طارق ترشيشي – الجمورية
دقّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جرس الإنذار في وجه الجميع، محذّراً من تعاظم الأخطار التي تتهدّد البلاد المنهارة على كل المستويات، رافضاً جعله «شمّاعة» يعلّق عليها الجميع اسباب كل الأزمات، وواضعاً إيّاهم أمام مسؤولياتهم، ومحدّداً «ارتكابات» كل فريق وأخطائه التي حالت ولا تزال تحول دون الدخول في آفاق الانفراج عبر انتخاب رئيس جمهورية جديد.
يقول قريبون من ميقاتي، انّ في إمكانه ان يعتكف وهو اسهل ما يمكن ان يقوم به لو كان يفكر في مصلحة شخصية، ولكنه رغم اعترافه بأنّ قدرته على التحمّل باتت «قيد النفاد»، يدرك انّ عليه الاستمرار في قيادة السفينة بالتعاون مع الجميع، علّها تصل إلى شاطئ الأمان بإنجاز الاستحقاقات الدستورية ووضع البلاد على سكة الانفراج. وحسب هؤلاء المقرّبين، فإنّ الرجل ومنذ تأليف حكومته، مرّ بكثير من الصعوبات التي كانت تعطيه الحق في الذهاب إلى الاستقالة، الّا انّه لم يفعل وبقي مراهناً على تغلّب النيّات الحسنة على السيئة، الأمر الذي لم يحصل، ما فرض عليه الاستمرار في تحمّل المسؤولية وكل التبعات، بروح الأمل في الخروج يوماً من النفق المظلم الذي لم يلج فيه بعد أي ضوء حتى الآن.
ويسجّل القريبون أنفسهم، انّ من النادر لميقاتي أن اتخذ خطوة منذ تحمّله المسؤولية من دون ان تواجه باعتراض من هناك وتشكيك من هناك، لا لشيء، إلّا لأنّ المعترضين والمشكّكين يسعون غالباً إلى مصالح شعبوية اعتقاداً منهم انّها تخدم مصالحهم في الاستحقاق الرئاسي وسواه، ولو على حساب اوضاع البلد وعيش أبنائه. ويضيف هؤلاء، انّ ميقاتي في ما يقوم به وفي ما عبّر عنه بعد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة «انما غلّب الدور الوطني على أي أدوار اخرى»، داعياً الجميع الى تأديتها حفاظاً عل وجود البلاد ومصيرها. ولو كان يفكر في مصلحة شخصية لكان استقال منذ زمن بعيد، ولكان استقال حالياً امام هذا الكم من الاتهامات والشتائم والأضاليل التي يسوقها البعض ضدّه، «فالرجل ليس مقطوعاً من شجرة، وانما ينتمي إلى الطائفة الاسلامية السنّية المؤسسة في البلد، والتي تعتبر نفسها الوعاء الجامع للجميع، وهو لم يكن يوماً مستفزاً لأحد ولن يكون الآن، كذلك، ما كان من هواة التحدّي والكيدية ولن يكون»..
ولذلك، يقول القريبون أنفسهم، انّ ميقاتي «دقّ جرس الإنذار ليسمعه الجميع منه انّه «ما بقا فينا نكفّي هيك». ولذلك أجمع الوزراء في الجلسة الاخيرة على ترك القرار له في شأن التوقيت الصيفي، فبادر فوراً إلى إلغاء هذا القرار بتمديد العمل بالتوقيت الشتوي لشهرـ ليُعاد باعتماد التوقيت الصيفي «حفاظاً على وحدة البلد» على حدّ تعبيره امام هؤلاء القريبين وعلى مسمع جميع الذين اتصلوا به.
وحسب القريبين «انّ ما يدفع ميقاتي إلى الصبر وإطالة البال وعدم الاندفاع إلى اي خطوة تزيد من خطورة التعطيل والفراغ القائمين هو «إدراكه خلفية جميع المتحاملين عليه وأهدافهم، فهؤلاء يهربون إلى الامام من استحقاقات يعجزون حتى الآن عن خوضها، او يخشون إن خاضوها ان يصيبهم الفشل بعد الشعارات الكبيرة التي رفعوها واصطدموا بواقع انّهم غير قادرين على تحقيقها، وانّ عليهم التخلّي عنها لمصلحة التوافق مع الآخر، ما يظهرهم وكأنّهم سقطوا في التحدّي».
والملاحظ انّ ميقاتي لم يتهم فريقاً بعينه في ما يتعرّض له، او في التعطيل القائم، وانما اتهم الجميع، كما انّه حمّل مسؤولية الأزمة للجميع على الضفتين، واعتبرهم وكأنّهم شركاء في التعطيل والتعطيل المضاد، من حيث يدرون او لا يدرون.
فهو كما قال، انّ موضوع استمرار العمل بالتوقيت الصيفي خلال شهر رمضان أُريد منه إراحة الصائمين لساعة من الزمن، من دون ان يسبب ذلك اي ضرر لأي مكون لبناني آخر»، وأشار إلى انّ هذا الامر سبقته اجتماعات مكثفة على مدى اشهر بمشاركة وزراء ومعنيين، ولم يكن إبن ساعته، خصوصاً انّ مثل هذا القرار كان اتُخذ في سنوات سابقة.
واستغرب ميقاتي كيف انّ البعض اعتبر القرار تحدّياً له وأعطاه بعداً «لم اكن اتصوره»، مؤكّداً انّه «لم يتخذ قراراً ذا بُعد طائفي او مذهبي»، معتبراً انّ من اعطوه هذا الطابع ارادوا الهروب من المشكلة التي هي سببها نتيجة الرفض والسلبية لهذا المرشح او ذاك لرئاسة الجمهورية، ما جعل الأزمة تستمر بفعل استمرار الفراغ الرئاسي»، وحدّد المشكلة بأنّها كامنة في الفراغ في الموقع الاول لرئيس الجمهورية، الذي قال انّه لا يتحمّل مسؤوليته وانما تتحمّله القيادات السياسية والروحية المعنية، وبالدرجة الاولى الكتل النيابية التي فضّت 11 جلسة انتخابية سابقاً وتعهّدت بعدم تأمين النصاب في جلسات لاحقة من دون ان تتفق على مرشح يواجه المرشح الآخر».
وفي أي حال، فإنّ فريقاً من السياسيين رأى انّ ميقاتي بمقدار ما عبّر عمّا يواجهه من حملات واتهامات بـ»التبعية لهذا او ذاك، او لهذه الجهة الحزبية او لهذا المحور او ذاك، فضلاً عمّا يكابده من الصعاب والعراقيل في مواجهة حرصه على استمرار العمل في المرافق العامة إلى حين قيام السلطة الجديدة، بمقدار ما كان كلامه تعبيراً عن الاستمرار في مهماته وحضاً للجميع على تحمّل المسؤولية معه لعبور المرحلة وإنقاذ البلاد من الانهيار، بدليل قوله انّ «اسهل ما يمكن ان اقوم به هو الاعتكاف عن جمع مجلس الوزراء، وأصعب ما اقوم به هو تحمّل المسؤولية». ولذلك هو لن يعتكف او يستقيل من مهماته، ولكنه لن يقبل في الوقت نفسه ان يكون دوماً وحده من يتحمّل المسؤولية عن كل شيء حصل او سيحصل، فيما المسؤولية تقع على عاتق الجميع، حسب قريبين منه.