طارق ترشيشي – الجمهورية
يتفاجأ المراقبون بالحملة السياسية والاعلامية التي واكبت زيارة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لباريس وتَلتها، معتبرين انّ هذه الممارسات إنما تؤكد أن حظوظ فرنجية الرئاسية باتت مرتفعة جداً وأن ترشيحه لا يزال يتصدر لائحة المرشحين الرئاسيين.
ويرى المراقبون انّ النقاش حول طريقة صنع الرئيس عادة في لبنان، يبيّن ان تلك الممارسات والحملات انما هي ممارسات صبية في العمل السياسي، إذ لا يظنّن احد انّ رفع الصوت الداخلي من شأنه تعكير صفاء الاجواء الاقليمية والدولية، لا بل ان التاريخ يشهد على ان الجهات التي تهتم بانتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان لا تأخذ في الاعتبار الاصوات الداخلية لأنها تدرك أن خلفية تلك الاصوات لا تأتي من بُعد وطني وانما من بُعد آخر غالباً ما يكون شخصياً ومصلحياً. مع العلم انّ فرنجية لا نقاش في تمثيله الوطني الذي يشكل عاملا أساسيا في ترشيحه وتصدّره لائحة المرشحين.
ويقول احد المخضرمين في العمل الديبلوماسي انّ حل مسألة رئاسة الجمهورية بات على قاب قوسين، وإذ بالافرقاء السياسيين يمارسون لغة التعنت بدلاً من استغلال الفرصة وركب قطار التسوية وحفظ المكتسبات السياسية.
وإذ يستعرض هذا المخضرم مسار الانتخابات الرئاسية قبَيل نهاية عهد الرئيس ميشال عون الى اليوم، فإنه يرى ان ترشيح فرنجية سار في منحى تصاعدي ولم يتوقف ولم يستطع احد مجاراته على مستوى المنافسين. فبعد ان دعم «الثنائي الشيعي» ترشيحه بدأ هذا الترشيح يكتمل فشيئاً فشيئاً على رغم من معارضة كل من «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»، وكذلك على رغم من جولة الموفد البطريركي المطران انطوان ابي نجم ولائحة المرشحين التي خلص إليها، فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل الى انه مهما كثرت المعارضات والحملات الاعلامية المبرمجة فإنّ الثابت هو اكتمال حظوظ فرنجية وبالتالي اعتلاؤه سدة الرئاسة، وذلك للاسباب الآتية:
ـ أولاً، على مستوى المشهد الدولي والاقليمي نجد انّ الموقف الفرنسي بات متقدماً في عملية ترشيح فرنجية، فإذا بالموقف الفرنسي بعد كل اللقاءات والمحادثات التي جرت مع المملكة العربية السعودية، سواء ضمن «اللقاء الخماسي» او مباشرة، يدلّ الى انّ فرنسا في مسعاها المستمر «تتصَيّد» النقاط نقطة نقطة وأن لا «فيتو» نهائياً على فرنجية. كما ان موقف الولايات المتحدة الاميركية الذي عبّرت عنه مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى باربرا ليف من أنها ستتعامل مع الرئيس الذي سينتخبه المجلس النيابي، أضف الى ذلك الاندفاعة الروسية تجاه ترشيح فرنجية عبر إقناع المملكة العربية السعودية بالسير به، من دون ان نغفل الاتفاق التاريخي الذي حصل بين الرياض وطهران برعاية صينية. فكل هذه العوامل لا يمكن وضعها في خانة «اضمحلال» حظوظ فرنجية، حسبما يروّج الحاملون عليه.
– ثانياً، انّ تكوين الكتلتين المسيحيتين الكبريين قد تم بإرادة راعييهما الاقليميين وذلك بهدف الاستعانة بهما في زمن السلم والحرب كونهما مدينتان لهما، فإذا تواجه الراعيان على الارض اللبنانية وَجب على هاتين الكتلتين الانخراط في المواجهة، واذا اتفقا وَجب عليهما مواكبة الاتفاق والحل، بمعنى آخر انّ كتلة «لبنان القوي» يعود القرار في شأنها الى راعيها الاقليمي. وكذلك كتلة «الجمهورية القوية» يعود القرار في شأنها الى راعيها الاقليمي ايضا. وعليه، فإنّ الظهور بمظهر «يا ارض اشتدّي ما حدا قدّي» هو في غير محله العملي. فإذا ذهبت المملكة العربية السعودية الى تأييد فرنجية بمساعدة فرنسية وَجب على من يؤيدها ان يلتزم بقرارها وإلا يصبح مكشوفاً في السياسة وخارجاً عن التوافق الاقليمي الذي يبحث عن حل لملفات كبيرة ذات بُعد استراتيجي اكثر من الملف اللبناني.
– ثالثاً، انّ عنوان الاتفاق الاقليمي ـ الدولي هو بين السعودية وايران وهو الاستقرار الاقليمي خصوصا في الساحتين العراقية واليمنية، وبالتالي انّ ترجمة الحلول على هاتين الساحتين لا يمكن ان تعوقها مجموعتان لبنانيتان اعتاد الغرب والشرق على نزاعهما وتسوياتهما وفقاً لأجندتهما.
– رابعاً، بات من المؤكد انّ الجميع مقتنع بدقة المرحلة الاقليمية المستجدة سواء على المستوى السعودي ـ السوري او على المستوى السوري – المصري، او على المستوى السعودي ـ الايراني. ولذا، على لبنان ان يواكب هذه المسارات لا ان يُعاكسها، فما من احد يستطيع ادارة الملف اللبناني ضمن هذا السياق اكثر من فرنجية، اذ انّ المرحلة لا تحمل المجاذفة بشخصية اقتصادية او شخصية غير مجرّبة لأن اي انعكاس سلبي على «الثنائي الشيعي» من شأنه الاطاحة بعامل الاستقرار الذي ينشده الجميع.
– خامساً، لا شك في انّ زيارة فرنجية لفرنسا تأتي في سياق تقدّم على المستوى الاقليمي وليس ضمن سياق آخر كما وصفه الآخرون بأنه «سلبي». فالسياسة والواقع شيء والسلبية شيء آخر، وان التحليل المنطقي للامور يبعث على توقّع ان تشهد الايام المقبلة تطورات وتطورات تندرج ضمن السياق الذي يدعم ترشيح فرنجية لأنّ كثيرين يعتقدون انّ ما من حل يُرضي الاقليم والداخل معاً أكثر منه، وما رسالة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في الأمس سوى دليل الى انّ «الثنائي الشيعي» يقف في المرصاد لإدراكه انه لو ترك للبنانيين ان يختاروا رئيسهم من بين المرشحين المطروحين لَتقدّم فرنجية على سواه.