عبدالكافي الصمد – سفير الشمال
على خطّين متلازمين، تقريباً، تسير مساعي ملء الفراغ الرئاسي وإطالة أمده في وقت واحد، بين طرفين ـ داخلي وخارجي ـ كلّ منهما يسعى بكلّ ما أُوتي من جهد من أجل أن يضمن الفوز لوجهة نظره ومرشحه برئاسة الجمهورية، بعد فراغ مضى عليه أكثر من 5 أشهر، منذ مغادرة الرئيس السّابق ميشال عون قصر بعبدا في 31 تشرين الأوّل الماضي بعد انتهاء ولايته.
وتبيّن بعد 11 جلسة عقدها المجلس النيابي بغرض إنتخاب رئيس جديد للجمهورية أنّ مواقف الأطراف في الدّاخل ما تزال على حالها، بين طرف أعلن أخيراً دعمه ترشيح رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، وبدأ يحشد له، بعدما توارى تكتيكياً طيلة الجلسات السابقة خلف الورقة البيضاء؛ وبين طرف سمّى منذ البداية رئيس حركة الإستقلال النائب ميشال معوض للرئاسة، لكنّه بدأ يميل إلى التخلّي عن ترشيحه بعدما تبين له أنّه لا يستطيع تأمين الفوز له، لكن من غير أن يذهب نحو تبنّي ودعم فرنجية، إنّما أصر، لحسابات داخلية وخارجية، على ألّا يكون المرشّح “التوافقي” من الفريق الآخر، رافعاً سلاح عدم تأمين نصاب الثلثين في دورة الإنتخاب الأولى، ولو استمر الفراغ الرئاسي أشهراً إضافية.
داعمو فرنجية، وتحديداً الثنائي الشّيعي حزب الله وحركة أمل، أكّدوا أنّهم يقفون خلف الزعيم الزغرتاوي ولن يتخلوا عنه مهما طال أمد الفراغ، وأنّ مرشحهم “يتمتع بصفات الرئيس التوافقي، وهو منفتح على الجميع” كما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جانب ما قاله نواب ومقربين منه أنّ فرنجية “يستطيع بما يمتلك من مواصفات وعلاقات أن يجمع اللبنانيين حوله، وإخراج البلد من أزماته.
في المقلب الآخر، يرفض معارضو فرنجية التراجع عن موقفهم، ولا يوفّرون وسيلة من أجل عرقلة فوزه بمنصب الرئاسة الأولى، معلنين أنّ “مرشّح الممانعة لن يدخل إلى قصر بعبدا”، على حدّ قول رئيس القوّات اللبنانية سمير جعجع، وصولاً إلى حدّ تهديد مقرّبين منه بأنّه “في حال انتخاب فرنجية، فسيكون لهم جمهوريتهم ولنا جمهوريتنا”.
هذا الإنقسام الداخلي حول الإستحقاق الرئاسي ينتظر ما سيقوله الخارج المؤثّر والفاعل في الدّاخل اللبناني، كما جرت العادة في كل إستحقاق رئاسي، وتحديداً الولايات المتحدة والسّعودية من جهة، وإيران وسوريا من جهة أخرى، وهذا الخارج لم يتوصل بعد إلى صيغة تسوية لإنهاء الفراغ الرئاسي، برغم مساعي ووساطات تقوم بها فرنسا بالدرجة الأولى، إلى جانب قطر ومصر.
غير أنّ قلقاً داخلياً وعلى كلّ المستويات، لم يعد خافياً، من أن تتأخّر التسوية أشهراً إضافية ما يصيب البلد بمزيد من الإنهيار والتفكّك، ومن أن لا تأتي التسوية إلا “على الحامي”، بعد إشكالات وخضّات أمنية موضعية أو واسعة، كما جرت العادة في عدّة إستحقاقات سابقة، وتحديداً قبل اتفاق الطائف عام 1989 واتفاق الدوحة عام 2008، قبل أن يفرض الأمر الواقع كلمته، لكن بعد سقوط دماء، والتسبّب بمزيد من الإنقسام في بلد لم يغادر مربّع الإنقسام منذ نشأته قبل زهاء 100 عام.