غسان ريفي – سفير الشمال
ينتظر لبنان رد الفعل الاسرائيلي على عملية إطلاق عدد من الصواريخ من أراضيه الجنوبية الى المستوطنات الاسرائيلية في فلسطين المحتلة، في وقت لا توجد فيه الكثير من المؤشرات حول شن هجمات صهيونية على الأراضي اللبنانية سوى التهديد الصادر عن مسؤولين إسرائيليين في إجتماعات متواصلة تعقد لتقدير الموقف العسكري المستجد.
لم يعد خافيا على أحد أن الكيان الصهوني يعاني من سلسلة أزمات وصفها الرئيس الاسرائيلي بأنها وجودية، وذلك بفعل الاحتجاجات الشعبية والانقسامات السياسية التي جعلت حكومة نتنياهو تترنح تحت وطأة ضربات الشارع الذي لم يقتصر على المدنيين لا بل تجاوزهم الى العسكريين.
يعلم القاصي والداني أن إسرائيل عندما تكون مأزومة تسارع في الهروب الى الأمام وفتح معارك جانبية، وبما أن القصف المتمادي على سوريا والاعتداءات على غزة لم تخفف من الاحتجاجات في الشارع التي أخذت تتنامى وصولا الى تهديد الكيان برمته، وبما أن إسرائيل تخشى تداعيات أي حرب يمكن أن تدخلها مع لبنان، فإنها وجدت ضالتها في المصلين الذي يؤدون الصلوات في شهر رمضان المبارك في المسجد الأقصى، فنكلت بهم وبالأقصى وأعطت على مدار أكثر من 48 ساعة أبشع صورة عن العدوانية والهنجية والبربرية الصهيونية بحق فلسطينيين عُزّل إلا من إيمانهم بقضيتهم.
في غضون ذلك، كانت جبهة الجنوب هادئة وهي لم تكن تتحرك إلا عند الخروقات الاسرائيلية التي تحولت الى خبز يومي، لكن الوحشية الصهيونية مع المصلين في المسجد الأقصى محاولات إلحاق الضرر به، كل ذلك أدى الىغضب شعبي عربي عارم، والى ردات فعل ترجمت في غزة وفي لبنان باطلاق الصواريخ التي نزلت على الكيان كالصاعقة، أولا لعدم قدرة القبة الحديدية على مواجهة كل الصواريخ فأفلت منها نحو عشرة إنفجروا في مناطق متفرقة من المستوطنات، وثانيا للتداعيات الداخلية التي نتجت عن الصواريخ في ظل الانقسام السياسي الحاصل، ما أحدث إرباكا غير مسبوق في الكيان الذي كثف إجتماعاته للبحث في كيفية الرد وزمانه ومكانه المناسبين، وبشكل يخفف عن حكومة نتنياهو عبء الاحتجاجات.
لا شك في أن صمت حزب الله يدخل ضمن التكتيك العسكري لجهة عدم تطمين العدو، ورفض إعطائه ما يريد بالرد على تساؤلاته، وإبقائه في قلق دائم، لذلك فإن المقاومة تجاهلت عملية إطلاق الصواريخ، كما تجنبَ العدو إتهام الحزب، متجها نحو حركة حماس وربما بدعم من إيران.
يُدرك الاسرائيليون أن الدخول في حرب مع لبنان ليس نزهة، ودونه الكثير من المخاطر والتداعيات الكارثية عليه، خصوصا في ظل جهوزية المقاومة وقدراتها الفاعلة وإمكاناتها اللوجستية التي تتطور يوما بعد يوم، ووجود حقل كاريش تحت مرمى مسيراتها ونيرانها، ما يؤكد أن إسرائيل قد تعرف كيف تبدأ الحرب في حال أرادت ذلك، لكن لا يمكن أن تعرف كيف ستنتهي.
لذلك، تشير المعطيات الى أن إسرائيل قد تستهدف غزة بشكل عنيف لضرب أهداف تابعة لحماس، وقد بدأ ذلك فعلا بعد منتصف الليل حيث أعلنت حكومة الاحتلال بإنطلاق عملية عسكرية ضد غزة، وربما يترافق ذلك مع قصف صهيوني باتجاه بعض الجبال والوديان في لبنان لحفظ ماء الوجه أمام الداخل الاسرائيلي، فهل يكتفي العدو بذلك أو بالغارات الوهمية وحشد القوات العسكرية على الحدود؟، أم يدخل في مغامرة غير محسوبة النتائج خصوصا في ظل علاقة متوترة مع أميركا التي قد تحاول توريطه، وعدم رضى أوروبي على آداء حكومة نتنياهو، وغضب داخلي عليها ومحاولات مستمرة لاسقاطها؟!..