باسمة عطوي- نداء الوطن
* طويلة: تحوّلت المنصة الى وسيلة “إلهاء” للموظفين عن واقعهم المعيشي المرير ويقولون لهم: “تخيّلوا لو لم يكن هناك صيرفة… شو كان صار فيكن!؟”
يضرب نادر نعيم (استاذ في التعليم الرسمي) كفاً بكف حين يعلم أنه قد يقبض راتبه عن شهر آذار على منصة صيرفة وفقا لسعر 80 ألف ليرة للدولار، في حين أنه تقاضاه الشهر الماضي وفقا لسعر 45 ألف ليرة، ما يعني ان راتبه الذي يبلغ 12 مليوناً و500 ألف ليرة والذي كان يساوي في شهر شباط 277 دولاراً، بات في شهر آذار 156 دولاراً، أي أنه سيخسر 121 دولاراً (43%)، فيما دولار السوق السوداء بلغ امس 120 ألف ليرة.
أداة إذلال
يؤكد نعيم لـ”نداء الوطن” أن “المنصة لم تكن يوماً حلّاً منصفاً لموظفي القطاع العام، بل أداة لاذلالهم بأشكال شتى، بدءاً من صفوف الانتظار الطويلة في بداية اقرارها للحصول على رواتبهم بالليرة، ثم صرفها على دولار المنصة (لاحقاً تولت المصارف عملية التحويل تلقائياً)، مروراً بتوقف المصارف منذ بداية العام عن السماح لهم بالحصول على 400 دولار على سعر منصة صيرفة، حتى ولو كانت رواتبهم تساوي أقل من ذلك (أي وضع فرق المبلغ في حساباتهم الموطنة في المصرف وبالليرة اللبنانية ومن ثم الحصول على دولاراتهم بعد 3 أيام)”.
الإفادة للتجّار والمحظيّين
يضيف: “آخر أشكال الاذلال، تتجلى في تقليص الوقت المتاح لنا لتقاضي رواتبنا عبر الصراف الآلي. بمعنى أنه يتم ابلاغنا من المصرف انه في اليوم الفلاني وفي الساعة المحددة يمكننا قبض رواتبنا، وحين نذهب الى المصرف ونقف في صفوف طويلة، نفاجأ بأنه بعد مرور وقت قليل تتوقف عمليات الدفع، ويتم ابلاغنا انه علينا العودة في يوم آخر”.
ويختم: “نعيش في هذه الدوامة منذ اطلاق المنصة، علماً أن التجار والنافذين يحصلون على أموالهم من صيرفة من داخل المصرف ومع حبة مسك”. حكاية نعيم مع صيرفة، تثبت يوماً بعد يوم عدم جدوى تلك المنصة، حتى كأداة لشراء “سكوت” محازبي ومناصري السلطة السياسية الذين تزدحم بهم الادارة العامة في لبنان، إذ ان ما يحصلون عليه بات أقرب الى “قروش” لا تسمن ولا تغني من جوع، فيما غول التضخم وارتفاع الاسعار يأكل الاخضر واليابس، بفعل تفلت سعر دولار السوق السوداء من أي ضوابط.
أداة تدخّل
يشرح الخبير الاقتصادي جان طويلة لـ”نداء الوطن” أن انشاء منصة صيرفة كان هدفه تأمين بيع وشراء الدولار، ومن شروط نجاحها أن تكون شفافة ويتمكن الجميع من الاستفادة منها، وان يتم أكبر قدر من عمليات بيع وشراء الدولار عبرها”، مشدداً على أنه “كان المطلوب ان تكون منصة حقيقية، وان تتمكن من تحجيم السوق الموازية (السوداء) بأكبر قدر ممكن… هذه الاسباب الموجبة التي تمّ اطلاق المنصة على اساسها. لكن بعد اطلاقها تحولت الى اداة لتدخل مصرف لبنان عندما يرى ذلك مناسباً،عبر تأمين الدولارات للشركات والتجار بأقل من سعر السوق السوداء”.
خسارة من الاحتياطي
يضيف: “هذا التدخل أدى الى مزيد من الخسائر في احتياطي العملات الاجنبية في مصرف لبنان، والتي انخفضت من 31 مليار دولار في تشرين 2019 الى 8 مليارات دولار حالياً. وثلاثة ارباع هذه الخسائر تمّ تكبّدها من خلال صيرفة، إما لتسديد رواتب القطاع العام وإما تأمين اموال التجار والمؤسسات الخاصة”، مشدداً على أن “صيرفة تحولت الى وسيلة بين أيدي السلطات المالية والسياسية لدعم فئة معينة من اللبنانيين على حساب الشعب اللبناني بأكمله، وانحرفت بشكل كبير عن الجدوى الاساسية التي كان من المفروض ان تحققها، علماً أنها في الاساس مخالفة لقانون النقد والتسليف”.
إنعدام الفائدة منها
يرى طويلة أن “انعدام فائدتها المالية بالنسبة لموظفي القطاع العام في الوقت الحاضر، يترجم بشكل واضح ضررها على كل الصعد. فهي عملياً تحولت الى وسيلة “إلهاء” للموظفين عن واقعهم المعيشي المرير، عبر اعطائهم “قروشاً” لا تكفي لتسديد فاتورة، وللقول لهم “تخيلوا لو لم يكن هناك صيرفة شو كان صار فيكن؟!”، لكن عملياً وصلنا الى وضع باتت المنصة بلا فائدة منها حتى بالنسبة لرواتب القطاع العام”.
ويختم: “كل هذا التخبط هو لأن السلطة السياسية والنقدية، لا تريد القيام بالاصلاحات المطلوبة التي تخفف وجع الشعب اللبناني بكل فئاته”.