باولا عطية – المدن
تعتبر خدمة “الفاليه باركينغ” من خدمات الرفاهيّة التي يتمتّع فيها القطاع السياحي في لبنان، والتي أدرجت منذ حوالى 25 عاماً على لائحة القطاع الخدماتي. إلاّ أنّ هذه الخدمة تحوّلت من رفاهّة إلى معاناة حقيقيّة للمواطنين الباحثين عن مواقف لسياراتهم. والسبب يعود إلى فوضى عارمة في التسعيرات. ففي لبنان أكثر من 70 شركة تقدّم هذه الخدمة. 15 شركة منها مرخّصة فقط (4 من هذه الشركات فقط اكتملت ملفاتهم في بيروت في 6 حزيران 2022). تتوزّع من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وتحتكر الطرقات، والتي من المفترض أن تكون أملاكاً عامّة للمواطنين، مانعة أيّ شخص من ركن سيارته من دون دفع “ضريبة” للشركة. وإلى جانب “الفاليه باركينغ” تأتي المواقف التي تتمركز في نقاط الاكتظاظ في كلّ منطقة، لتضع بدورها تسعيرات عشوائية بدل ركن السيارة داخلها.
فوارق جنونيّة بالأسعار
وفي جردة سريعة على الأسعار، قد تصدمكم الفوارق بين منطقة وأخرى. فاذا حالفكم الحظ، قد تجدون مواقف شبه مجانية في كلّ من مناطق صيدا وطرابلس وعكّار. أمّا “الصفّة” في منطقة زغرتا، وتحديداً بنشعي فتكلفتها 70 ألف ليرة، و80 ألف ليرة في مواقف البترون. أمّا في جبيل فقد تصل إلى 100 ألف ليرة. وفي ضبيه وأنطلياس قد تتفاوت التسعيرة بين شركات “الفاليه باركينغ”، فمنها من يطالب بـ100 ألف ليرة والبعض الآخر بـ400 ألف ليرة. وإذا طلب الزبون ركن سيارته قرب المدخل فقد تصل التسعيرة إلى مليون ليرة أو مليونين ليرة (خصوصا في المطاعم الفاخرة). فيما بعض الشركات لم تضع تسعيرة لبدل خدمة صفّ السيارات، وتطلب من الزبون دفع ما يريد، وطبعا ليس أقلّ من 50 ألف ليرة.
أمّا الأسعار الخياليّة فجاءت في شوارع بيروت، وتحديدا مار مخايل والجميزة، المقصد الأوّل للشباب والصبايا للسهر. ففي هذه المناطق يستحيل أن تجدوا موقفاً على الطريق قرب المحلّ، حيث يُفرض على المواطن ركن سيارته في أحد المواقف الخاصّة، التي لا تضع تسعيرة واضحة على المدخل، لتختلف من مواطن لآخر، حسب شكل سيارته وما إذا كانت تعكس نوعاً من الفخامة أو الثراء. أصحاب السيارات العاديّة محظوظون. حيث لن تتخطى التعرفة 100 ألف ليرة. أما لأصحاب السيارات الفاخرة قد تتجاوز الـ5$. وإذا أردتم تسليم السيارة لـ”الفاليه” فلكلّ تسعيرته الخاصة. وإذا حاولتم ركن السيارة على جنب الطريق العام فتحضّروا لتسطير محضر ضبط بحقكم.
قرارات لم تطبّق
هي فوضى علنيّة في الأسعار، في ظلّ غياب أي قرار رسمي عن وزارتي السياحة والبلديات يحدّد تعرفة موحّدة لأصحاب “الفاليه باركينغ”. فكافة القرارات تعود إلى سنوات سابقة، أحدثها قرار محافظ بيروت صدر عام 2022 وحدد بموجبه تعرفة الفاليه باركينغ بـ20 ألف ليرة، بالإضافة إلى ضوابط وشروط للمواقف، لكن لم يتمّ الالتزام بأي منها.
السياحة والداخليّة: لا علاقة لنا
في هذا الإطار، أكّدت مصادر مقرّبة من وزارة السياحة في حديثها لـ”المدن” أنّ “لا علاقة لا من قريب ولا من بعيد للوزارة بعمل “الفاليه باركينغ”، معتبرة “أننا في اقتصاد حرّ يسمح لكلّ جهّة التسعير كما يحلو لها وفق مبدأ المنافسة. فكما لا تستطيع الوزارة توحيد أسعار أطباق المأكولات في جميع المطاعم، لا يمكنها توحيد سعر “الخدمات”. و”الفاليه باركينغ” هو خدمة، فوحدها السلع في السوبرماركات يمكن توحيد أسعارها، وتراقبها جمعية حماية المستهلك”.
ومن جهتها أكّدت مصادر وزارة الداخليّة أنّ “الوزارة لا تتدخّل بأسعار خدمة “الفاليه”، وهذا الملفّ ليس عندها”، فاصلة “بين مسألة “البارك ميتر” و”الفاليه باركينغ”.
أمّا محافظ بيروت القاضي مروان عبّود فلفت في حديثه لـ”المدن” إلى قراره السابق الصادر عام 2022، مشدداً على أنّ “كل شركة تخالف هذه الشروط سيتمّ نزع رخصتها وعلى المتضررين تقديم شكوى لدى بلديّة بيروت”.
المسؤوليّة تقع على “السياحة” و”الداخليّة”
وفي الإطار نفسه أوضح المهندس باسم العويني، مدير مصلحة المؤسسات المصنفة في بلدية بيروت، في حديثه لـ”المدن” أنّ “المسؤول عن تنظيم عمل هذه الشركات هو كلّ من وزراتي السياحة والبلديات”، مستنداً على القرار التنظيمي المشترك الصادر عن كلّ من وزير الداخليّة آنذاك نهاد المشنوق ووزير السياحة أفيديس كيدانيان، ويحمل الرقم 1536 صادر بتاريخ 21 -9- 2011 ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29 -9- 2011 في العدد 45، تبعه قرار تعديلي للقرار المشترك يحمل الرقم 1569 أدخل تعديلات على بعض احكام القرار المشترك رقم 1536 المتعلق بتنظيم عمل راكني السيارات “فاليه باركينغ”. من هذه التعديلات، الالتزام بالتعريفة الرسمية المحددة بـ5 آلاف ليرة تدفع لقاء ركن السيارة”.
ما يعني أنّ وزارتي السياحة والبلديات هما الجهتان المسؤولتان عن تنظيم عمل شركات “الفاليه باركينغ” في لبنان، يتابع، وكلّ ما صدر عن الجهتين في هذا الموضوع هو حديث غير دقيق”.
ويكمل العويني “عاد محافظ بيروت وأصدر قراراً جديداً بعد مراجعة دائرة القضايا القانونية في بيروت التي اعطته الصلاحية بتعديل تعريفة ركن السيارات داخل بيروت، فرفعها في 30 آذار 2022 إلى 20 ألف ليرة. وكان سعر صرف الدولار في السوق السوداء آنذاك 30 ألف ليرة”.
ويلفت إلى أنّ “المحافظ قام بتعديل بدل مواقف سيارات العموم في بيروت أيضاً بقرار آخر صدر بكانون الثاني 2023، لتصبح الكلفة في المواقف المكشوفة 20 ألف ليرة من 0 إلى 3 ساعات، و35 آلف ليرة من 3 إلى 6 ساعات، و50 ألف ليرة من 6 إلى 24 ساعة. أمّا لاشتراك الشهري فهو 500 ألف ليرة (وكان 275 ألف ليرة قبل التعديلات الجديدة). أمّا الركن تحت الأرض، ولأنه يتطلّب أعباء تشغيليّة أكبر من إنارة وتهوئة فأصبحت تسعيرته 30 ألف ليرة من 0 إلى 3 ساعات و45 ألف ليرة من 3 إلى 6 ساعات و70 ألف ليرة من 6 إلى 24 ساعة والاشتراك الشهري 700 ألف ليرة (وكان الاشتراك الشهري 350 الف ليرة).
ويختم حديثه بالقول “نحن لم نتهرّب كغيرنا من المسؤولية، مع العلم أنّ هذه المسألة ليست ضمن صلاحياتنا. إلا أننا حاولنا المساعدة قدر الإمكان ضمن الحقوق التي تسمح بها القوانين. فوضع تعريفة موحّدة لكلّ شركات “الفاليه باركينغ” في لبنان تحتاج إلى تعديل القرار بقرار والمرسوم بمرسوم، حسب مبدأ موازاة الصيغ. ما يعني أنّ التسعيرة الرسميّة اليوم “للفاليه باركينغ” على جميع الأراضي اللبنانية ما عدا بيروت لا تزال 5000 ليرة! وطبعا لا ننكر أنّ الـ20 ألف ليرة أيضاً لم يعد لها قيمة، إلاّ أننا نواجه مشكلة تقلبات سعر الصرف المستمرّة والتي تمنعنا من وضع تعريفة ثابتة عادلة”.
الحقّ على الدولار
وفي اتصال “المدن” مع صاحب إحدى شركات “الفاليه باركينغ” للاستفسار عن سبب ارتفاع أسعار بدل خدمة ركن السيارات، برّر بأنّ “الشركة تتكلّف يد عاملة وهي ترتفع كلّ شهر مع ارتفاع سعر صرف الدولار، إلى جانب إيجار المواقف والتي تتخطى 100 ألف دولار فريش في السنة، بالاضافة إلى ثمن الأدوات وبدلات فريق العمل، وكلّها تكاليف مرتفعة تتكبّدها المؤسسة”.
وعن تسعيرة الـ20 ألف ليرة أجاب ضاحكاً “عن أي 20 الف ليرة نتحدّث، فلا قيمة لـ20 ألف ليرة”.