبات إعلامية عن قرب إستئناف السّعودية علاقاتها مع سوريا بعد زيارة سيقوم بها وزير خارجية المملكة إلى دمشق بعد عيد الفطر، ليعطي إشارة إلى أنّ هذه الإندفاعة العربية تجاه سوريا ستجعل مقاطعة دول عربية وإقليمية ودولية تتساقط مثل أحجار الدومينو.
هذه التطوّرات المتلاحقة جاءت بعد تحوّل دراماتيكي أشبه بالزلزال، عندما أعلنت السعودية وإيران، في 10 آذار الجاري، إعادة علاقاتهما الديبلوماسية برعاية من الصين، في تطور هام إعتبره المراقبون على أنّه نقطة تحوّل وانقلاب في موازين القوى في المنطقة، وفي علاقات دول المنطقة والعالم بعضها مع بعض.
لكن برغم هذه المتغيّرات الهائلة في المنطقة، واندفاعة دول عربية تجاه سوريا، ودقّ دول إقليمية أبواب دمشق بقوّة طلباً لعودة علاقاتها معها كما هو حال تركيا، فإنّ لبنان الرسمي وحده من بين هذه الدول يكتفي بالوقوف متفرجاً وكأنّ الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، برغم وجود ملفات ملحّة وضرورية تجمع البلدين، لبنان وسوريا، تحتاج إلى متابعة ومعالجة كقضية النّازحين (من يتابع هذا الملف حالياً بعد إحالة المدير العام السّابق للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم إلى التقاعد؟)، فضلاً عن العلاقات التي تربط بين البلدين تاريخياً وإقتصادياً، كون سوريا تعتبر الرئة الوحيدة التي يتنفّس لبنان من خلالها في أغلب المجالات، والتي تفترض أن تجعل الزّيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين لا تنقطع على مدار السّاعة.