الجمعة, نوفمبر 22
Banner

“نساء وفواكه وآراء” لحسن داوود: تكلّم أيها الزمن الجميل

دارين حوماني

 

لا يغادر حسن داوود (1950) “الزمن الجميل” في روايته “نساء وفواكه وآراء” (نوفل/ هاشيت أنطوان، 2020) التي اقتبس عنوانها من أحد أحاديث “زوربا” عن العالم الجميل، ولم يبتعد داوود عن كاتب الرواية نيكوس كازانتزاكيس في كشف الحقيقة الباطنية لشخوص رواياته وهو يتجوّل في دواخلهم متنقلًا بين حسان ومحمـد صافي ويوسف ووداد في رواية الأحداث عن أنفسهم وعن باقي المجموعة مع إعطاء حسان المساحة الأكبر لاستدعاء الماضي الجميل ومحاولة استرجاعه، في الوقت الذي باتوا فيه أفرادًا في اتجاهات متفرّقة محمّلين بالألوان الرمادية للحياة، بعدما كانوا “شلّة الشعرا” في كلية التربية قبل خمسين سنة من كتابة داوود لروايته هذه، والتي كتب فيها جزءًا من سيرته الذاتية مطعّمة بالخيال بعد عشر روايات وثلاث مجموعات قصصية بدأ بكتابتها في عام 1984 لم يشترك فيها مع الخاص إلا بما تتسّع من أرضه الداخلية الموصولة بالأسى.

المكان: كلية التربية في الجامعة اللبنانية في بيروت، الزمان: ذروة الخط البياني الذي رسمه محمـد صافي للبنان، يبدأ من عام 1920 ويمضي صاعدًا إلى الساعة العاشرة والنصف من يوم 11 شباط/ فبراير 1968 حين طبع صالح قبلة على فم كاتيا فكانت “أجمل ما حصل في لبنان”، ومن هناك يبدأ الخط بالانحدار. والنساء في رواية حسن داوود هنّ طالبات سنة أولى أدب فرنسي في عام 1968 اللاتي “كأنهنّ جئن إلى لبنان من بلاد أخرى”، والفواكه هي فواكه الشعر التي أضافها محمـد صافي إلى النساء، أما الآراء “فهي قطعًا ليس ما جئنا نتعلّمه في الكلية، إنها ما سنصوغه ممّا قرأنا من الكتب وما حفظناه من كلام متفرّق”.

“أولئك الذين جاؤوا إلى الكلية لكي ينجحوا هم بلا معنى، وأولئك الذين يسألون الدكتور سؤالًا في آخر الحصة هم بلا معنى، وكذلك بلا معنى أولئك الذين بلا عُقد، وبلا معنى أولئك الذين يقول عنهم محمـد صافي بلا معنى، وهم كذلك أولئك الذين يقول عنهم زهير لكن بعد أن يوافقه محمـد صافي أنهم بلا معنى”، سيكتب حسن داوود هذه الكلمات على لسان الراوي حسان ليرسم الهيكل الداخلي لشلّة الشعراء تجاه الآخرين في الجامعة، وليحدّد شخصية محمـد صافي القيادية بعفوية وبدون فوقية بين حسان ويوسف وزهير وشوقي ونقولا وأولئك الذين كانوا يقتربون ويبتعدون في الرواية، إبراهيم علواني وصالح وماهر، كلما بانت أحداث حسن داوود من نافذته المشرّعة على الحنين. قدموا من قراهم النائية إلى بيروت لدراسة الأدب العربي في الجامعة، وليتفرّجوا على بيروت ونسائها محمّلين بنفوس خامّ “هيّ مش متلنا، بتعلق من البوسة”، لكنهم سيجدون أنفسهم وقد بدأوا يشاركون في تظاهراتها الطلابية ضد العدوان الاسرائيلي ودعمًا للعمل الفدائي، ثم فيما بعد يدخلون نفق الحرب الأهلية المظلم، وإذ بالزمن الجميل يتلاشى مع أولى الرصاصات.

يوسف الذي علّمه الخوري في قريته أن يقرأ كثيرًا وبسرعة، لم يكن يفعل شيئًا في وحدته إلا أن يقرأ، ويستمع إلى أسطواناته الموسيقية لريمسكي كورساكوف وتشايكوفسكي وبيتهوفن، لكن ذلك لم يطل كثيرًا، أراد أن يتحرّر من زجر أبيه في القرية ومن بارودة الصيد “فصار هو الزاجر”، وانتسب سريعًا إلى أحد الأحزاب، استبدل غيتاره بالسلاح عند أول رصاصة، وكان يأخذ معه حسان إلى الاجتماعات، لكن حسان المتردّد كان يبقى دائمًا على الطرف، يراقب ما يفعله يوسف في الاجتماع الحزبي إذ كان فقط “يقوم بإزاحة من يرى أنه واقف في طريقه”، ومع الوقت صار يوسف يحاول أن يُفهم حسان أنهما لم يعودا كما كانا “في ذلك التساوي بين رفيقين”، وكان ذلك قبل أن يصير يوسف قائدًا عسكريًا لمقاومين متدرّبين. أولى خسارات حسان كانت وتر غيتار يوسف المقطوع، لم يعد من الممكن إصلاحه “سأبدو كأنني أدفعه دفعًا للعودة إلى زمن فعل كلّ ما في وسعه ليتعدّاه”.

كل ما كان حسان يريده هو البقاء على طرف الحياة في الوقت الذي لم يكن متاحًا لأحد أن يكون على الطرف. كان الجميع وسط اللعبة، أما حسان فكانت له منطقته الوسطى الأخرى، “الوسط المتحرّك غير المستقرّ، الوسط المتردّد حيث يحيّرني كلّ شيء”، هو الحدّ الفاصل بين الداخل والخارج. سيخبرنا صاحب “لا طريق إلى الجنة” عن أحداث 23 نيسان/ أبريل 1969، ساحة البربير، الأعلام، اليافطات، هتافات، رشقات سريعة من الرصاص، “الرصاص يصيب الصدور والرؤوس، والعسكر يقتلون الناس عن قصد”، “أكثر من ثلاثين قتيلا يقول الراديو”، أما حسان فيسأل نفسه بين كل ذلك: “لماذا جئت؟ ولماذا أنا هنا؟”. يفكر حسان أن ما يجب أن يفعله هو أن ينسلّ من بين المتظاهرين ليبقى على طرفها “هكذا أكون ملتصقًا بها من جهة، ومن الجهة الأخرى أكون خارجها”.

 

المصدر:ضفّة ثالثة

Leave A Reply