أزمة قطاع الإتصالات الحالية لم تبدأ اليوم مع إضراب موظفي أوجيرو، بل بدأت فعليا مع تهريبة مرسوم رفع تعرفة الإتصالات الأخير، الذي صدر دون التشاور مع القطاع الخاص.
ففي أواخر العام المنصرم، وتحت ذريعة التّدهور الحاّد الذي شهده قطاع الإتّصالات وبحجّة إنقاذ هذا القطاع الحيوي للإقتصاد، تمّ أخذ القرار بإصدار مرسوم التعرفة الجديدة.
هدف هذا المشروع أولا وفي الظاهر إلى مساعدة هيئة أوجيرو المأزومة، ومعالجة الوضع المالي المأساوي الذي تعاني منه, إلا أن الواقع كان شنّ معركة عنيفة ضدّ القطاع الخاصّ، وذلك بهدف إصدار مرسوم لطالما نبّه منه هذا القطاع، محدّدًا أنّه لن يحسّن وضع أوجيرو بل هو سيقضي على القطاع الخاصّ بكامله، وسيقضي على أوجيرو في نفس السياق.
وتجدر الإشارة إلى أن, الشركات الخاصّة طالبت منذ البداية، بإبقاء التّكلفة والتّسعيرة مرتبطتين بالدولار الأميركي نظرًا لتغيّر سعر الصرف، حيث كان يساوي الدولار حينها تقريبًا 20,000ل.ل، وتابع منذ ذلك الحين الإرتفاع المطّرد إلى أن تخطى عتبة المئة ألف ليرة. إلّا أنّ الوزارة وهيئة أوجيرو رفضتا إقتراح الشركات وتجاهلتا الإنذار بالكامل. فمرّ المرسوم، وظنّ اللبنانيون أنهم لن يتجرعوا الكأس المرّة، ولن تنقطع الإتصالات.
أين نحن اليوم؟ وضع قطاع الإتصالات “تعتير بتعتير”… إضرابات لامتناهية، سنترالات تتهاوى، إنترنت متقطّع وبطيء، شركات بالآلاف أعمالها متضررة وحتى مشلولة.
ويقول البعض أنّ السبب الرئيسي لوضع قطاع الإتّصالات، هو عجز هيئة أوجيرو عن تغطية تكاليفها أو عن زيادة رواتب موظفيها، وهو بالتالي مدخولها القليل وغير الكافي. أوجيرو تطالب تغيير أسعار الخدمة. إلّا أنّه لا يمكن القيام بذلك إن لم تتّبع أوجيرو ما ذكره الوزير القرم لجريدة النهار عن تغيير الأسعار.
وقال القرم أنّه: “ينبغي تسعير الخدمة بالدولار الأميركي إذا تمّ فرض أسعار التّكلفة على الشركات الخاصّة بالدولار الأميركي وإنّ معارضة هذا الإقتراح هو بمثابة محاولة القضاء على القطاع الخاصّ بكامله، على أوجيرو إضافة، وهذا أمر غير مقبول ولا يمثّل الشراكة التي يجب أن تقوم بين القطاعين العامّ والخاصّ.
في نفس السياق، لافتةٌ كانت مطالبة مدير عام أوجيرو عماد كريدية منح الهيئة إستقلاليتها المادية والمعنوية. في ظلّ الأزمة الحالية التي اشتدت على القطاع بشكل غير مسبوق، مهدّدة بعزل لبنان عن العالم، إرتأى المطالبة بالإستقلالية.
كيف نسي، أو تناسى، تقرير ديوان المحاسبة الصادر عن القاضية زينب حمّود، والذي يؤكّد بوضوح لا لبس فيه وجود قضايا فساد في أوجيرو؟
كيف يطلب الإستقلالية المالية، مع وجود تقرير خطير صادر عن أعلى سلطة رقابية في الدولة اللبنانية، يشير إلى فساد؟
من هو المستفيد من الوضع الحاليّ؟ وبعد، لماذا تحولت قضية الموظفين المحقة إلى حرب شرسة على القطاع الخاص؟ ولماذا حُوّلت المشكلة والأنظار صوب القطاع الخاص والشركات، التي إتّهمت بأنّ عليها أن تدفع أكثر، في حين كانت الهيئة هي نفسها وراء مرسوم رفع التعرفة، لا بل أنّها هي من صاغ المرسوم بالكامل، وفرضه بالقوّة على طاولة مجلس الوزراء، تحت طائلة إنقطاع لبنان عن العالم.
ليبانون ديبايت