استمرت الضغوط الهبوطية في التأثير في أسعار النفط الخام في ظل التوترات المصرفية وارتفاع المخزونات النفطية الأمريكية، حيث قد يساعد انخفاض أسعار النفط في تقليص الإمدادات خلال اجتماعات كبار المنتجين المقبلة، خاصة اجتماع لجنة المراقبة الإنتاجية الوزارية لتحالف “أوبك +” في نيسان (أبريل) المقبل.
ويقاوم الاتجاه الهبوطي للأسعار التفاؤل المتجدد بأن الأزمة المالية قد تم احتواؤها وتوقعات الإبقاء على تخفيضات الإنتاج القياسية لتحالف “أوبك +” ما يقلص من المعروض النفطي وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبي في العقود الآجلة للنفط خلال اليومين الماضيين.
ويقول لـ”الاقتصادية”، محللون نفطيون إن الارتفاع الحالي للعقود الآجلة يأتي بعد خسارتها ما يقرب من عشرة دولارات منذ 7 آذار (مارس) الجاري بسبب الأزمة المصرفية، حيث يعود الارتفاع إلى تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين التي أكدت أن الإدارة ستتخذ إجراءات لمنع انهيار مزيد من البنوك.
وذكر المحللون أن هناك حاليا تفاؤلا بأن التوترات المصرفية ستخفت تداعياتها وأنه لن تحدث أزمات مالية أخرى في المرحلة الراهنة، كما تثق السوق النفطية بأن الطلب لن يتراجع وأن حدوث ركود عالمي حاد أصبح أمرا مستبعدا.
وأوضح مارتن جراف مدير شركة إنرجي شتايرمارك النمساوية للطاقة، أن الجهود الدولية التي بذلت حتى الآن لتفادي تداعيات الأزمة المصرفية كانت ناجحة وهو ما يعني استبعاد حدوث انهيارات في أسعار النفط وكل موارد الطاقة الأخرى، مشيرا إلى أن انخفاض الأسعار أدى إلى ظهور توقعات بتدخل تحالف “أوبك +” والإدارة الأمريكية لتوفير دعم ضد مزيد من الانخفاضات.
وأشار إلى أن التحالف يراقب حاليا وعن كثب تحركات الأسعار استعدادا لعقد اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في 3 أبريل وهو من الاجتماعات المهمة والمؤثرة بشكل كبير في السوق، خاصة أن بعض الدوائر الاقتصادية تتوقع التوصية بإجراء تخفيضات إنتاجية أوسع لدعم أسعار النفط الخام بعد تراجعاتها الحادة الراهنة. من جانبه، قال سلطان كورالي المحلل الألباني ومختص شؤون النفط والمصارف، إن كثيرا من دول أوبك تواجه صعوبات في زيادة الإنتاج بسبب مشكلات إنتاجية وتشغيلية، ما جعل الإنتاج أقل من حصتها الفعلية، كما أن الطاقة الاحتياطية لـ”أوبك” منخفضة نسبيا بالفعل وهو ما يضيف علاوة مخاطر على الأسعار، لافتا إلى توقعات صادرة عن “جلوبال ريسك مانجمنت” ترجح خفض إنتاج “أوبك” في الربع الثاني وانتقال السوق من الفائض إلى العجز، ما سيكون له تأثير إيجابي كبير في الأسعار.
ولفت إلى ترقب السوق لخطوة الإدارة الأمريكية المقبلة بشأن إعادة بناء محتمل في احتياطيات النفط الاستراتيجية، مشيرا إلى أن وزارة الطاقة أعلنت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أنها ستعيد شراء النفط من أجل دعم احتياطي البترول الاستراتيجي وذلك عندما تنخفض أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى نطاق نحو 67 دولارا – 72 دولارا للبرميل بهدف إعادة شراء ما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل من الخام، لكن لم يتم حسم هذه الخطوة بعد.
من ناحيته، ذكر جوران جيراس مساعد مدير بنك “زد أيه إف” في كرواتيا، أن معظم التوقعات تصب في مصلحة نمو إنتاج النفط الخام الأمريكي هذا العام، لكن في الأغلب فإن انخفاض الأسعار الأخير قد يقلل من وتيرة هذا النمو، مشيرا إلى وجود دلائل على أن الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري بدأ في التباطؤ، لافتا إلى تقديرات صادرة عن “جولدمان ساكس” ترجح أن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة قد يسحبون منصات الحفر بسبب انخفاض الأسعار الأخير.
وأكد حدوث بعض التعافي في الأسعار في اليومين الماضيين، بينما استمرت الضغوط الهبوطية، معتبرا أن المخاوف من الانهيار المصرفي قد تراجعت إلى حد ما وربما تكون أسعار النفط مهيأة لعودة كبيرة، لكن السوق يحتاج إلى مزيد من التطمينات بشأن الأزمة المصرفية.
بدوره، قال أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة، إن خريطة موردي الطاقة تبدلت منذ وقوع الحرب في أوكرانيا، مبينا أنه قبل عام حظرت الولايات المتحدة استيراد عديد من منتجات الطاقة الروسية ولم تستورد سوى كميات محدودة من الخام الروسي قبل الحظر، بينما لعبت “أوبك” دورا كبيرا في ملء الفراغ الناجم عن هذا الحظر.
وأوضح أن الولايات المتحدة لم تكن قريبة من الاعتماد على سلع الطاقة الروسية مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى إلا أنها لا تزال تستورد كمية كبيرة من النفط الخام والنفط والزيوت غير المكتملة، ما يجعل مهمة استبدال تلك الإمدادات في وقت قصير تحديا لشركات الطاقة، مشيرا إلى تمكن المنتجين والمصافي في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية من التدخل وملء الفراغ الذي خلفته إزالة النفط والغاز الروسيين.
وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس، نحو 1 في المائة إلى أعلى مستوى لها منذ أسبوع، رغم ارتفاع أسبوعي مفاجئ في مخزونات الخام الأمريكية، في الوقت الذي انخفض فيه الدولار إلى أدنى مستوى له منذ ستة أسابيع. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 74 سنتا أو 1.0 في المائة إلى 76.06 دولار للبرميل خلال التعاملات أمس.
وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 64 سنتا أو 0.9 في المائة إلى 70.31 دولار. واتجه الخامان نحو تحقيق أعلى مستوى لهما عند الإغلاق منذ 14 مارس الجاري.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مخزونات الخام ارتفعت 1.1 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 17 مارس الجاري. وتوقع محللون استطلعت رويترز آراءهم تراجع المخزونات بنحو 1.6 مليون برميل.
لكن البيانات الرسمية أظهرت وجود زيادة أقل في المخزونات مقارنة بـالبيانات التي أصدرها معهد البترول الأمريكي الثلاثاء والتي أظهرت ارتفاع مخزونات الخام في الولايات المتحدة بنحو 3.3 مليون برميل.
وارتفعت مخزونات الخام الأمريكية خلال 12 أسبوعا من 13 أسبوعا الماضية، ما أدى إلى زيادة المخزونات إلى أعلى مستوياتها منذ أيار (مايو) 2021.
وتراجعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ 2021 وسط مخاوف من أن يؤدي اضطراب القطاع المصرفي إلى ركود عالمي وخفض الطلب على النفط.
وساعد انتشال بنك كريدي سويس من محنته في مطلع هذا الأسبوع على انتعاش أسعار النفط.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام “أوبك” وسجل سعرها 73.96 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 70.77 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وذكر التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” أمس، أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض حاد سابق وأن السلة خسرت نحو ستة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 78.92 دولار للبرميل.
Follow Us: