حسن الدر –
ربّ ضارّة نافعة وربّ ساعة أرادها نبيه برّي تخفيفًا عن الصّائمين فقابلها آخرون بمنطق خارج عن الانسانيّة والوطنيّة والدّين، كانت رمية من غير رامٍ لتفضح عنصريّة باسيل!
برّي-فوبيا عقدة تراكمت آثارها منذ هُزمت المارونيّة السّياسيّة على أيدي قادتها الجدد الّذين تقاتلوا وتناحروا فنحروا الدّور والوجود المسيحيَين واعتمدوا سياسة التّظلّم وبحثوا عن شمّاعة يعلّقون عليها فشلهم كي لا يقعوا فريسة فضيلة الاعتراف بالخطأ.
كان الوجود السّوري هدفًا سهلًا فلم يقصّروا في المناداة «بتحرير لبنان» علمًا أن سوريا دخلت بطلب مسيحي وتنسيق عربي، وذهب ميشال عون بعيدًا في خطابه العدائي من منفاه حدّ المطالبة بضرب سوريا فكان القرار 1559 بداية الخراب اللّبناني والإقليمي الّذي بدأ باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستكمل بضرب سوريا بحجّة الرّبيع العربي، ولم يتوانَ عون عن الادّعاء بأنّه «بي 1559».
عاد عون وخرج جعجع بسبب دم الرئيس الشهيد، وما لبثا أن افترقا بعد عناق لم يدم أشهرًا بسبب العقليّة نفسها الّتي فرّقتمها عام 1989.
اختار عون التفاهم مع حزب الله، انقلب على جميع مواقفه السّابقة في لحظة واحدة، وقرّر جعجع البقاء رأس حربة في مواجهة الحزب وقدّم نفسه القاّئد الشّجاع الّذي لا يخشى المواجهة السّياسيّة وحتّى الأمنيّة، وكانت الطّيّونة مثالًا.
عشرة أعوام من التّنافس بين القوات والتّيار، لم يجتمعا على شيء إلّا على رفض سليمان فرنجية رئيسًا للجمهوريّة، ثمّ افترقا مجدّدًا بعد أشهر قليلة بسبب العنجهيّة نفسها الّتي فرّقتهما مرّتين سابقتين.
وصلنا إلى الاستحقاق الرّئاسي الحالي، التقيا نفسيًّا على رفض فرنجية مجدّدًا، ولم يلتقيا سويًّا بسبب استعلاء جعجع على باسيل وعدم اعتباره ندًّا له كعمّه عون.
راهن جعجع على الموقف السّعودي ومعه الأميركي والفرنسي بإعتبارهم مناوئين لحزب الله وسيرفضون حتمًا أيّ مرشّح قريب من الحزب، وكلّما كان الاشتباك الإقليمي والدّولي على أشدّه كان جعجع يرفع من منسوب خطابه باعتباره رأس الحربة في وجه الحزب.
انفصل باسيل عن حليفه الوحيد بعد إبلاغه السّير بفرنجيه مرشّحًا وحيدًا، ناور باسيل كثيرًا وحاول الضّغط على الحزب في شارعه وراهن على الأحداث في إيران بعد وفاة الشّابّة «مهسا أميني».
يؤكّد مصدر مطّلع على أنّ باسيل كان يراهن على إضعاف إيران وتنازل الحزب في لبنان مستفيدًا من تسهيل ملف ترسيم الحدود البحرية وفتح القنوات مع الامريكيين من خلال قطر.
الاتفاق الايراني السعودي الّذي وصف بأنّه زلزال سياسي في المنطقة ضرب معراب وميرنا الشالوحي وسبّب إرباكًا وقلقًا للسّاكنين هناك.
بالنّسبة لجعجع قضى الاتفاق على سرديّته القائمة على مناهضة الحزب في ظلّ التوجّه نحو التّهدئة في كلّ المنطقة، وقد سمع جعجع هذا الكلام من سفير المملكة في لبنان في لقائه الأخير معه.
مصادر خاصّة بـ«اللّواء» تقول بأنّ جعجع شعر بخطر امتداد التّسوية على لبنان لأنّ البخاري كان حذرًا في كلّ كلمة قالها عن الاستحقاق الرّئاسي ولم يعطِ أيّ موقفٍ سلبيّ من أيّ اسم مطروح.
وبالنّسبة إلى باسيل فقد استطاعت طهران فكّ عزلتها ووقّعت اتّفاقًا أهم من الاتّفاق النّووي بأضعاف وبالتّالي ارتاحت داخليًّا وخارجيًا وسقطت رهانات السّياسيّ المتقدّم والمتحضّر..
أمّا نبيه برّي فلم تخب نظريّته وإن دفع ثمنها غاليًا في السّنوات السّابقة، برّي الّذي قدّم نفسه «شيعيّ الهويّة سنّيّ الهوى عربيّ الانتماء» في عزّ الاشتباك السّنّي الشّيعي في المنطقة وفي عزّ التّرويج لمشروع فارسيّ مفترض، يومها لم يراهن على لغة طائفيّة أو خطاب مذهبيّ وآثر الخسارة باسم الوطن على الرّبح باسم الطّائفة، وبعد سنوات من القتال الطّاحن في ميادين الحرب والسّياسة والإعلام ربح برّي رهان السّلام والتّفاهم وسارت الأمور كما ينبغي لها أن تسير.
بري-فوبيا مبرّرة، فليس من عادة فاشل أن يحبّ ناجح، ولا سمعنا عن مهزوم أحبّ هازمه، والجميل في «معركة السّاعة» أنّ برّي كان ينظر في ساعته بانتظار آذان المغرب بينما كان «دونكيشوت» الجديد يحتفل بانتصاره المقيت.
مبارك عليك «ساعتك» الطّائفيّة و «hard luck» في الاستحقاق الرّئاسي لستّ سنوات قادمة وربّما أكثر..