الجمعة, نوفمبر 22
Banner

انخفاض أسعار العقارات 50% لا يغري اللبنانيين: “كاش” الدولار مفقود والودائع محتجزة والقروض “بح”

سلوى بعلبكي – النهار

“نيال مين عندو مرقد عنزة بلبنان”، عبارة كانت مفتاحاً عاطفياً وإنمائياً بين اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، إذ لم يكن في الوطن الصغير المساحة، أكثر من العقار ملاذاً آمناً للاستثمار والادّخار، والاحتفاظ به كبوليصة لتأمين حمايةً لـ”الآخرة، إذا دعا داع”، أو “أزفت” الحاجة.

لم يكن في وارد اللبنانيين، أو شبه لهم، أن اثنين قد يسقطان، المصارف والعقار. الأولى ذهبت ضحية افتراس الدولة لودائعها، وتمادي المصرفيين في مسايرة السلطة، والثاني سقط، ولكن إلى حين.

انخفاض أسعار العقارات منذ بدء الأزمة بنحو 50%، لم يكن حدثاً عادياً في سوق العقار اللبنانية، فهذا لم يحصل إبان الحرب الأهلية، ولم يحصل في ملمات عدة مرت على لبنان.

ولهذا أسباب عدة، منها انهيار سعر الصرف وتلاشي قدرة أغلبية اللبنانيين على التملك، ومنها توقف الاستثمار الخليجي في القطاع، للأسباب السياسية المعروفة، وكذلك توقف الإنشاءات الجديدة نوعاً ما، وجائحة كورونا التي أغلقت البلاد لمدة طويلة في ظل تمادي الانهيار الاقتصادي والنقدي، وسقوط مؤسسات الدولة في الفوضى والفراغ. لكن أهم الأسباب التي قصمت ظهر حركة البيع والشراء، توقف المصارف عن التسليف، ليس لرغبة منها، بل بسبب عدم ثبات سعر الصرف، والانهيار المستمر في سعر الليرة، بالإضافة إلى عدم قدرة المصارف على تأمين اللازم من السيولة لتمويل مثل هذه البرامج. يضاف الى ذلك توقف مصرف الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان عن منح القروض للأسباب عينها التي أخرجت المصارف من السوق.

بعد نحو 3 سنوات على بدء الانهيار بات يمكن القول إن ثمة أمرين يجوز التعويل عليهما لإعادة تحريك سوق العقارات، وإعادة عجلة النمو فيه الى سابق عهدها. أولهما هو الميل العاطفي للمغتربين اللبنانيين الى التملك في وطنهم الأم، بالرغم من “مصائب البلد ومشاكله”، وثانيهما، وإن بنسبة أقل، أن عدد اللبنانيين العاملين وخصوصاً الشباب بينهم “ممّن لم يتركوا البلد حتى اليوم” باتوا يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي نقداً. وهؤلاء ليسوا بقلة، يسعون الى امتلاك شقق وبيوت تخفف عنهم ثقل الإيجارات من جهة، والإفادة من انخفاض الأسعار السائد حالياً.

الخبير العقاري رجا مكارم يؤكد لـ”النهار” أن عام 2022 كان عاماً سيئاً جداً للقطاع وانسحبت انعكاساته على الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، إذ لا يزال الجمود مسيطراً، وقلة من الناس تشتري. فالذين يملكون الكاش “فرش” أو يستطيعون الحصول عليه من الخارج يفتشون عن أسعار “لقطة” وهو ما لا يمكن العثور عليه فعلياً. فأصحاب العقارات، وإن كانوا بحاجة الى أموال، لن يبيعوا عقارات قيمتها ملايين الدولارات للحصول على 100 ألف أو 200 ألف دولار مثلاً، لذا تراهم يبيعون مقتنيات أقلّ ثمناً مثل السيارات أو المجوهرات وغيرها.

بالنسبة لأسعار الشقق، يوضح مكارم أن قيمتها انخفضت بنسبة 50% عما كانت عليه في 2019، ولا يزال تصريفها صعباً، مع بعض الاستثناءات لشقق لم تنخفض قيمتها أكثر من 30% نظراً الى كثرة الطلب عليها وخصوصاً الشقق المتميّزة المطلة على البحر.

في مقابل جمود السوق بالنسبة للعقارات والشقق، يلاحظ مكاري أن السوق العقارية تحرّكت في الاشهر الستة الأخيرة تجارياً، بدليل ارتفاع الطلب على المحالّ التجارية وعلى المقاهي والمطاعم، بما أدى الى ارتفاع الأسعار في بعض المناطق مثل الجميزة ومار مخايل وخصوصاً على صعيد الإيجارات، إذ ارتفع إيجار المتر الواحد من 150 دولاراً الى 250 و300 دولار سنوياً.

وعلى الرغم من الظروف التي تمر بها البلاد والتي انعكست على السوق العقارية، يستنتج مكارم أن القطاع العقاري لا يزال أفضل حالاً من القطاع المصرفي، إذ إن الإيداعات في المصارف خسرت أكثر من 85% فيما القطاع العقاري راوحت خسائره بين 30 و60%. وتالياً فإن الاستثمار في القطاع العقاري لا يزال آمناً، مع اقتناعه بأن الأسعار ستعود الى طبيعتها في العامين المقبلين، وإن كان التحسّن يسير ببطء نسبياً. بيد أن الأمل بالتحسن بالنسبة للقطاع العقاري يتوقف وفق مكارم على التحسن في الظروف السياسية والمالية والمصرفية والأمنية والإصلاحات، ولكنه يبدو مقتنعاً بأن الأسعار خلال الأشهر الستة المقبلة لن تتراجع أكثر، بل سترتفع وإن بنسبة قليلة، ويستند في رأيه، الى أن القطاع مر بظروف أكثر سوءاً في الأعوام الماضية، ثم عاود نشاطه مع تحسن الظروف المحلية مع الأمل أن لا تطول الأزمة.

في عام 2022، شهدت السوق العقارية تراجعاً كبيراً في الطلب بعدما أصبح بيع العقارات يتم بصورة شبه حصرية بالدولار النقدي (فريش) ولا يزال. ففي السنوات السابقة، كان بإمكان المشترين أن يستخدموا الشبكات المصرفية بسعر الصرف المعتمد من المصارف لتسديد ثمن عقاراتهم، غير أن ذلك توقف تقريباً عام 2022. ومع دولرة السوق، انخفض عدد الشراة المهتمين بسبب ندرة الشراة بالدولار النقدي.

وبالأرقام التي وردت في تقرير لبنك عودة، بلغ عدد الصفقات العقارية 147038 صفقة عام 2022، أي بانخفاض نسبته %26.2 مقارنة مع العدد المسجل عام 2021، فيكون متوسط قيمة الصفقة الواحدة عام 2022 قد بلغ 179542 دولاراً أميركياً، بانخفاض نسبته 27.1 مقارنة مع نظيره في عام 2021. توازياً، تراجع عدد عمليات البيع عام 2022 بنسبة %27.3 بحيث بلغ 79990 عملية مقابل 110094 عملية في عام 2021.

توازياً، شهدت محفظة القروض بالعملات الأجنبية لدى المصارف اللبنانية انخفاضاً كبيراً منذ بداية الأزمة الاقتصادية، إذ تراجع مجموع القروض المصرفية بالعملات الأجنبية بنسبة %73.3 ليبلغ 10.2 مليارات دولار في نهاية كانون الأول 2022 في مقابل 38.1 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2019، ويعود ذلك الى أن المقترضين سدّدوا ديونهم بالدولار المحلي، بمن فيهم الملاكون العقاريون، علماً بأن معظم مالكي العقارات يسعون أكثر فأكثر الى بيع مخزونهم الباقي بالدولار الأميركي “النقدي” (الفريش النقدي).

وهذا الواقع، إضافة الى ندرة الشراة المهتمين والمستعدين للدفع بالدولار النقدي، أحدث تفاوتاً بين العرض والطلب في السوق العقاري، ما انعكس سلباً على تطور الأسعار بحيث انخفضت أسعار العقارات بالدولار النقدي بما يزيد عن 50% منذ بداية الأزمة في عام 2019.

يشير نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان وليد موسى إلى تفاوت حركة مبيع وشراء العقارات تبعاً للمناطق اللبنانية، لافتاً إلى تراجع قيمة العقارات الفعلية بنسبة 30% بعد هبوطها إلى 50% في بداية الأزمة ومعاودة ارتفاعها من جديد حالياً بنسبة 20% خصوصاً في المناطق التي تقع ضمن نطاق العاصمة بيروت، كوسط المدينة، والأشرفية، والجناح ورأس بيروت.

وعلى الرغم من تراجع الأسعار، يلاحظ موسى أن الإقبال على شراء العقارات لا يزال منخفضاً مقارنة مع حركة الشراء الكثيفة في بدايات الأزمة، متخوّفاً من عدم عودة الأسعار الى مستواها الذي كانت عليه قبل عام 2019 خصوصاً مع انخفاض حجم الطلب في ظل توقف القروض السكنية، بما يؤثر على حركة الإنشاءات الجديدة. وبرأيه “لا يمكن الحديث عن وجود سوق عقارية عالمية من دون قروض سكنية، إذ لا يمكن للسوق أن تكون طبيعية فيما تقتصر عمليات الشراء على شريحة ضئيلة من اللبنانيين تدفع قيمة الشقة “كاش” بالعملة الأجنبية”.

وإذ يشير موسى إلى تباطؤ السوق العقارية بنسبة تراوح بين 70% إلى 80%، يوضح عدم استعداد مالكي العقارات لخسارة أكثر من 30% في بيع أملاكهم أو بيعها “بأسعار محروقة” على اعتبار أنهم من الطبقة الميسورة.

كذلك أشار موسى لـ”النهار” إلى أن سوق الإيجارات ازدهرت على الرغم من دولرة العقود، علماً بأن الأسعار انخفضت بنسب متفاوتة وصلت أحياناً الى 50% تبعاً للمناطق اللبنانية.

ولفت موسى إلى محافظة العقارات المطلة على الواجهة البحرية على أسعارها وعدم تراجعها إلى ما دون الـ30%، وكذلك العقارات الواقعة في نطاق منطقتي فاريا وفقرا على اعتبار أنها مقصد سياحي صيفي لدى مالكي القدرة الشرائية.

الى ذلك يشير موسى الى مسألة مهمة تتعلق بإقفال الدوائر العقارية على خلفية التوقيفات بتهم الفساد والرشوة والتزوير، فيقول “نصفهم في السجن والنصف الثاني إمّا متوارٍ عن الأنظار أو خائف”، مشيراً إلى “غياب الحلول في هذا الملف كما حصل في ملف النافعة التي فتحت أبوابها أمس، فتعيين أمين السجل العقاري يتطلب شروطاً معيّنة، أبرزها أن يكون حائزاً شهادة في الحقوق وملمّاً بالمسائل القانونية”.

أما عن إجراءات التسجيل في حالات الشراء في ظل إغلاق الدوائر العقارية، فيؤكد موسى إجراء الشاري لعقود لدى كاتب العدل، مشيراً إلى ضرورة إيداع سند الملكية لديه إلى حين انتقال الملكية الى الشاري تحسّباً لعدم قيام المالك بإعادة بيعه مجدداً لأشخاص آخرين.

Leave A Reply