منال شعيا – النهار
… الى الدواء مجدّداً. تلك القضية التي تتراكم ككرة ثلج، وترتفع حدّتها تصاعدياً بدل أن تُعالج، إذ شهد هذا الأسبوع، تطوّراً نوعياً في تلك المسألة، ترافق مع الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار وتقلباته السريعة في يوم واحد.
ولا يبدو أن البروتوكول الذي وُقّع، سريعاً، بين نقابة الصيادلة ووزارة الصحة وشركات مستوردي الأدوية هو الحل الأفضل أو الدائم لتلك المشكلة. صحيح أن البروتوكول أوقف الإضراب الذي كان قد دعا إليه نقيب الصيادلة جو سلوم، إلا أنه ليس الدواء الشافي لاستعصاء الدواء في لبنان.
يعلّق سلوم: “همّنا الأول والأساسي كان تأمين الدواء. لذلك، وقّعنا البروتوكول، إلا أنه سرعان ما شهدنا الثغرات في التطبيق، ونحن في صدد البحث عن صيغة أخرى”.
ويقول لـ”النهار”: “ما دامت الصيدليات تتسلّم الأدوية، فهي سبتقى مفتوحة أمام خدمة المرضى”.
لكن ماذا تعني بالثغرات، هل ثمة شركات لم تسلّم الأدوية، وما هي الصيغة بالتالي؟
يجيب: “لا. إن الشركات التزمت تسليم الأدوية. لكن الثغرات تعني مشاكل وآليات في التطبيق، أي من حيث إدارة التسليم وطريقته”.
أي إن البروتوكول، وفق سلوم، “معلّق. والبحث جار عن حلّ آخر”.
تسليم الأدوية
ببساطة، حين وُقّع البروتوكول بعودة تسلّم الدواء، عادت الصيدليات عن إضرابها وفتحت أبوابها. حتى إن البعض منها كان قد أقفل أصلاً، قبل أن تصدر الدعوة النقابية الى الإضراب، لأن لا دواء عندها، أو لأنها لا تعرف على أيّ سعر أو سقف ستبيعه. فاذا وجد، فليس له سعر ثابت. ففي ذلك اليوم، كان الدولار صعد وهبط وعاد وصعد، حتى استقرّ على عتبة تزيد عن المئة ألف. فكيف سيتعامل المريض إزاء وجعه في بلد مماثل؟
مشكلة الدواء تعود بشكل أساسي الى التلاعب بسعر صرف الدولار والانهيار الدراماتيكي لليرة اللبنانية، بحيث، عند كل ارتفاع للدولار، تتوقف شركات الادوية عن تسليم الصيادلة الدواء، وهذا يضع المواطن والصيادلة معاً في دائرة التأزم.
قبل أيام، اضطر وزير الصحة فراس الأبيض الى إصدار مؤشر أسعار الأدوية، ثلاث مرات في اليوم الواحد، لأنه ينطلق من مبدأ أن لا دولرة للدواء في لبنان.
في المقابل، عند كل ارتفاع أو تلاعب للدولار، تمتنع الشركات المستوردة عن تسليم الأدوية، فتتحوّل حبة الدواء الى سلعة تباع في السوق السوداء.
يعتبر سلوم أن “هدفنا الأساس ألا يتحول الدواء سلعة. لذلك، نحن نسارع الى كل الحلول الممكنة كي تبقى الصيدليات مفتوحة أمام المواطن. ففي حال الإقفال، يدفع المواطن الثمن الأكبر”.
أين السياسة؟
البروتوكول الذي وُقّع بين الأطراف الثلاثة المعنيّة بالدواء لا يمكن أن يكون الحل الدائم لتلك المشكلة، لأنه اعتمد تسليم الفواتير مسعّرة بالدولار الأميركي، في الأسفل، على أن تبيع الصيدلية للمواطن الدواء بالليرة وفق المؤشر، هذا مع تعهّد وزير الصحة بإصدار أكثر من مؤشر إذا تلاعب الدولار في اليوم الواحد.
وإن كان مجلس نقابة الصيادلة يعقد اجتماعات دورية لمتابعة الملف، فثمة “اتهامات” له بأنه يعمد الى تسييس الموضوع وسط الأزمة المفتوحة أصلاً على أكثر من ملف وقضية؟
يردّ سلوم: “إن إعلان الإقفال والعودة عنه بسبب تأمين الأدوية هو الجواب الأكيد على عدم تسييس الملف، وإلا لكنا استمررنا. نحن في حالات استنزاف منذ فترة طويلة، والترقيع لن ينفع. إن تسليم الأدوية هو العامل الوحيد الذي دفعنا الى العودة عن الإضراب. أما إن كانت المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة إنقاذ للسير بالإصلاحات هو السياسة، فنحن مع أكبر عملية تسييس، لأن ملف الصحة والدواء ليس منفصلاً عن الأزمات الوطنية ولن يستقيم إلا بإعادة الانتظام العام الى السياسة في لبنان. فنحن لسنا منفصلين عن الواقع، لا بل أكثر من يتأذى من الأزمات السياسية”.
عظيم … أيّ حل إذن لحبة الدواء: هل هو الدولرة أم مؤشر أسعار يصدر أكثر من مرة في اليوم الواحد، أم بالصيغ التي تأتي في ربع الساعة الأخير؟!… باختصار، حتى الساعة، لا شيء يمنع من جديد رفض الشركات المستوردة من تسليم الدواء… هكذا، مجدّداً اللبناني ممنوع أن يمرض… وإذا مرض فلا ضمانات بتأمين الدواء له في الوقت المطلوب… بات لبنان أمام شبح الانهيار الكلي… لا بل في قعر الانهيار!