الأحد, ديسمبر 22
Banner

التنقلات أزمة مزدوجة للعمال والشركات…

 روان أسما – النهار

بين تأخير السّاعة وتقديمها وقراءة ما بين سطور قرارات كهذه، ساعة اللبناني معطّلة دون حراك، فكلّ ساعة هي ساعة غضب بدءاً من مشاكل حياته المعيشيّة، الاقتصاديّة، النفسيّة حتى تلك الاجتماعيّة. العمل اليوم هو الطريق الوحيد للنجاة من الفقر والعوز فكيف لو كان السبيل إليه مقطوعاً؟ وماذا لو لم يكفِه كلّ ما يجنيه بدل تنقّلات للوصول إلى العمل؟ وإن كنّا نعمل ندفع ما نجنيه ثمن محروقات وسيارات أجرة، فكيف نعيش؟

ينال المواطن اللبناني راتباً اليوم حدّه الأدنى مليونان وستمئة ألف ليرة لبنانية مع بدل تنقّلات بحدود الـ95 ألفاً عن كل يوم حضور، وعليه أن يدفع ثمن صفيحة البنزين 1.986.000 ليرة أو 400.000 ليرة ذهاباً وإياباً إلى العمل بواسطة “السرفيس”، علماً أنّ هذا المبلغ بالكاد يكفيه 5 أيّام حضور إلى العمل شهريّاً وصفر مواد غذائيّة ومصاريف منزليّة.

الدولار الأميركي قضى على الليرة اللبنانية وهو يواصل ارتفاعه الجنونيّ بمسار تصاعديّ حادّ وسريع حيث بلغ الـ145 ألف ليرة بمواكبة صيرفة التي ترتفع مع كل ارتفاع. فصيرفة له بالمرصاد، كلّما شاء أن يتعدّى حدوده التي اعتاد عليها اللبنانيّون ارتفعت هي فخفّضته. لكن تأثيرها ضعيف وسريع الذوبان، إذ ما هي إلّا بضعة أيّام حتى يستجمع قواه ويتخطّاها بأشواط.

وراتب موظّف الدولة طبعاً جزء لا يتجزّأ من حرب الدولار وصيرفة، اذ كلّما ارتفعت صيرفة انخفض الراتب حتى يصل راتب الموظف إلى 35 دولاراً أيّ سعر وجبتين رمضانيّتين لشخصين. كل هذا، وتتسارع المطالبات برفع الحد الأدنى للأجور، الذي لو تم، سينعكس مشكلة إضافية بحسب الخبراء الاقتصاديين لأنه لا يتزامن مع خطة اقتصادية ومالية ونقدية، ما يرتّب أعباء مالية إضافية على الدولة وصولاً إلى التضخم.

وكانت لجنة المؤشّر التي تضمّ وزارة العمل والهيئات الاقتصاديّة والاتحاد العمّالي العام أقرّت في اجتماعها يوم الجمعة 13 كانون الثاني “زيادة مليون و900 ألف ليرة على الزيادات السابقة على الضمان الاجتماعي. وزيادة بدل النّقل إلى 125 ألف ليرة يوميّاً”، القرار الذي لم يُحل إلى مجلس الوزراء ولم يُقرّ لتُعاود اللّجنة وتقرّ يوم الخميس 2023/03/30 باعتماد الحدّ الأدنى للأجور بـ9 ملايين ليرة لبنانية، و250 ألفاً لبدل النقل، على أن يُصرَّح بكامل الأجر للضمان الاجتماعي.

إلى ذلك، أكّد وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم أنه “حمل هذه المخرجات سريعاً إلى مجلس شورى الدولة ثم إلى أقرب جلسة لمجلس الوزراء لإقرارها سريعاً مع المراسيم السابقة من أجل تكريس الحق”.

ولفت إلى أنّ “ما يتمّ إقراره في لجنة المؤشر سنعتمده على أنّه نوع من الحافز والضّغط في ما يتعلّق بمطالب القطاع العام، لأنّ الموظّفين أصبحوا في حال يُرثى لها، لذلك سنعتمد ما يتم إقراره في لجنة المؤشّر للقطاع الخاص كنوع من خلق التوازن مع القطاع العام من منطلق الشعور بالمسؤولية الوطنية لأنّ لجنة المؤشّر لا دخل لها في القطاع العام”.

وفي حديث لـ”النهار” أكّد رئيس الاتحاد العمّالي العام بشارة الأسمر أنّنا “نعمل بالفنّ الممكن وسياسة الخطوة – الخطوة. فإذا احتسبنا 250 ألف ليرة عن كلّ يوم عمل بالإضافة إلى راتب 9 ملايين ليرة وتعويضات عائليّة ومدرسيّة نكون قد أوصلنا المدخول كاملاً نحو الـ19 – 20 مليون ليرة، وهذا ما يمكننا فعله في الوقت الحالي”.

ولفت إلى أنّ “بعض المؤسّسات التي تعمل وتكسب اليوم في القطاع الخاص تدفع جزءاً من رواتب موظّفيها بالدولار الأميركي والجزء الآخر بالليرة ضمن تسوية بينها وبين الموظّف دون التصريح عن الأجر كاملاً للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما يُضعف من إمكانيّات الصندوق. بهذه الخطوة أنا أعطي الموظّف 9 ملايين ليرة مصرّحاً عنها كاملة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ما يمكّننا من النهوض بالصندوق الذي لا يستطيع اليوم أن يغطّي كلفة دواء لأنّ موجوداته لا تتخطّى الـ10%”.

وأضاف: “لا قدرة للضمان أو لوزارة العمل على تفتيش كامل المؤسسات، فيما أغلب متمّمات الرّاتب تُدفع بشكل سرّي غير معلن أو مُصرّح عنه لضريبة الدّخل أو الضمان”.

وأكّد الأسمر أنّ “بدل النّقل يجب أن يكون بحدود الـ500 ألف ليرة يوميّاً وقد لا يفي العامل حقّه”، مضيفاً أنّه “عندما كان الدولار بحدود الـ60 ألفاً كنّا نطالب بأن يكون الحدّ الأدنى 30 مليون ليرة أما اليوم ودولارنا يتخطّى الـ100 ألف ليرة علينا أن نتقاضى 85 مليون ليرة أقلّه لتّأمين عيش أقلّ من لائق. العائلة المؤلّفة من 4- 5 أشخاص بحاجة لـ600 – 800 دولار لتأمين السكن والحدّ الأدنى من الاحتياجات الأساسيّة”.

وقال: “هذه معضلة كبيرة والحلّ بسيط جداً ومعقدّ جداً، وهو وضع سقف لمسار سعر صرف الدولار الأميركي التصاعدي لتحسين القدرة الشرائية ومعالجة بقيّة القضايا، وهذا حلّ لا يمكن تطبيقه في ظلّ سلطة تنفيذيّة غائبة”.

وأشار الأسمر في ما يخصّ العمل عن بعد إلى أنّ “الاتّحاد عادة ما يركّز دائماً على التواجد بأماكن العمل لأنّ التواجد هو إثبات وجود إنّما اليوم لسنا وحدنا بل جزء كبير من دول العالم تعتمد العمل عن بعد”. أضاف: “نحن كاتحاد عمّالي عام يهمّنا استمراريّة العمل بأجر لائق، فإذا توافرت هذه الميّزات بالوظيفة لا مشكلة في العمل من المنزل أو المكتب”.

ولفت الأسمر إلى أنّ “الصياغة التي سيُكتب بها مرسوم زيادة بدل النّقل والأجور ستتضمّن بنداً يحرص على مواكبة بدل النقل والأجور لمسار الدولار التصاعدي”.

إلى ذلك، تفرض معاناة العاملين في القطاع الخاصّ نفسها بشكل يوميّ علينا، إذ يقول شاب يأتي من الشوف إلى بيروت، إن كلفة النقل تختلف بين نقل عام ونقل خاص، وفي حال قرر التنقّل من منزله إلى مركز عمله والعكس عبر النقل العام، فإن الكلفة اليومية 560 ألفاً، أما وفي حال قرر التنقّل من خلال سيارته، فإن الكلفة الأدنى 750 ألفا يوميّاً، وترتفع مع ارتفاع سعر صفيحة البنزين.

من جهة أخرى تقول ريم التي تتنقّل بين فروع عملها في المجمعات التجاريّة أنّ بدل تنقلاتها يختلف من منطقة الى أخرى، فإذا كان يوم عملها في فردان بجانب منزلها تتقاضى 95 ألفاً عن اليوم الواحد أمّا إذا طُلِب منها الذهاب الى منطقة أخرى بواسطة الـ”سرفيس” فتتقاضى 400 ألف ليرة عن اليوم الواحد.

أمّا مُعظم الشركات الخاصّة اللبنانيّة فهي لا تزال حتى الساعة تعتمد تسعيرة الـ95 ألفاً المبلغ الذي يخوّل الموظفين الذهاب إلى عملهم ثمانية أيّام شهريّاً أو أقلّ. فكلّما ارتفع الدولار، ارتفعت تكلفة التنقّلات من دون ان يرتفع معها بدل الأجور وبدل التنقلات بشكل عام.

لذلك نحن ندور في حلقة مفرغة من دون أن نجد انفكاكاً. “ننهش” بعضنا البعض ونكرّر أيّامنا الفقيرة البائسة. دائرة لا زاوية فيها لاستراحة محارب ولا مخرج منها حتى الرّمق الأخير.

Leave A Reply