حسن الدر-
بينما كان يتمشّى مساءً في قاعة عين التّينة نقل له أحد المقرّبين خبر إعلان المرجع الأعلى السّيّد علي السّيستاني أنّ يوم الخميس هو أوّل أيّام شهر رمضان المبارك، وبذلك يكون المسلمون كافّة قد اتّفقوا على بداية الشّهر الكريم، ابتسم الرّئيس نبيه برّي وقال ممازحًا: هذه بركات الاتفاق السعودي الإيراني بدأت من السّماء وعلى أمل أن تنزل قريبًا على الأرض».
أمّا على الأرض اللّبنانيّة الحبلى بالأزمات الطّبيعيّة والمفتعلة فأجواء عين التّينة ملبّدة بالقلق والتوجّس من الإمعان المقصود في تعطيل وتكبيل كلّ مفاصل الدّولة وخنق كلّ فرص الحلول، ولو كانت موضعيّة.
البلد يكاد ينهار فعليًّا في ظلّ شلل المؤسسات وتحليق الدّولار دون ضوابط والتّفلّت الأمني والاجتماعي المتنقّل، خصوصًا مع تقارير أمنيّة خطيرة آتية من أكثر من منطقة لبنانية توحي بتحرّكات مدروسة ومحسوبة كأنّ أحدًا ما ينتظر حدثًا ما ليعيث بلبنان الفوضى الأمنيّة القاتلة.
في السّياق يُسأل الرّئيس نبيه برّي عن غاية المعطّلين وأهدافهم، فيقول، حسب زوّراره، عدّدوا معي:
– دعوت إلى الحوار مرّة وثانية ولم يستجيبوا.
– رفضوا بياضنا(إشارة إلى التّصويت بالورقة البيضاء) خلال 11 جلسة وطالبونا بتسمية مرشّح.
– عندما أيّدنا ترشيح فرنجيّة هدّدوا بالتّعطيل.
– حاولوا تعطيل اجتماعات الحكومة.
– يعطّلون عمل مجلس النّوّاب.
فعلوا ويفعلون ذلك وأكثر، وعندما أقول بأنّ المشكلة «مارونية مارونية» يتّهمونني باتّهامهم ظلمًا.
إنّ أيّ مراقب يستطيع استنتاج فرضيّة واحدة: يريدون الفدرالية أو الكونفيدرالية مرة باسم اللّامركزيّة الماليّة الّتي نرفضها لأنّها غير واردة في الطّائف، نحن مع اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة لأنّها تضمن تسهيل أمور النّاس وتحافظ على مركزيّة الدّولة، ولكن قلنا سابقًا وسنبقى نقول دائمًا: لبنان مثل الذّرّة إذا انقسم انفجر..
والملفت في هذا الإطار ذوبان التّيّار الوطني الحرّ في مواقف القوّات اللّبنانيّة فلا تكاد تجد تمايزًا بينهما رغم رفض الدكتور جعجع لقاء النائب باسيل، ورغم التنافس داخل البيئة الواحدة إلّا أنّ جعجع نجح في تصدّر المشهد الماروني ولا يكاد يتّخذ موقفًا حتّى يجاريه فيه باسيل بل ويزايد عليه، هذا واضح في المواقف من الاستحقاق الرئاسي وأكثر وضوحًا في النقاشات داخل جلسات اللّجان المشتركة كما ينقل أحد النوّاب المشاركين، حيث لاحظ كغيره تبنّي نوّاب تكتل لبنان القوي وجهة نظر تكتل الجمهورية القوية في نهاية المطاف.
في الملفّ الرّئاسي وأجواء اللّقاءات الّتي عقدت، وخصوصًا اللّقاء الأخير الّذي جمع الرئيس بري بسفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري قال بري بأنّ الأجواء كانت إيجابيّة، لم نتّفق ولكن لم نختلف، وبالتالي، فلا بد من التوافق مع المملكة حول الخيار الرئاسي. وهكذا حصل، على ما يبدو، في لقاء باريس الأخير بين السّعوديين والفرنسيين، لم يصلوا إلى رؤية مشتركة ولكنّهم لم يختلفوا والنّقاشات مفتوحة.
وعندما سئل عن استمراره بتبنّي ترشيح سليمان فرنجيه وما يحكى عن مناورات وخطط وتنازلات، قال: كنت مع فرنجيه منذ العام 2016، مضت ست سنوات ولم أغيّر موقفي ولن أغيّره، إذا كان لدى الفريق الآخر مرشّح آخر فليأتِ به ولنذهب إلى جلسة انتخاب ديموقراطيّة وفق الأصول الدّستوريّة ونهنّئ الفائز.
ولكن تبدو الأبواب الدّاخليّة موصدة ولا أمل باجتراح حلول داخليّة، هل علينا انتظار إشارة من الخارج تأتي إلى الفريق المعطّل؟ يجيب الرّئيس: الاتفاق السّعودي الإيراني سيرخي بظلاله على كلّ المنطقة ولبنان جزء أساسيّ منها، إنّها مسألة وقت فاطمئنّوا، نحن متمسّكون بالطّائف الّذي يشكّل ضمانة لوحدة لبنان وبقائه، وإذا كان أعداء الطّائف والوحدة يخطّطون لضربه وبالتّالي ضرب عروبة لبنان وعمقه الاستراتيجي والتّاريخي الّذي تمّ تكريسه في المملكة العربية السعودية بانجاز اتفاق الطائف، تذكّروا الآية الكريمة: يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين!