الجمعة, نوفمبر 22
Banner

الصلاة شيء.. والمأزق الماروني شيء آخر!

غسان ريفي – سفير الشمال

لطالما ردد النائب الراحل جان عبيد في مجالسه أنه “عند كل إستحقاق لرئاسة الجمهورية يتفنن الموارنة في قطع الطرقات على بعضهم البعض، وفي إختلاق الأزمات بفعل الصراعات، وغالبا ما يُفقدهم ذلك تأثيرهم في إختيار الرئيس العتيد”.

هذا ما حصل سابقا، ويحصل اليوم ويترجم بأسوأ صورة، وهذا ربما ما كان يستشرفه الراحل جان عبيد صاحب الرؤية الثاقبة والأفق الواسع والخبرة في كيفية تعاطي الموارنة مع هذا الاستحقاق على قاعدة “الأحقية الكاملة، وأنا أو لا أحد”.

منذ قيام دولة لبنان الكبير أي من منذ 103 سنوات، وموقع رئاسة الجمهورية هو المتسبب الدائم بصراعات وخلافات مكونات المشهد الماروني في البلد، وهذا ما دفع الرئيس الراحل سليمان فرنجية الى القول مرارا “أن كل ماروني عندما يبلغ الـ18 سنة من العمر يبدأ التفكير برئاسة الجمهورية”.

لا شك في أن خلوة الصلاة والتأمل التي عقدها البطريرك بشارة الراعي للنواب المسيحيين في دير عنيا في حريصا هي حدث مهم من حيث الشكل في هذه المرحلة التي ترتفع فيها المتاريس السياسية بين القوى المسيحية عموما والمارونية خصوصا، لكن في المضمون فإن الصلاة والتأمل والدعاء شيء، والمأزق الماروني حول إختيار الرئيس العتيد شيء آخر، حيث تشهد الساحة المسيحية تشظيا بكل ما للكلمة من معنى، بفعل الأنانية السياسية القائمة والتي يرفض أي من التيارات المعنية التخلي عنها، فهل تنتصر الصلاة على الأنانية بعد هذه الخلوة، ويعود البعض الى رشدهم ويساهمون في تسهيل إتمام هذا الاستحقاق فيكون لدينا رئيسا للجمهورية خلال أسابيع؟، أم أن القيادات المسيحية ستعتمد الفصل بين الدين والسياسة فتعود بعد الخلوة الى خلافاتها وربما بشكل أكبر؟..

وإذا لم تكن الصلاة دافعا للتوافق الرئاسي، فمن المفترض على الأقل أن تهدئ من الانفعالات التي سيطرت على الساحة المسيحية مؤخرا، سواء على مستوى الخطاب الطائفي الذي وصل الى حدود الهستيريا التقسيمية، أو على مستوى التنصل من كل المسؤوليات والأخطاء ورميها على الآخرين، أو على صعيد تعطيل البلاد بمؤسساتها الدستورية وأجهزتها بحجة عدم وجود رئيس للجمهورية، ورمي تبعات ست سنوات من الفشل الذريع على رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي يسعى بكل ما أوتي من جهد وإمكانات لمنع البلد من السقوط الكامل، وذلك بمواجهة بعض القوى التي تسعى جاهدة الى عرقلة مساعيه للوصول الى هذا السقوط حيث ترى في الفوضى التي يمكن أن تنتج منه إمكانية لانعاش فرص إيصال مرشحيها الى رئاسة الجمهورية.

يمكن القول، إن البلاد لم تعد تحتمل المزيد بعدما بدأ الجوع يطرق الأبواب ويفسد فرحة الأعياد، وإذا كانت الصلاة والخلوة الروحية تساعدان على التلاقي وتبادل الابتسامات المصطنعة، فإن إنتخاب رئيس للجمهورية يحتاج الى قرار وإرادة وتصميم على إنهاء الشغور وعلى وضع لبنان على طريق الانقاذ، فهل تثمر خلوة الراعي؟ أم تكون إستراحة محارب تمهيدا لمعارك سياسية وطائفية أكثر ضراوة تطيح بهذا الاستحقاق وتضعه في مهب رياح التسويات المقبلة على المنطقة.

Leave A Reply