على وقع الأزمة الاقتصادية والمالية التي شهدها لبنان منذ أواخر عام 2019، وقيام المصارف بفرض العديد من القيود على سحوبات الزبائن ومنعها تحويل الأموال إلى الخارج، شكلت شركات تحويل الأموال في البلاد، ملجأً للكثير من الأشخاص الراغبين في إجراء عملياتهم المالية التي كانوا قد اعتادوا القيام بها في البنوك.
عدم انتظام عمل البنوك
ومع عدم انتظام عمل المصارف اللبنانية في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب لجوئها للإضرابات المتكررة، وإحجام الناس عن إيداع أموالهم في البنوك بسبب فقدان عنصر الثقة، زاد اعتماد اللبنانيين على مكاتب تحويل الأموال التي باتت منتشرة بكثافة في كافة المدن والبلدات، وهذا ما دفع بهذه المكاتب إلى توسيع مروحة الخدمات التي تقدمها، لتشمل إضافة إلى تحويل الأموال خدمات دفع الرسوم وإصدار المحافظ المالية وبطاقات الدفع المسبق، وهو أمر اعتبره البعض تعديا على دور المصارف في البلاد.
المركز الأول في تلقي التحويلات
ويعد لبنان ضمن قائمة الدول الأكثر تلقيا للأموال من المغتربين في العالم، فقد تبوّأ المركز الأوّل في المنطقة والمرتبة الثانية عالميّا من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي، والتي بلغت 37.8 في المئة في العام 2022، مع وصول حجم التحويلات إلى 6.8 مليارات دولار أميركي، وذلك بحسب تقديرات البنك الدولي، وقد اعتمد معظم المغتربين على مكاتب تحويل الأموال لتنفيذ هذه التحويلات، بدلاً من الاعتماد على المصارف.
دور محوري يدعم عجلة الاقتصاد
ويقول العضو التنفيذي في مجلس إدارة شركة OMT لتحويل الأموال ناجي أبو زيد، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه ومن جرّاء الأزمة المالية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، ازداد الاعتماد على شركات تحويل الأموال، التي أصبحت تؤدّي دورا محوريا انعكس إيجابا على العجلة الاقتصادية، سواء من خلال التحويلات المالية الواردة من الأفراد في الخارج، والتي يمكن استلامها بسرعة وسهولة وأمان، أو من خلال التحاويل التي تقوم بها المنظّمات الدولية، للمستفيدين من مساعداتها المالية والمنتشرين على كافّة الأراضي اللبنانية.
شركات التحويل تضررت من انهيار قطاع المصارف
ويؤكد أبو زيد أن شركات تحويل الأموال في لبنان لم ولن تأخذ دور المصارف، بل هي متضرّرة من انهيار القطاع المصرفي، حيث إنه وبعد الأزمة وجدت هذه الشركات نفسها مضطرّة إلى تطبيق آلية عمل معقّدة وطويلة، مع كلّ ما تحمله من كلفة عالية ومخاطر في إدارة السيولة النقدية، ومتطلّبات إضافية على مستوى التأمين والحراسة المشدّدة لتوزيع الأموال يوميا، مشيرا إلى أن لجوء شركات تحويل الأموال، إلى تقديم خدمة هدايا الزواج التي كانت محصورة بالمصارف، أتى استجابة لطلب عدد كبير من الزبائن نظرا لاشتداد الأزمة وإقفال المصارف، في حين أن إطلاق هذه الشركات للبطاقات مسبقة الدفع، يتم من خلال التعاون مع المصارف.
ثقة الناس لم تتغير بشركات تحويل الأموال
وبحسب أبوزيد، فإن ثقة الناس بشركات تحويل الأموال في لبنان لم تتغيّر سواء قبل الأزمة أو بعدها، لافتاً إلى أن هذه الشركات لم تتوقّف يوما عن تسديد التحويلات المالية بالدولار النقدي، رغم كلّ الأزمات التي واجهت البلاد، مشيرا إلى أن OMT قامت خلال عام 2022 وحده، بالتعامل مع نحو 265 ألف مستفيد شهريا من التحويلات الواردة من نحو 175 دولة في العالم إلى لبنان، في حين كانت شركات تحويل الأموال موجودة أيضاً لتسيير أمور المنظّمات الدولية، وتوزيع المساعدات المالية التي تقدمها على كلّ المستفيدين وفي فترات قصيرة.
نمو شركات تحويل الأموال إلى 2400 فرعاً
من جهته، يقول الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية والمالية خالد أبو شقرا، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن شركات تحويل الأموال في لبنان البالغ عددها 14 شركة، شهدت خلال سنوات ما بعد الأزمة نموا أفقيا وعاموديا، وقد تمثل النمو الأفقي في زيادة عدد فروعها إلى أكثر من 2400 فرع، في حين تمثل النمو العمودي باستفادة هذه الشركات، من حالة فقدان الثقة بالنظام المصرفي لتنويع وتوسيع خدماتها.
مروحة خدمات مصرفية لشركات تحويل الأموال
ويشرح أبو شقرا أن بعض شركات تحويل الأموال زاد عدد فروعها، وعمدت إلى إصدار بطاقات ائتمان تخول حاملها سحب المبالغ المحولة له من الخارج بالعملة الأجنبية، إضافة إلى قبض المساعدات المحولة من مؤسسات الدول المانحة، مستفيدة من تفضيل المواطنين إجراء المعاملات معها، في حين كانت المصارف تعاني من الإغلاقات المستمرة وأعمال الشغب والدعاوى القضائية، حيث تراجع عدد فروع المصارف في لبنان من حدود 1058 فرعا في 2019 إلى 786 فرعا في نهاية 2022، مشيرا أيضا إلى تراجع عدد الصرافات الآلية التابعة للمصارف من قرابة 2000 صراف آلي إلى نحو 1500 صراف آلي، نسبة كبيرة منها لا تعمل بانتظام.
ويختم أبوشقرا بأن شركات تحويل الأموال حازت على ثقة المتعاملين وكونت خبرة مهمة خلال سنوات الأزمة، في الوقت الذي فقدت فيه المصارف دورها المحوري في الاقتصاد، في ظل ارتفاع قيمة العمولات التي ستحصل عليها لقاء تنفيذ التحويلات، مقارنة بنسبة العمولة لدى شركات تحويل الأموال.
سكاي نيوز