بات الانسان يعيش هذه الأيام ما بين عالم حقيقي وعالم افتراضي، والفاصل بينهما شبه معدوم، وذلك لاختلاطهما بأساسيات العيش في مجتمعاتنا، ومن لم يسعى الى التطور وامتلاك أدوات المعرفة والتكنولوجيا، سيكون كما يعيش في غابة، لا يفقه شيئا مما يجري حوله، وكل هذا بفعل سرعة التطور التكنولوجي وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال المالكة لهذه التقنيات على مقدرات الشعوب والدول، مهما عظم شأنها وقوتها، لأن من لا يمتلك هذه التقنيات لن يسمح له بالعيش كما يريد هو، بل كما يريدوا هم. والسبب الرئيسي هو سوء استعمال التقنيات الحديثة وخاصة منها الإنترنت.
نحن في نهاية الـ 2020 وهو الحد الفاصل ما بين طريقة وأسلوب حياة، ما قبلها ليس كما بعدها، فهذا العام شهد تطورات فرضت علينا من خلال آليات التطور الحديثة المرتبطة ارتباط كلي بالتكنولوجيا وبالذكاء الإصطناعي، وخاصة من خلال اطلاق تقنيات الـ 5G وهو الجيل الخامس من الانترنت وتطبيقاته، والقوانين والتشريعات الدولية والبروتوكولات الدولية التي ستتحكم بشبكة الانترنت الجديدة، من خلال الأمم المتحدة وجميع المنظمات والشبكات الحكومية التي تتحكم بهذا العالم، وفي العام المقبل سيطبق بروتوكول جديد واسمه IPV6، على كل الأجهزة وكل شيء في العالم وبالتالي على البشر.
فما هو IPV6؟
العالم الآن مرتبط بالانترنت من خلال عنوان ويطلق عليه اسم الـ IP Adress، وهو عبارة عن رقم يحدد هوية المتصل بالانترنت (بروتوكول)، وهذا الرقم عبارة عن هوية هذا المتصل، الإصدار الرابع هوالأكثر شيوعا، ثم الاصدار السادس، فعنوان (الآي بي) في الإصدار الرابع يخزن على 32 بت أي 4 بايت ويكتب على شكل 4 ارقام (من 0 إلى 255) تفصلها نقاط (مثلا 10.20.30.1) في حين أن عنوان الإصدار السادس يخزن على 128 بت أي 16 بايت ويكتب على شكل 8 مجموعات من 16 بت بترميز الأساس 16يفصل بينها الرمز (.) أو (:) : مثال: fff:0000:0a88:85a3:0000:0000:ac1f:8001)).
فإذا كان الـ IPV4 عبارة عن : 0000.0000.0000.0000
فالـ الـ IPV6 عبارة عن: 0000.0000.0000.0000.0000.0000.0000.0000
فالـ IPV4 كان يغطي ما كان مفترضاً أن يكفي للعالم في مرحلة ما قبل الـ 2020 أما الآن فلم تعد تكفي وبالتالي كان لا بد من تطويرها بحيث تشمل العالم كل العالم، بما فيها الانسان والحيوان والأشياء وما قد يخطر على بال بشر فجاءت الـ IPV6 ليتسع إلى تريلونات من الأرقام المتاحة لتوصيلها الى الأجهزة، وإلى السيارات، والحيوانات والإنسان!
العالم مشبوك الآن من خلال الجيل الحالي بأجهزة الانترنت، ان كان من خلال الأجهزة الإلكترونية في المكاتب والمنازل أو من خلال الهاتف المحمول، فما بالك بشبكة عنكبوتية تربط كل شيء في الكون مع الإنسان؟!
فالجيل القادم من الانترنت سيربط كل شيء قد يخطر على بالك في هذا العالم، الإنسان مع الحيوان مع الجماد مع الأشياء، فإذا كان للهاتف المحمول IP address سيكون للإنسان أيضاً IP address، وهذا سيكون بمثابة الهوية له واسمه: Internet Of Things. أو الـ IOT.
والـ IOT، سيربط الإنسان بكل شيء يدور حوله، على سبيل المثال، إذا كنت أنت قادماً من العمل إلى المنزل في ساعة محددة أو غير محددة، ستجد بيتك او محتويات البيت في حالة استقبال لك لتؤمن لك سبل الراحة التي برمجتها عليها، يعني اذا كنت برمجت التلفزيون على ان يعمل مباشرة بعد دخولك البيت، ستجد قناتك المفضلة قد اشتغلت لوحدها أو إذا أردت موسيقى معينة فستشتغل لوحدها أيضاً أو أردت أن تشرب شيئاً ما مثلجاً فستجده بات جاهزاً في المكان المخصص له وهكذا دواليك…
للوهلة الأولى قد تظن أن هذا شيئا جميلاً وقد تُسر لمعرفة ذلك التطور ويشعرك بالراحة، إلا أنه يحتوي على خطورة كبيرة، إذ أن كيف لهذه الأجهزة والبيئة التي تدور حولك أن تعرف عنك كل شيء؟ والجواب: هو أنه من ضمن البروتوكولات الجديدة التي ستفرض على البشرية بذريعة التكيف مع التطورات العلمية، هو زراعة رقاقة الكترونية صغيرة مقدار حبة البرغل أو الرز داخل جسم الإنسان، قد تكون في كتفه، أو يده، أو مكان آخر في جسم الإنسان، وهذه الرقاقة الصغيرة تدعى: RFID، (Radio Radio Frequency Identification).
(Radio Frequency Identification (RFID) technology uses radio waves to identify people or objects. There is a device that reads information contained in a wireless device or “tag” from a distance without making any physical contact or requiring a line of sight).
وهذه الـ RFID، ستبعث بمعلومات من خلال جسمك إلى جهاز الإنترنت، لتطلعه فيها على حالتك الصحية بالتفاصيل، ولو كنت متعرقاً او تشعر بالبرد أو مرتبك لأمر ما أو أي تغير قد يطرأ على حالتك الصحية سيرسل إشارات ومعلومات لجهاز الانترنت وبالتالي سيقوم الانترنت بالعمل والإجراء المناسب التي أنت تحتاجه. وبهذه الحالة ستصبح أنت أيها الإنسان كأي شيء في هذا المحيط أي تم “تشييئك” إذا جاز التعبير! وهذا إن دل على شيء فهو يدل على سلب إنسانية الإنسان وتحويله إلى “شيء ما” خالٍ من الإرادة، لإن إرادة الإنسان “المُطّعّم” بالـ RFID، ستكون مسلوبة ويتم التحكم به من خلال “الكونترولر” أو “المُتَحَكِمْ” عن بعد.
وهنا يقودنا البحث إلى شيء آخر، وهو “الخصوصية”، فخصوصية الإنسان، لم تعد موجودة، فالكل يعرف عن الكل، وهذه مشكلة خطيرة أخرى، فوسائل التواصل الاجتماعي والتي هي شبه مجانية منذ تأسيسها، كان الهدف منها تجميع المعلومات العامة والخاصة بكل إنسان يستعمل وسائل التواصل الاجتماعي ناهيك عن البريد الإلكتروني والذي بات يحتوي على كل “داتا” الشركات والمؤسسات وما شابه.
وأما في تطبيق مفاهيم ما يسمى الـ AI، الذكاء الإصطناعي (Artificial Iintelligence) تكمن خطورة قاتلة، حيث سيقودنا إلى ما هو أذكى من الإنسان العادي من خلال العمل على تطوير ذاكرة العقول الإلكترونية وجعلها تستوعب كم هائل من المعلومات بحيث أنها تصعب على الانسان العادي،فالـ AI، سيكون مرتبط بشبكة معلومات أشبه بـ “غووغل”، وسيكون أسرع بكثير من قدرة الإنسان على الوصول الى المعلومة، وقد تكون “برمشة عين” حاضرة اذا ما طُلبت.
واذا ما أتيح هذا للإنسان فإنه سيلجأ إلى ما هو أسهل للحصول على المعلومات التي يريدها، بدليل أننا لم نعد نستطيع حفظ أكثر من رقم الهاتف الخاص بنا أو هاتف المنزل أو على الأقل رقم الهوية، او الحسابات المصرفية وكلمات السر الخاصة بها، فما بالك بحفظ هذا الكم الهائل من المعلومات التي نريدها، وكل ذلك حصل بسبب الإعتماد على ذاكرة الهاتف المحمول وليس على ذاكرتنا الطبيعية، فتعطلت قدراتنا البديهية والبحثية بالوصول الى المعلومات المخزنة داخل الذاكرة العملاقة للإنسان وأصبحت خاملة جداً، وبالتالي بات من الصعب تذكر الأشياء أو حفظها واستسهال الوصول اليها من خلال الهاتف المحمول او ما شابه.
منا هنا، وجب اصدار تشريعات وقوانين دولية للحد من قدرات الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي، وتقنين وقوننة كل ما ينتج عنها، والوصول الى بروتوكولات ضابطة لتفلت أصحاب الرساميل القوية والمتحكمة بشركات الذكاء الإصطناعي وإلا سيصبح البشر “أدوات” بأيديهم، ويتم التحكم بهم ساعة ما يقررون دون أي حسيب أو رقيب. وعلى الدنيا السلام.